محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس
ليس غريبًا أن ينجز المخرج العراقي محمد توفيق فيلمًا وثائقيًا طويلًا عن الفنانة الفلسطينية نسرين فاعور، فلقد سبق له أن أخرج العديد من الأفلام الوثائقية التي تدور في مجملها حول القضية الفلسطينية حتى ظنه بعض النقاد والمؤرخين السينمائيين بأنه مخرج فلسطيني الأصل. ففي أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات أنجز عددًا من الأفلام الوثائقية التي تدور حول موضوعات فلسطينية نذكر منها "مسيرة الاستسلام، ويوميات مقاتل، وأم علي، والطفل واللعبة، والناطور". كما قدّم برنامجًا تلفزيونيًا خاصًا بعنوان "سجّل أنا عربي 1986" وهو حوار عميق مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش.
وعندما لجأ محمد توفيق إلى الدنمارك لم يتخلَ عن القضية الفلسطينية، بل ظلت هاجسًا ملازمًا له. ففي عام 2002 أخرج محمد "تحديات ساعي البريد" وهو فيلم وثائقي يتناول الشخصية "Alan" الدنماركي المناصر للقضية الفلسطينية، لم ينحصر اهتمام توفيق بالقضية الفلسطينية فقط، بل نراه يكرس بعض وقته للموضوعات الإنسانية الأخرى ففي عام 2004 أنجز "صائد الأضواء" وهو فيلم يتناول هواجس الإنسان العراقي المغترب في الدنمارك. كما أنجز فيلم "شاعر القصبة" الذي يرصد تجربة الخطاط العراقي محمد سعيد الصكار، و"سنوات الرماد" الذي يتناول مفهوم القمع الذي تعرض له أحد الضباط العراقيين وإضطرته الظروف القاسية الى الاختفاء والتواري.
لم تكن هذه الاسطر سوى احدى المقالات التي تناولت نشاطات المبدع المخرج والشاعر محمد توفيق والذي يعتبر من الجيل الثالث في سفر شعراء المهجر المستمروالدائم في ظل هذه الحقب من العهود المنسية.
- من هو ملهم إبداعك؟
الحسين ثائرا. ولد الحسين كبيرا بقيمه الإنسانية والثورية اللامحدودة، وكبر مع الزمن، علينا أن نكبرمعه، وننهل القيم والطاقة الثورية من نهره الهادر.
- والرافدان؟
الرافدان خريطة وجعي، سيفان مسلولان من فضة، أهملهما الفارس الأبدي على قارعة روحي، إنهما خريطة وجعي، أقتفي خطوات جروحهما النازفة...
- لنعد إلى البداية، هل الصدف هي التي قادتك إلى الإخراج والأفلام القصيرة والوثائقية أم الهواية والحب للإعلام؟
بدأ حبي وشغفي بالسينما مبكرا. حسب ما أتذكر، شاهدت اول فيلم، ضمن السينما الجوالة، كان عمري حينذاك ما يقارب الخمس سنوات، ومنذ تلك اللحظة، كأنني أصبت بفيروس حب السينما. وبعد أن تم افتتاح صالة سينمائية في مدينتنا (تلعفر)، كنت أرابط أمام السينما بعد الدوام المدرسي، وكنت أسعى حسب إمكانياتي المادية إلى أن أشاهد الأفلام التي تعرض، وكنا أحيانا ندخل السينما بنصف ثمن التذكرة بعد انتهاء مقدمات الأفلام. أتذكر بأنني خسرت عاما دراسيا في السادس الابتدائي من وراء حبي السينما. هذه المحطة من حياة طفولتي لحب السينما لعبت دورا جوهريا ومهما بحبي وشغفي وتعلقي بالسينما، ما دفعني فيما بعد إنهاء دراستي الثانوية إلى أن أقدم لقسم المسرح في أكاديمية الفنون الجميلة بتشجيع من صديق عمري الفنان والشاعر التلعفري (ياسين يحيى أوغلو) الذي التحق قبلي بعام لدراسة الفن المسرحي في الأكاديمية.
أذكر أنه كان علينا أن نقدم للجنة أساتذة امتحان الطلبة مشهدا مسرحيا، وقد دربني صديقي الفنان الجميل (ياسين يحيى أوغلو) على مشهد من مسرحية هاملت (أكون أو لا أكون)، وهو مونولوج طويل، حينها قلت لنفسي هل يتم قبولي في دراسة المسرح لأكون فنانا.بعد أن تم قبولي في الأكاديمية لدراسة الفن؟ طرت فرحا.
ومن الجدير أن أذكر هنا بأنه خلال فترة دراستنا ,لم يكن هناك قسم في الأكاديمية لدراسة السينما. ودراستنا للمسرح كانت محطة مهمة في تكويننا المهني والفكري والثقافي، وبعد أن أكملنا دراستنا في قسم الفنون المسرحية التحقنا لدراسة السينما لمدة عام ضمن دورة دراسية في مؤسسة السينما العراقية، نظرا لحاجتها لبعض الكوادر السينمائية في مختلف الاختصاصات. وحين تم قبولي في الدورة، ومن ثم تعيني بقسم الإخراج، حلّقت عاليا من فرحي لأنّي رجعت إلى حضن حبيبتي الأولى (السينما). وهكذا منذ سنوات منتصف السبعينيات تقريبا منذ أن بدأت أعمل في السينما، لم تخمد نار حبي للسينما رغم كل الظروف الحياتية والمهنية الصعبة التي عشتها، خاصة بما يخص الحصول على دعومات لإنتاج أفلامي، وبإصرار مني عملت عددا من الأفلام اعتمادا على نفسي بدون ميزانيات وبحماس كبير، وفاء للحب الأول الساكن في القلب (الحبيبة السينما).
- عملت في الأفلام الوثائقية والتسجيلية، بماذا يتميز مخرجو هذه الأفلام؟
يشترط أن يكون مخرج الأفلام الوثائقية على معرفة عميقة بطبيعة مجتمعه، من عادات وتقاليد وأساطير وخرافات وثقافة وتاريخ، لأن مادته الأساس هي الناس. وكلما توغل في محيطه ومجتمعه، يستطيع أن يتوصل إلى حلول ومعالجات عميقة فكريا وفنيا. إضافة إلى أن المخرج الوثائقي عليه أن يمتلك قدرةً كبيرةً وصبرًا في التعامل مع الأشخاص الذين يعمل عنهم الفيلم، وعليه أن يأخذ بالاعتبار خاصة أنهم ليسوا ممثلين، وعليه أن يحاول دوما أن يجد أنسب وأحسن الطرق في التعامل معهم.
والجدير أن نذكر هنا أيضا أن الواقع الذي يصوره دوما في حركة وصيرورة، عليه أن يغير معالجات موضوع الفيلم حسب مقتضيات الواقع المتحرك وظروف الأشخاص الذين يصورهم بفيلمه، وأن يتصف بجرأة وحكمة ومرونة في اتخاذ القرارات المناسبة لصالح العمل حسب معطيات الواقع. وبدون الأقدام والجرأة والشجاعة والصبر لا يمكن للمخرج أن ينفذ مشروع فيلمه، خاصة عندما يكون موضوع فيلمه مثلا عن الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل والأوبئة والحروب والثورات والمظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية والحيوانات المفترسة. وتنفيذ أفلام من هذا النوع يحتاج إلى كثير من الصبر والتحمل والتفاني، وكذلك أن تكون له القدرة في إدارة الفريق الفني من المصور ومهندس الصوت ومدير الإنتاج ومساعدي التصوير والإخراج.
- هل لإدارة وإخراج الفيلم الوثائقي ما يميزه عن إخراج الأفلام الدرامية؟
نعم، هناك اختلاف جوهري بين إخراج الأفلام الوثائقية والأفلام الدرامية. فعلى مخرج الأفلام الوثائقية أن يسعى في نحت فكرة قوية سواء كان موضوع الفيلم عن الإنسان أو الحيوان أو النبات أو المكان أو الموسيقى أو الأزياء الشعبية أو التاريخ... إلخ، وعليه أن يكتب معالجة فنية غير تقليدية بها الكثير من الطزاجة والتجديد وقابلة للتغيير حسب ما تقتضيه ظروف العمل، وأن اختيار الأشخاص والأمكنة له أهمية كبيرة في الفيلم الوثائقي. وكلما اهتم المخرج بتفاصيل حياة الأشخاص الذين يصورهم وأمكنة تواجدهم وواقعهم الحياتي كلما يعطي للفيلم صدقية وحيوية وحرارة وعمق.
وأحيانا يحتاج المخرج أو كاتب السيناريو إلى مادة علمية، يكتبها الاختصاصيون في التاريخ والجغرافيا والعلوم والنباتات... وإن وجود الاختصاصيين حسب موضوع الفيلم ضروري جدا بهدف الدقة والمصداقية. كما يحتاج المخرج إلى مصور حاذق وذكي ونشط وحيوي مع مهندس صوت يجيد مهنته ليقدم أفضل وأنقى صوت. وأن يحاول اختيار مونتير وموسيقي على قدر من الموهبة ليضيفا للعمل لمساتهم الفنية. وإذا الفيلم احتاج إلى تعليق على المخرج أن يختار مذيعا أو ممثلا لا بد أن تكون أصواتهما مريحة للأذن ومخارج حروفهما واضحة. إذن على المخرج أن يتبع كل الخطوات المهمة التي ذكرناها أعلاه ليخلق كل الشروط والظروف المناسبة لإنجاح عمله الفني.
- فيلم شاشاتنا هو من الأفلام التي تعتبر وثائقية رغم وجود أساس درامي فيها، وهو إحدى الأفلام التي استطاعت أن تبرز من بين الأفلام العراقية. أين استقر الفيلم؟
هذه القصة تحدث دوما للإعلاميين الحاملين لسلاحهم السحري (الكاميرا)، وخصوصا في الدول العربية عند عبورهم للبوابات الحدودية أو صالات استقبال القادمين. وهذا الفلم صور بدقة ما يعانيه الإعلامي في البلدان العربية، وتم ترشيح الفيلم للاشتراك في مسابقة عربية أقيمت في المغرب.
- لك مجموعات شعرية كثيرة، مثل عطر كهولتي، والقلب محيطك، ومحطات الانتظار، ومرايا الوجع، هل هناك رابط حقيقي بين الفن السينمائي وخصوصا التسجيلي وبين الشعر؟ وأي هذين الفنين والموهبتين هما حاضرة الأخرى؟
الشعر والسينما عندي من نطفة واحدة، إنهما لم ينفلقا، توأم سلامي، متلازم، متشابك، جدولان يصبان ببعضهما، يسيران متعانقان، لا يمكن فصل كيمياء قطراتهما. في أفلامي، طاقة شعرية، حتى أن بعض المشاهدين، الذين يملكون حساسية شعرية، أو هم الشعراء، يقولون: فيلمك ينضح شعرا، علما ليس هناك في الفيلم أي نص شعري، وبالنسبة لي إن استخدام الشعر في السينما لا يخلق فيلما شاعريا، الأمر هنا مختلف جوهريا وبعمق، حديثي هو عن الطاقة الشعرية التي يمنحك فيلم ما، وتقودك إلى عالم ساحر من الشفافية وإن كان موضوع الفيلم المعالج قاتما.
إذًا، إن رجعنا لأفلامي أقول إنها زاخرة بالطاقة الشعرية، وأكيد أنها تأتي من نسيجها الداخلي، من روحها، إنها تستمد هذه الطاقة من روح الشعر الكامن في روح توأمه الشعر، وفي المقابل بأن نصوصي الشعرية، زاخرة بالصور، وممكن أن نسميها نصوص بصرية، لأن مقومات وتكوينات اللغة السينمائية متجسدة ومدمغة في روحها، وإني لا أصنع ذلك متكلفا إطلاقا، ولا أتحمل عناء البحث عنها، وإنما تأتي طوعا منسابا كما تشتهي، ولذا أقول بأن الشعر والسينما عندي نابعان من روح واحدة، ويتنفسان من رئة واحدة، ويمتلكان قلبًا واحدًا.
- هل لك أقوال أخرى قبل أن نحكم عليك بالغربة الأبدية؟؟؟؟؟
في شرفتي المطلة على جحيم منفاي
شاركني قهوتي هذا الصباح
طير مخضب برائحة الأهوار
قال لي: جئتك بنبأ من بلاد
أصابها حاصب
حمارة قيظها، ليست موسمية
علية قومها خوارج
عقولهم حمأة
وقلوبهم صخر
يسجرون النار
وقودهها، الأهل والنخيل
وعلى لهيبها
يعدون المال في خزائنهم
ثم يصلون بجباه موشومة من خشية الله
النساء متشحات بعار الخوارج
وأطفالهن عصف في الريح
والرجال محملون أثقال همهم
لا تطاوعهم الطرقات
حسبت حكاية الطير
كابوس سنة
ولما فتحت عيني
وجدت نفسي على صراط جحيمين
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس