ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
البحرية المصرية في البحر الأسود لأول مرة
بعد أيام تتحرك قطع من البحرية المصرية المرابضة في البحر المتوسط باتجاه البحر الأسود مرورا ببحر إيجا إلى مضيق الدردنيل عابرة بحر مرمرة باتجاه مضيق البسفور وصولا إلى هدفها في البحر الأسود حيث سواحل روسيا شريك المناورات التي تم التوافق على تدشينها منتصف الشهر الجاري، وهي تلك المناورات المسماة بجسر الصداقة، وبحسب الإعلام الإماراتي- لاحظ – أول من دشن الخبر فإن الهدف من المناورات التدريبات، مناورات على نشر القوات وإعادة الإمدادات في البحر، وتفتيش السفن! و الدفاع عن الممرات البحرية ، ومنع تهريب السلاح.
جسر الصداقة وتحية النسر
تحية النسر هي مناورات بحرية تم الاتفاق عليها بين وزارتي الدفاع المصرية والأمريكية في عام 1991 وتجري في المياه الإقليمية المصرية لرفع كفاءة القوات البحرية المصرية والتدريب على القطع البحرية التي تبيعها أمريكا إلى مصر، وتهدف بحسب المعلن إلى التدريب على عمليات الإستطلاع والبحث وإنقاذ السفن وتدمير الأهداف السطحية والجوية ومكافحة الغواصات المعادية، وهي بالأساس محاولة لتغير عقيدة الجيش المصري بعد اتفاق السلام مع الكيان الصهيوني، للتحول إلى محاربة ما يسمى بالإرهاب، أما مناورات جسر الصداقة هي مناورات بحرية تم الاتفاق عليها بين الرئيس فلاديمير بوتين وعبد الفتاح السيسي في أول زيارة للأخير لموسكو في عام 2014 ودشنت أول مناورة على سواحل البحر المتوسط قبالة الشواطئ المصرية في عام 2015 وهي مناورات مبرمجة يتم الاتفاق على توقيت عقدها بين قادة الأركان بحسب الحاجة والظروف، وهي بالأساس تهدف إلى استخدامات متنوعة للأسطول المصري الذي أجرت قيادته سلاحه لمن يرغب.
مكان وتوقيت جسر الصداقة
مكان وتوقيت تنفيذ مناورات جسر الصداقة مستغرب بعض الشيء، فمناورات جسر الصداقة الروسية كما تحية النسر الأمريكية مع مصر تهدف لتواجد كل من أمريكا في البحر المتوسط بكثافة وتنوع من خلال مناورات مع أغلب دول حوض المتوسط ومن ثم التدريب على طبوغرافية البحر المتوسط لتسيده، وهدف الروس وضع قدم جدية بعد طرطوس في البحر المتوسط حلمهم في قاعدة متقدمة أمام سواحل الغرب، فكانت دوما فكرة المناورات مع البحرية المصرية، سواء من الأمريكان أو الروس تهدف لتواجدهما في المتوسط، فلم تدع أمريكا يوما ما على مدى الثلاثين سنة الماضية مصر إلى تنفيذ المناورة تحية النسر على شواطئ ميامي مثلا أو نيويورك، فلماذا تدعو روسيا البحرية المصرية لتنفيذ المناورة على شواطئها في البحر الأسود، سؤال تتضمن إجابته رسالة بكل تأكيد.
رسالة جسر الصداقة
لا يخفى على أحد أن الرسالة التي تريدها مناورات جسر الصداقة واضحة وهي مرسلة لتركيا خصوصا، فبالرغم من التفاهمات المترددة بين كل من روسيا وتركيا في الأزمة السورية التي انبثق عنها مباحثات استانا وتفاهمات اسطنبول، وعلى الرغم من التنازلات المتبادلة المغلفة بشكل تفاهمات في ليبيا، فإن الأوضاع في ناجورني كاراباخ على الأرجح هي التي دفعت روسيا لاستضافة البحرية المصرية لهذا الاستفزاز الصريح لتركيا التي تدعم بكل قوة أذربيجان في حربها المشروعة - الممهورة بتوقيعات الأمم المتحدة – لاستعادة أراضيها في كارباخ من أرمينيا حليف روسيا وشريكها في اتفاقية الأمن الجماعي "كاستو" منذ 1992، ومع تقد الجيش الأذري بشكل لافت كان لزاما على روسيا أن ترسل رسالة لتركيا مفادها أن مربعات التفاهم تتقاطع عند حدود تم ترسيمها من قبل، وأن هناك من الأدوات ما يمكن أستخدامها في حينه عند الحاجة ووقت اللزوم، والمتمثلة هذه المرة في السيسي.
الرد التركي على مناورات جسر الصداقة
لم تصدر من تركيا أي ردة فعل على إعلان طرفي مناورة جسر الصداقة المزمع تنفيذها منتصف الشهر الجاري، فالأمر وإن كان يعنيه بإستيعاب الرسالة المرسلة، ومحاولة الاستفزاز الواضحة، إلا أن الأمر يبدو أتفه بكثير، حتى في ظل محاولات التضخيم الإعلامي من الإمارات والسعودية وبالطبع الموالية للنظام في مصر، فتركيا التي ستمر منها القطع البحرية المصرية تضمن مرورا رمزيا للبحرية المصرية ولوقت محدد لا يمكن تجاوزه، موقع عليه من روسيا نفسها، كممثل للاتحاد السوفيتي الآن، في اتفاقية مونترو، ما يعني أن تركيا مسيطرة على الوضع رغم محاولة روسيا بالدفع بأحد أدواتها لاستفزاز تركيا أو إرسال رسالة لسحب أنقرة للجلوس والتفاهم لاسيما وأن موسكو دعت أطراف النزاع في كارباخ للتفاوض على أراضيها وحل الأزمة، وبما أن مفاوضات كارباخ ما زالت ملفات كما ملفات ليبيا وسوريا، فإن الفاعلين في هذه المشاهد يضغطون من أجل أفضل شروط ومكاسب يمكن أن يتحصلوا عليها.
أهداف السيسي من السباحة في البحر الأسود
إذا كانت اتفاقية مونترو تنص على أن السفن الحربية لدولة من خارج حوض البحر الأسود تكون سفنا سطحية وخفيفة ومساعدة بحيث لا يزيد عدد المجموعة عن تسع سفن مارة عبر مضيق في آن واحد وبحمولة إجمالية لا تتجاوز 15 ألف طن، ما يعني أن سباحة القطع البحرية التي سيدفع بها السيسي في اليماه الداخلية لتركيا قطع صغيرة لا تمثل أي تهديد ولا حتى استفزاز لتركيا صاحبة السيادة ومالكة مفتاح العبور، ولأن الأمر كذلك، فإن تركيا لن تمانع في مرور تلك القطع الصغيرة، لكنها استراتيجيا تربح من خلال فتح أفق تعاون محتمل في ظل تفاهمات تخترق جدار الخلافات التي خلفها الانقلاب، فالموقف المبدئي لتركيا من الانقلابات يؤمن أن المؤسسات باقية والانقلاب ورموزه زائلون، في المقابل فإن هدف السيسي من الدفع بقطعه البحرية هو البحث عن مزيد من الشرعية لتثبيت حكمه بعد انقلاب الثالث من يوليو، فهو لا يبحث عن أن تكون مصر فاعلة، بل أن يمثل هو دور التابع من اجل مصلحته الشخصية، ليضيع تاريخ واحد من أقوى الجيوش المصنفة في العالم، وهو دور تأنف النفوس الشريفة المعتزة بعسكريتها المصرية أن تلعبه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس