غوردون لوبولد وآدم إنتوس في واشنطن وديون نيسينباوم في إسطنبول - وول ستريت جورنال - ترجمة وتحرير ترك برس
وفقًا لمسؤولين، وراء الكواليس، انهار التنسيق بين واشنطن وأنقرة في المستويات العليا.
عندما وجهت القوات البرية التركية ضربة لمقاتلي داعش في سوريا الأسبوع الماضي، أشادت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بما وصفته بأنه تنسيق متقارب بين الولايات المتحدة وتركيا.
ولكن وفقًا لمسؤولين من الجانبين، وراء الكواليس، انهار التنسيق بين الشريكين العضوين في حلف شمال الأطلسي في المستويات العليا. لم يكن البلدان ينسقان بشأن العملية، وذلك على خلاف تصريحات كل من الولايات المتحدة وتركيا.
في حين كان البيت الأبيض يستعد للنظر في خطة سرية لانضمام قوات خاصة أمريكية إلى الأتراك، بدأت أنقرة عمليتها من جانب واحد، وذلك دون إعلام المسؤولين في واشنطن. عندما بدأت الاشتباكات بين المقاتلين الأتراك ومقاتلي الأكراد السوريين- الذين تدعمهم القوات الخاصة الأمريكية- أصدر البنتاغون دعوات حادة على غير المعتاد لطرفي القتال بالتوقف.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن قرار الأتراك قوّض جهودًا وراء الكواليس لإخلاء العناصر الكردية السورية المتنافسة من منطقة النزاع أولا، وخلق تحديًا جديدًا شائكًا بالنسبة للولايات المتحدة، حيث يتصارع اثنان من أهم شركائها في الحملة بدلًا من قتال داعش. حيث يضيف الانهيار في التنسيق طورًا جديدًا من التوترات بين واشنطن وأنقرة، على رأس تلك التوترات التي أثارتها حملة الرئيس رجب طيب أردوغان منذ محاولة انقلاب تموز/ يوليو في تركيا.
وقال مسؤولون في واشنطن إنهم حذروا نظراءهم العسكريين في تركيا يوم الاثنين من أن الولايات المتحدة لن توفر دعمًا جويًا للقوات التركية المتجهة جنوبًا في عمق الأراضي السورية. بينما ستواصل الولايات المتحدة توفير الدعم الجوي للقوات التركية المتجهة نحو الغرب، في المنطقة الحدودية التي تهددها الدولة الإسلامية.
ووفقا للمسؤولين، أخبر مسؤولون أمريكيون الأكراد أن الدعم الجوي للولايات المتحدة سيتوقف لقواتهم المتجهة إلى شرق نهر الفرات؛ لضمان أنهم لن يدخلوا في صراع مع الأتراك. وقال وزير الدفاع آشتون كارتر يوم الاثنين إن القوات الكردية كانت قد بدأت في التحرك شرقًا، لتخفيف الاحتكاك بين الجانبين.
اتهمت تركيا منذ فترة طويلة الميليشيات الكردية السورية الرئيسية بكونها امتداد الجماعة الانفصالية الكردية التي تستخدم سيارات مفخخة وهجمات انتحارية في تركيا كجزء من الحرب التي بدأت قبل عقدين من أجل مزيد من الحقوق والحكم الذاتي.
تُظهر إعادة بناء الأحداث المؤدية إلى تدخل تركيا البري - بناءً على مقابلات مع مسؤولين أتراك وأمريكيين وثوار سوريين مشاركين في الهجوم – أن المناقشات بين الولايات المتحدة وتركيا حول عملية مشتركة على الحدود التركية السورية ترجع إلى ربيع 2015.
وبموجب الاقتراح التركي الأصلي، الذي ناقشه السيد أردوغان مع كبار جنرالاته في حزيران/ يونيو 2015، أن حكومته سترسل حوالي 2000 جنديًا عبر الحدود. وكان مسؤولون أتراك مقتنعين للغاية بالإرادة السياسية في بدء العملية العسكرية.
بالإضافة إلى قوات تركية، أرادت أنقرة من إدارة أوباما الالتزام بإرسال قوات خاصة أمريكية، ولكن وفقًا لمسؤولين أمريكيين كان البيت الأبيض بارد بشأن هذه الفكرة. فعوضًا عن استخدام قوات برية أجنبية، وافقت الولايات المتحدة وتركيا على استخدام القوة الجوية والمدفعية لدعم الآلاف من المقاتلين الثوار السوريين الذين من شأنهم أن يتحركوا لمسح مساحة حدودية تقدر بـ 60 ميلًا.
شاركت تركيا أسماء الثوار السنة الذين تريدهم تركيا أن يقودوا العملية البرية، مما يتيح وكالات الاستخبارات الأمريكية التحقق من وجود علاقات إرهابية محتملة لدى أي منهم. واحدة من أكبر المجموعات في القائمة التي رغبتها تركيا من أجل العملية (أحرار الشام) - هي المجموعة التي رفضها الأمريكيون - باعتبارها مجموعة متطرفةً جدًا.
لكن المحادثات تعثرت بين الولايات المتحدة وتركيا خلال عملية مشتركة في الصيف الماضي، عندما أثار قادة البنتاغون وبعض الجنرالات الأتراك الشكوك بأن أنقرة لن تكون قادرة على حشد ما يكفي من الثوار لتنفيذ المهمة المقترحة.
ومن هنا تم وضع العملية المقترحة على الرف؛ لكونها غير مجدية عندما تدخلت روسيا في سوريا في العام الماضي لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، خصوصًا بعد أن أسقطت طائرة تركية طائرة حربية روسية على الحدود بين تركيا وسوريا. وكانت جماعات الثوار المدعومة من تركيا مشغولةً جدًا في محاولة رد قوات الأسد في حلب للانضمام لتركيا على جبهة أخرى ضد داعش.
قال مسؤول تركي رفيع المستوى: تم استئناف المحادثات في فصل الشتاء خلال وقف إطلاق نار لم يدم طويلًا. ثم في آذار/ مارس، قدمت تركيا للولايات المتحدة قائمة بـ 1800 من الثوار السوريين الذين اختارتهم تركيا لقيادة العملية.
صعّدت محاولة الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز ضد السيد أردوغان من حدة التوتر مع الولايات المتحدة، ولكن قال مسؤولون عسكريون كبار من الجانبين إنهم لا يريدون السماح للخلاف أن يؤثر على التعاون ضد داعش.
بعد لقاء أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 9 آب/ أغسطس، أرسلت تركيا وفدًا عسكريًا رفيع المستوى إلى روسيا لمناقشة العملية المخطط لها في سوريا. ووفقًا لكبار المسؤولين الأتراك، فقد أكد الروس لمسؤولين أتراك أن موسكو لن تستهدف قوات أنقرة، لو تحركت تركيا عبر الحدود.
بدأت خطط تركيا بعد 13 آب، عندما سيطرت قوات كردية مدعومة من الولايات المتحدة على بلدة منبج السورية، التي تقع على الطريق الاستراتيجي لإمدادات داعش بين الرقة والحدود التركية.
دقت أجراس الخطر في أنقرة وواشنطن، عندما بدأ بعض من تلك الوحدات الكردية بالاتجاه نحو الشمال باتجاه الحدود التركية. وكانت تركيا قد وافقت على العملية التي تدعمها الولايات المتحدة لتحرير منبج من داعش بعد أن تلقت تأكيدات من واشنطن أن القوات الكردية السورية التي تقود الحرب ستغادر المدينة التي تقطنها أغلبية عربية عند هزيمة الجماعة الجهادية، وستتراجع إلى الجانب الشرقي من نهر الفرات.
وفقًا لأشخاص مطلعين على المسألة، بحلول 17 آب، كانت تركيا تستدعي المقاتلين الثوار السوريين الذين كانوا جزءًا من خطة المعركة. وبدأت قوات الأمن التركية بنقل هؤلاء المقاتلين المُقرّبين على طول الحدود التركية.
وفي الوقت نفسه، كانت عناصر كردية تسيطر على المزيد من القرى المحيطة بمنبج، ولم ينسحبوا كما وعدوا الولايات المتحدة مسبقًا. كما أشار بعض القادة الأكراد أيضًا إلى أن هدفهم العسكري القادم سيكون جرابلس، بدلًا من الرقة. وهنا قال مسؤولون أمريكيون إن القوى الكردية الرئيسية التي تدعمها الولايات المتحدة لم تهدد أبدًا بالذهاب إلى جرابلس.
قبل 20 آب، كان لدى تركيا سببٌ جديدٌ لبدء هجومها: استهدف انتحاريٌ مشتبه به من داعش حفل زفاف في غازي عنتاب، وهي مدينة بالقرب من الحدود السورية. حيث قُتِلَ 54 شخصُا على الأقل.
قال مسؤولون أتراك وأمريكيون إن الجيش التركي أراد أن يكون حاسمًا وأن يُظهر الولاء لأردوغان، وخاصةً بعد الانقلاب.
من خلال حشد حلفائه من الثوار السوريين، أطلع الجيش التركي نظرائه الأمريكيين المقيمين في تركيا على خططه. وفقًا لمسؤولين أمريكيين وأتراك. وطلبوا دخول وحدة من قوات العمليات الخاصة الأمريكية إلى جرابلس برفقة القوات الخاصة التركية، حسب مسؤولين أتراك وأمريكان. حيث ستساعد الكوماندوز الأمريكية في استدعاء الغارات الجوية، وفي التنسيق مع المقاتلين الثوار على الأرض.
أيد قادة البنتاغون الخطة، التي دعت إلى نشر ما لا يقل عن 40 من القوات الخاصة الأمريكية. ثم في مطلع الأسبوع الماضي، بدؤوا محادثات مع البيت الأبيض بشأن العملية البرية المشتركة المقترحة. وكان البنتاغون يبحث عن إجابة سريعة. بدلًا من ذلك، أخبر البيت الأبيض- حذرًا من وضع قوات أمريكية على جبهة أخرى داخل سوريا- البنتاغون بأنه يريد الإجابة عن بعض الأسئلة قبل المضي في العملية البرية. وقال مسؤولون: أراد البيت الأبيض أن يعرف على وجه التحديد: كيف ستتم حماية قوات العمليات الخاصة؛ وذلك نظرًا لوجود مقاتلين على صلة بتنظيم القاعدة في المنطقة.
وبينما انتظر مسؤولو البيت الأبيض إجابات على أسئلتهم، ضغط البنتاغون على أنقرة لمنح الولايات المتحدة المزيد من الوقت. وفي الوقت نفسه، كان المسؤولون في الولايات المتحدة يحاولون إقناع القوى الكردية بمغادرة المناطق التي ستنتشر فيها القوات التركية.
في وقت متأخر من يوم 23 آب، أخبر البيت الأبيض البنتاغون بأنه مستعد لعقد اجتماع رفيع المستوى في اليوم التالي للنظر في اقتراح البنتاغون المفضي بإدخال قوات العمليات الخاصة الأمريكية كجزء من العملية التركية.
ولكن بين عشية وضحاها، شنت تركيا هجومها دون إعطاء المسؤولين في واشنطن تحذيرًا مسبقًا. ووفقًا لمسؤول كبير في الإدارة، لم يصل الاقتراح إلى مكتب الرئيس باراك أوباما.
وفي حين تطلق تركيا علنًا على الحملة بأنها عملية مشتركة مع قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، نفذت طائرات تركية الغارات الجوية الأولى على جرابلس (من جانب واحد)- ليس تحت مظلة التحالف.
ووفقًا لمسؤولين أمريكيين، قصفت الطائرات التركية من المجال الجوي التركي، وليس من المجال الجوي السوري.
عندما أدرك قادة عسكريون أمريكيون في المنطقة أن القوات التركية شنت العملية العسكرية من دون الأميركيين، طلب رئيس القيادة المركزية للجيش الأمريكي الجنرال جو فوتيل من قوات أمريكية موجودة في المنطقة تزويد الأتراك بدعم جوي محدود عبر طائرات بدون طيار، وF-16 وA-10.
بدلًا من المشاركة في الخط الأمامي، تموضعت قوات العمليات الخاصة الأمريكية في مواقع على الأراضي التركية المطلة على جرابلس في محاولة للمساعدة بالضربات الأمريكية المباشرة من الخطوط الجانبية. ولكن قال مسؤولون إن قوات الكوماندوز لا يمكن أن لا تنجز إلا القليل عندما تعمل من مسافة بعيدة.
انتهت معركة جرابلس - التي يعتقد مسؤولون أمريكيون بأنها ستستغرق عدة أيام أو حتى أسابيع - في غضون ساعات بعد انسحاب مسلحي داعش.
انتهز المسؤولون الأتراك سرعة انتصارهم كدليل على أن الأمريكيين كانوا على خطأ عندما شككوا في قدراتهم. وقال مسؤول تركي رفيع المستوى: "من الواضح أن تحرير جرابلس من قبل الجيش التركي والجيش السوري الحر هو دليل على أن قواتنا كانت دائمًا على مستوى هذه المهمة".
ويقر مسؤولون أمريكيون بأنهم أخطأوا في تقييم عزم داعش في السيطرة على تلك المدينة. لكنهم يقولون إنهم أكثر قلقًا الآن بشأن الخطر الذي يمكن لحليف في الناتو أن يتورط فيه في سوريا، ويخفف عن غير قصد من الضغط على داعش.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!