مصطفى القاسم - خاص ترك برس
تداولت بعض وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية المعنية بالشأن السوري الحديث مؤخرا بشكل مكثف عن وجود توجّه لدى الأمم المتحدة لنقل مقر المكتب الإقليمي للشؤون الإنسانية الخاص بسورية من عمان العاصمة الأردنية إلى دمشق.
وتحدثت هذه الوسائل والمواقع عن أن "مارك لوكوك"، منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ، "قرر نقل إدارة الملف الإنساني من عمان إلى دمشق، بهدف إغلاق المكتب الإقليمي في عمان، وعرَض الأمر على الدول الداعمة، وتمّ تمرير القرار، بالرغم من اعتراض ممثلين عن بعض الدول". كما تحدثت عن معلومات مسربة تؤيد هذا الخبر وتعلله بحجة "خفض المصاريف"!
ومما يستدعي الوقوف عند هذه الأنباء؛ تواترها حيث تناقلتها العديد من المواقع والوسائل الإعلامية بما فيها فضائيات معنية بالشأن السوري. وكذلك عدم صدور أي نفي من الجهات الدولية المعنيّة للأنباء المتداولة، سواء الأمم المتحدة أو المكتب الإقليمي في عمان أو الجهات التابعة له أو الدول المرتبطة بها، واقتران هذه الأنباء بالمؤشرات المرافقة، كل ذلك يرجح احتمال سعي المكتب المذكور للقيام بهذه الخطوة رغم الآثار بالغة الخطورة التي قد تترتب عليها.
إن تأثيرات هذا الانتقال على فرض استكماله في وقت لا زال فيه المواطنون السوريون مهجّرون خارج بيوتهم وأماكن إقامتهم بين نازحين ولاجئين، ومحاصرين في أماكن تواجدهم سواء وقعت تحت سيطرة النظام الأسدي أم كانت خارج سيطرته، وعدم قبول النظام بأي مطالبة دولية تتعلق بالحل السياسي، واستمرار قوى النظام والميليشيات الداعمة في بسط نفوذها غير المنضبط وسلوكها الآمن من المحاسبة والعقاب، كل ذلك سوف يمنح نظام الأسد العديد من المكاسب.
إن هذا الانتقال سيكون مكافأة عاجلة لنظام الأسد على موقفه الضعيف، أو لا موقفه، من الاعتراف الأمريكي لإسرائيل بالجولان، وعلى قيامه بتسليم رفاة الجندي الإسرائيلي "زخريا باومل" مع متعلقاته الشخصية، ولن يحول دون هذه المكافأة سجله الحافل بكل جرائم القتل والاختطاف والإخفاء القسري والإعاقات والتدمير الممنهج والتهجير الجماعي والتغيير الديمغرافي واستخدام أسلحة الدمار الشامل وتنشيط الأعمال الإرهابية، بما يشكله ذلك من جرائم حرب وجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية.
إن هذا الانتقال سوف يكرّس عمل الهيئات الدولية تحت مظلة سيطرة نظام الأسد، ويقرّ له بتدخله السافر في عملها وتعيين موظفيها والموافقة على أو منع دخولهم وخروجهم وتنقّلهم. فالنظام الذي تمسّك بداية بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 46/182 -الذي يعتبر أساس ولاية مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، والذي ينص على أنه "ينبغي تقديم المساعدة الإنسانية بموافقة البلد المتضرر"- قام بالتضييق على طرق المساعدات وحصر الموافقات بالهلال الأحمر السوري الذي سبق أن فرض عليه سلطته الكاملة، حيث استبعد منه منذ عام 2011 هيئاته المنتخبة والموظفين المؤهلين فيه وملأ الشواغر التي حدثت بموظفين موالين وعملاء استخبارات تحت تسمية متطوّعين، كما حظر الانتخابات فيه وجعله تابعا لجهاته الأمنية واستخدم آلياته في أعمال عدائية مؤكدة ووزع المساعدات بطريقة تمييزية.
وسوف يساهم الانتقال في كسر الحصار المفروض على النظام من خلال تدفق أموال المساعدات -التي بدأت بملايين محدودة لتتجاوز لاحقا ثلاثة مليارات دولار- التي ثبت تحكم النظام في توزيعها خلال السنوات الماضية، ومن خلال شحنات الوقود اللازمة لأسطول سيارات نقل المساعدات والعاملين في المنظمة والتي سيتم تضخيمها أضعافا مضاعفة لتنتقل مباشرة من سيارات الهلال الأحمر السوري إلى سيارات الأجهزة الأمنية والعسكرية.
وسيساهم هذا الانتقال في كسر الحظر المفروض على تجار النظام ورجال أعماله الممولين لأعماله الإرهابية وجرائمه الذين سيستثمرون في مشاريع المساعدات الأممية التي ستموّل من المنح وأموال المساعدات الدولية، بداية من استئجار المقرات والآليات ودفع أجور الموظفين ونفقات معيشتهم، وصولا إلى التجارة بالمواد الغذائية والطبية التي ستحمل إلى دمشق تحت راية الأمم المتحدة، أو التي ستضطر المنظمة الدولية لشرائها من السوق المحلية.
ومن مخاطر هذا الانتقال مساهمته في تدعيم موقف النظام الساعي لإملاء إرادته على الشارع السوري، حيث سيتمكن النظام من الحصول على البيانات التي تعمل المنظمة الدولية من خلالها، مما يهدد أمن وحياة العاملين في الشأن الإنساني غير الخاضعين لسلطة النظام أو الذين رفضوا التعاون معه في مرحلة سابقة، ويكرّس التصوّر الذهني لدى شريحة من السوريين بأن غذاءهم ودواءهم مرتبط بإرادة هذا النظام. سيما وأن للنظام سوابق كثيرة جدا في هذا الشأن، وهذا سوف يكون خدمة كبيرة للأسد في أي انتخابات مستقبلية محتملة في سورية.
إن الأسلوب الذي تدار به الأعمال في مكاتب الأمم المتحدة في دمشق، والمبالغ الطائلة التي تلقاها النظام من خلال هذه المكاتب، والمشاريع التي تمّ تنفيذها والتي ساهمت في طمس معالم الجريمة جزئيا تحت شعار مساعدات التنمية والتي أضطرت الأمين العام للأمم المتحدة نفسه إلى لفت نظر مكاتب المنظمة للتوقف عنها لما فيها من إساءة إلى حياد المنظمة الدولية. كل هذه مؤشرات على نجاح النظام في الاستفادة من صناعة الفساد التي يتقنها لإقامة المشاريع المشتركة تحت شعارات إنسانية، مما سيدفع السوريين اللاجئين والنازحين إلى النظر إلى الخطوة المرتقبة من هذا المنظار.
لقد كان لدى المنظمة الدولية فرصة جيدة لتحسن إدارة ملف المساعدات مستفيدة من الحاجة الماسة للنظام إلى المساعدات وأن معظم الموجودين في مناطقه هم من الموالين له ولن يكون من السهل عليه قطع طرق المساعدات عنهم، وكان هذا ليساعدها في جعل نظام الأسد يرضخ لشروطها وأنظمتها بدل العكس المتحقق حاليا،
إن قيمة المساعدات التي دخلت إلى سورية قد بلغت عدة مليارات من الدولارات، وقد مارس النظام تأثيره في التوزيع التمييزي للمساعدات المبني على الطائفية والولاء، وهو اليوم في حاجة ماسة لاستمرار تدفق هذه المساعدات لتحقيق المكاسب المذكورة ولمحاربة الحظر المفروض عليه، وذلك سيكفل له الاستمرار في كسب ولاء مناصريه ووقوفهم إلى جانبه ومتابعة حرب التغيير الديمغرافي التي تساهم في ازدياد وتضخم حالة التهجير وتفاقم أزمة اللجوء السوري وتوظيف العمل الانساني في خدمة مآرب غير إنسانية..
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس