سيث فرانتسمان - جيروزاليم بوست - ترجمة وتحرير ترك برس

وجه الرئيس التركي، رحب طيب أردوغان، في الآونة الأخيرة تصريحات قوية لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، حيث قال في كلمة له أمام مؤتمر المجلس الإسلامي الأوروبي أسيوي الذي عقد في إسطنبول "إن جيش الجمهورية التركية لم يفقد هيبته ليتلقى أوامره منك".

كان أردوغان في هذه الكلمة يرد على مطالب بغداد بأن تسحب تركيا قواتها المتمركزة في شمال العراق بالقرب من خط المواجهة مع تنظيم الدولة "داعش"، حيث تسعى تركيا إلى لعب دور في مساعدة العرب السنة في استعادة السيطرة على الموصل من المتطرفين.

ونقلت وسائل الإعلام عن أردوغان قوله "لا يعنينا صراخك من العراق. سنمضي في طريقنا.الزم حدك أولا".

هذه العبارات القاسية هي جزء من أجندا تتبلور في أنقرة لتنكأ الجراح المفتوحة من تدمير الإمبراطورية العثمانية في عام 1918.

ونقلت وكالة أنباء أثينا- مقدونيا عن أردوغان قوله "إن تركيا ليست مجرد تركيا فقط... بل هي مسؤولة أيضا عن مئات الملايين من المسلمين في المنطقة الجغرافية التي تربطنا بها روابط تاريخية وثقافية" وذلك في إشارة من أردوغان إلى التركمان الذين يعيشون في سوريا والعراق، وفي إشارة أيضا إلى ما يطلق عليه أردوغان "تراقيا الغربية" وهي جزء من اليونان في الوقت الحالي، وكذلك الإشارة إلى القبارصة الأتراك. وأضاف أردوغان "إذا كانت العراق وسوريا تعيشان اضطرابات، فإن أقصى درجات المسؤولية بالنسبة لتركيا بذل كل الجهود لحل المشكلة واتخاذ التدابير".

كان الزعيم التركي أكثر صراحة في كلمته أمام مؤتمر القانون الدولي في الأسبوع الماضي، وفقا لما ذكرته قناة "كردستان 24" حيث قال "تاريخنا في محافظة الموصل موجود. يقولون إن على تركيا ألا تدخل الموصل. كيف لا أدخل ولي حدود مع العراق تصل إلى 350 كم، وأتعرض للتهديد من تلك الحدود".

وفقا للباحث بيتر سلوت الذي ألف كتابا عن بريطانيا في العراق، فإن محافظة الموصل شهدت نزاعا بين تركيا والانتداب البريطاني الذي سيطر على العراق في عام 1920. ووفقا لمعاهدة سيفر الموقعة بين قوات الحلفاء والإمبراطورية العثمانية، فقد كان على الإمبراطورية أن تتفكك. لكن كانت هناك دعوات لإجراء استفتاء في محافظة الموصل التي تبلغ مساحتها 40.000 كم، أي أصغر قليلا من ولاية  فيرجينا الغربية  في الولايات المتحدة.

في نهاية المطاف، قررت حكومة الملك فيصل في العراق ومستشاروه البريطانيون أن من الأفضل الحفاظ على الموصل جزءا من العراق، لأن ذلك من شأنه أن يدعم السكان السنة في البلاد. وفي عام 1925 وافقت اللجنة التي شكلتها عصبة الأمم على رأي البريطانيين، وبقيت الخلاقات مع تركيا خامدة. لكن مطالب تركيا بمناطق أخرى لم تكن خامدة، فبين عامي 1920-1925 كان أتاتورك مشغولا في تعزيز قوته في تركيا واستعادة المناطق التي احتلتها اليونان، فطرد 400 ألف يوناني من سميرنا (إزمير) عام 1922، واستعاد السيطرة على الأناضول من الجلفاء في عام 1923. ضغط أتاتورط للمطالبة بحق تركيا في إقليم الإسكندرونة في شمال سوريا، وضمه إلى تركيا في عام 1939، وأطلق عليه محافظة هاتاي.

طموحات أردوغان لها قواسم مشتركة مع طموحات أتاتاورك، وإن اختلفت توجهاتهما. عندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في عام 2002 كان حزبا ذا طابع إسلامي. طور أحمد داود أوغلو صاحب التأثير القوي، ووزير الخارجية من عام 2009 حتى عام 2014 ثم رئيس الوزراء، مفهوم "العثمانية الجديدة" التي تسعى لبناء قوة تركيا ونفوذها وعظمتها. كما سعى أوغلو إلى عصر صفر مشاكل مع جيران تركيا، وإقامة علاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وكذلك مع الأحزاب الإسلامية، مثل الإخوان المسلمين وحماس.

لكن سياسة صفر مشاكل لم تنجح بالنسبة لأنقرة. غرقت سوريا في الحرب الأهلية،ودعمت تركيا في وقت مبكر المعارضة السورية، فكانت ممرا للاجئين والمتطوعين والدعم اللوجيستي والأسلحة للحفاظ على الثورة ضد نظام بشار الأسد. بعد استقالة داود أوغلو من رئاسة الوزراء، شرعت تركيا في سياسة أكثر صرامة في سوريا، فحركت قواتها ودبابتها إلى داخل سوريا في أغسطس/ آب. وكان على أردوغان أن يواجه انقلابا، ويخوض حربا جديدة ضد حزب العمال الكردستاني، ولكن نمت طوحاته في سوريا والعراق.

نشطت السياسة التركية في المساعدة في تدريب المتطوعين ومعظمهم من العرب السنة لاستعادة السيطرة على الموصل من تنظيم داعش لمدة سنتين تقريبا. في البداية كان هذا الدور هادئا وسريا، ولكن منذ ديسمبر/ كانون الأول 2015 صار الدور التركي أكثر انفتاحا وقوة، وهناك الآن حديث مفتوح عن رغبة تركيا في أن تكون حاضرة على الطاولة عندما ينتهي الهجوم على الموصل الذي بدأ هذا الأسبوع. تركيا تركيا أيضا أن تكون حاضرة على الطاولة في سوريا حيث يتراجع تنظيم الدولة.

يبدو أن السياسة التركية تقر بالحقيقة التي برزت على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة من أن الحدود التي رسمتها سايكس بيكو عام 1916 لم تعد صائبة. كتبت جوليت صموئيل في صحيفة التليغراف في الثامن عشر من أكتوبر/ تشرين الأول "أن الغرب يحتاج إلى قبول أن الحدود التي يدافع عنها في العراق قد اختفت". أظهر تنظيم داعش مدى ضعف هذه الحدود، مع انهيار الدولة القومية في سوريا والعراق، وأطلق العنان للطائفية.

الهدف النهائي للسياسة التركية ليس واضحا اليوم مثلما لم يكن واضحا في الماضي.

فكرة إنشاء "دولة سنية" في العراق أو مناطق حكم ذاتي للسنة على غرار إقليم حكومة كردستان العراق، لا يبدو أن أحدا مهتم بها.

لذلك فعندما تقول أنقرة إنها تريد التأثير على القرارت في شمال العراق، فمن الواضح أن هذا يشبه في المقام الأول ما فعله الروس في سوريا. إن ذلك استعراض للعضلات فيما وراء الحدود، في حين لا تزال الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مقيدتان بالدبلوماسية، وتلتزمان بالسياسة القديمة.

تدرك تركيا قواعد اللعبة الجديدة في المنطقة. إن لم تتدخل، وإن لم تدرب الميليشيات المحلية، وإن لم يكن لديك رجال على الأرض، فلن تكون على الطاولة.

تركيا الآن حاضرة على الطاولة، لكن السؤال ما مقدار شهيتها.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس