ترك برس

في ظل التوترات المستمرة في سوريا والتقلبات الجيوسياسية، تزداد أهمية اتخاذ مواقف استراتيجية مدروسة من قبل الأطراف المعنية في المنطقة.

وبالنظر إلى تحولات القوة في سوريا، والتنافس بين القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة، والمصالح المتناقضة بين الأطراف الإقليمية مثل تركيا وإيران، يبدو أن التعامل مع هذا الوضع يتطلب قراءة دقيقة للمتغيرات الدولية والإقليمية.

وبناءً على التحليل الجيوسياسي الراهن، يمكن استعرضات التوصيات التالية على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية، مع التركيز على تركيا وسوريا والدور الإقليمي والدولي:

تقرير شامل حول التوصيات السياسية والجيوسياسية في ضوء الوضع الراهن في سوريا والمنطقة

أولاً: التوصيات على المستوى التركي

في ظل الصراع المحتدم بين القوى الكبرى في سوريا، يتعين على تركيا الاستمرار في تبني سياسة متوازنة بين روسيا والولايات المتحدة. على الرغم من الضغوط المتزايدة في المنطقة، يجب على أنقرة أن تحافظ على علاقات جيدة مع الطرفين لتفادي الانحياز المفرط إلى أحدهما، خاصة في ضوء التصعيدات العسكرية والسياسية في المنطقة.

ويجب استغلال التحالفات الاستراتيجية مع القوى الكبرى لضمان مصالح تركيا في سوريا ومنع توسع القوى المعادية، مثل حزب العمال الكردستاني. يجب أن تظل تركيا طرفًا مؤثرًا في أي تسوية سياسية تخص سوريا.

وفي ظل التفاهمات المحتملة بين روسيا والولايات المتحدة حول تقسيم النفوذ في الشرق الأوسط، يجب على تركيا أن تراقب عن كثب أي صفقات يمكن أن تؤثر على أمنها القومي، مثل تشكيل كيانات سياسية جديدة أو منح منافذ بحرية لأطراف معادية لتركيا.

ويجب تعزيز اليقظة الاستخباراتية والدبلوماسية لمراقبة هذه الصفقات المحتملة والضغط على الأطراف المعنية لضمان عدم التأثير سلبًا على مصالحها الأمنية.

تزايد النفوذ الإيراني والتهديدات الانفصالية على الحدود الجنوبية لتركيا، خاصة على الخط العراقي-السوري-اللبناني، يشكل تحديًا كبيرًا. كما أن وجود جماعات مسلحة على هذه الحدود يمكن أن يؤدي إلى تهديدات أمنية.

وينبغي تعزيز الأمن على الحدود مع سوريا والعراق، وتوسيع التعاون الاستخباراتي والتقني مع الدول المعنية لمواجهة هذه التهديدات، وضمان استقرار المنطقة الحدودية.

ثانيًا: التوصيات على المستوى السوري (المعارضة)

على الرغم من التقدم العسكري الذي تحققه بعض الفصائل المعارضة، يجب أن يتجه التركيز إلى بناء استراتيجيات سياسية وعسكرية مستدامة تتماشى مع التحولات الدولية. الاعتماد على الانتصارات العسكرية قصيرة الأمد قد يؤدي إلى إضعاف الموقف السياسي العام.

ويجب تبني استراتيجيات طويلة الأمد تركز على تحقيق مكاسب دائمة في ظل التغيرات الدولية، مع تعزيز التنسيق العسكري بين الفصائل المعارضة لضمان فاعليتها في مواجهة القوى الكبرى.

في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، من الضروري تحسين مستوى الخدمات والحوكمة المحلية لضمان استقرار المناطق الخاضعة لها وكسب دعم السكان المحليين. الفشل في هذا الجانب قد يؤدي إلى تآكل الدعم الشعبي وفتح الباب للنفوذ الخارجي.

ويتعين تعزيز إدارة المناطق المعارضة على أسس ديمقراطية وفعّالة، وتحسين مستوى الخدمات العامة مثل التعليم والصحة لتقوية المصداقية السياسية للمعارضة.

واحدة من أكبر التحديات التي تواجه المعارضة السورية هي الانقسامات الداخلية بين الفصائل المختلفة. التشرذم بين هذه الفصائل يعوق الجهود العسكرية والسياسية المشتركة.

وينبغي العمل على توحيد الفصائل المعارضة عبر خلق تنسيق أكبر بين القيادات العسكرية والسياسية، مع التأكيد على أهمية التنوع السياسي داخل صفوف المعارضة لتحقيق أكبر قدر من الشرعية المحلية والدولية.

ثالثًا: التوصيات على المستوى الإقليمي والدولي

في ظل النفوذ المتزايد لروسيا وإيران في المنطقة، فإن تعزيز التعاون الإقليمي بين تركيا ودول الخليج وبعض القوى العربية يعد أمرًا بالغ الأهمية. تعاون هذه الأطراف يمكن أن يشكل جبهة موحدة في مواجهة التوسع الإيراني والروسي في سوريا.

وفي هذا السياق، يجب تكثيف التعاون مع الدول الإقليمية التي تتقاطع مصالحها مع مصالح تركيا في سوريا، بما في ذلك دعم المعارضة السورية المعتدلة ومواجهة التهديدات الإيرانية.

استمرار النزاع العسكري في سوريا ليس في مصلحة أي طرف إقليمي أو دولي. الحل السياسي هو الخيار الأفضل لضمان استقرار سوريا والمنطقة.

وينبغي تكثيف الجهود الدبلوماسية على المستوى الدولي للضغط على الأطراف المتنازعة للوصول إلى تسوية سياسية شاملة. ويجب أن تساهم تركيا بشكل نشط في هذه المفاوضات لضمان تحقيق مصالحها وتجنب تزايد النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة.

تشكل فكرة إنشاء "ممر كردي" انفصالي يمتد من شمال العراق إلى البحر الأبيض المتوسط تهديدًا كبيرًا لأمن تركيا، حيث يمكن أن يصبح منصة لتوسيع نفوذ القوى المعادية.

من المهم الضغط على القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة لضمان عدم تمكين أي مشروع ممر من هذا القبيل إلى البحر المتوسط، وتعزيز الأمن التركي عبر التحالفات الدبلوماسية والعسكرية.

ختامًا: التعامل مع الأزمة السورية في ظل هذه المتغيرات الجيوسياسية يتطلب ترويًا وذكاءً سياسيًا. يجب على الأطراف المعنية في المنطقة، وخصوصًا تركيا، الاستفادة من جميع الأدوات المتاحة — سواء دبلوماسية أو عسكرية — لتحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد.

ومن المهم أن تظل السياسة التركية مرنة وتتكيف مع التحولات الدولية والإقليمية المتسارعة، مع الحفاظ على توازن القوى في المنطقة لضمان استقرارها الأمني والسياسي. وفي الوقت نفسه، يجب التركيز على الحلول السياسية أكثر من الحلول العسكرية، لضمان استقرار المنطقة وتقليل الخسائر الإنسانية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!