ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
الرجل الأقوى في تركيا
رغم تقارير المنظمات الدولية المسيسة وبحوث المراكز ومقالات المؤسسات الداعمة للقرار الغربي والطاعن في سياسة الإدارة التركية والمهون من خطاها والمضعف لقدراتها السياسية والاقتصادية، وعلى الرغم من انخراط الغرب بشكل غير مباشر أو حتى مباشر في محاولة الانقلاب الفاشل على حكومة العدالة والتنمية في عام 2016 وما تبعه من انقلابات اقتصادية مدعومة من دول المنطقة بسحب الاستثمارات، إلا أن الرئيس أردوغان وبالرغم من كل هذه الحرب الشعواء التي لم تتوقف على سياساته وعلى شخصه وعائلته في حرب إشاعات لا تتوقف عن فساد مالي ونفوذ كبير يصل إلى حد السلطوية التي كان أو ما تزال تعيشها الكثير من عائلات حكام المنطقة، إلا أن الرئيس أردوغان مازال يحظى بشعبية كبيرة بين أبناء شعبه، لم تهزها جائحة كورونا التي هزت دول كبيرة وعلى رأسها أمريكا التي أطاح شعبها بترامب على خلفية تعامله مع الجائحة، فعلى المستوى الاقتصادي استطاع أردوغان ورجاله رغم الضربات المتتالية لاقتصاده منذ أربع سنوات والتي ضاعفت حدتها جائحة كورونا أن يتجنب السقوط رغم الضعف الذي أصاب اقتصاده وأثر بشكل كبير على سعر صرف الليرة، وعلى المستوى السياسي داخليا لا يزال الرجل يمثل القوة الضاربة لحزبه أمام الأحزاب المنافسة وخارجيا يمثل وحشا كاسرا، اختلف الغرب في التعامل معه بين محاول لمراود وراغب في مواجهة، ولا يزال الرأي الأول هو الغالب رغم العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة على بلاده منذ أيام، ما يؤكد أن أردوغان هو الرجل الأقوى ليس فقط في تركيا بل في العالم الإسلامي بحسب استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة جالوب الدولية للأبحاث هذا العام.
من سيخلف أردوغان؟
لعل السؤال الأبرز الذي يتداول في كل الأوساط التركية والإقليمية بل والدولية هو من مرشح لخلافة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؟ وقد تناولنا في مقالنا خليفة أردوغان المثير للجدل! هذا الموضوع؛ وإن كان المقال اقتصر على المنافسة داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، بما أنه الحزب الأكثر شعبية حتى الآن في الشارع التركي، لكن استطلاعا للرأي أجري حديثا من قبل مؤسسة أرتيبير لأبحاث الرأي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 2023 ، ولعل سبر أغوار الشارع التركي يأتي استشرافيا للتعامل المبكر مع كل الاحتمالات.
وبحسب صحيفة جمهوريات التركية فإن استطلاع الرأي الذي أجرته المؤسسة شمل 26 مدينة لاستطلاع رأي الجماهير عن الشخصية التي يمكن أن تخلق الرئيس أردوغان فجاء وزير الداخلية الحالي في المرتبة الأولى ثم وزير الصحة فخر الدين كوجة، فيما جاء أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية اسطنبول ثم محرم اينجة، المرشح الرئاسي السابق عن حزب الشعب الجمهوري ومؤسس حزب حركة الوطن في ألف يوم بعد انشقاقه عن حزبه الذي رشحه للرئاسة، ضمن الوجوه الأكثر قبولا لدى الشارع، مع ذلك فإن صويلو الأكثر قبولا لدى نسبة ليست بالقليلة في الشارع التركي.
مسيرة صويلو في سطور
سليمان صويلو المولود في نوفمبر عام 1969 في مدينة إسطنبول، من جذور عائلية تنتمي لمنطقة البحر الأسود، تخرج من كلية إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول بدأ انخراطه في العمل السياسي عام1987 ، وفي عام 1995، أصبح صويلو، أصغر رئيس مقاطعة في التاريخ التركي وهو في سن الــــ 25 ممثلا عن حزب المسار الصحيح، يعرف وزير الداخلية الحالي بخطابه القومي والديني الداعم لوحدة الأراضي التركية والمناهض لمحالات الانفصال من قبل حزب العمل الكردستاني ومن وراءه في الغرب، انضم صويلو لحزب العدالة والتنمية في عام 2012، ليدخل البرلمان على قوائمه في 2015 ويصبح وزيرا للعمل، وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016 عين وزيرا للداخلية بعد أن أظهر بطولات ليلة الانقلاب، وكان رأس الحربة لتطهير البلاد - ولا يزال - من جماعة فتح الله كولن المتهم بتدبير محاولة الانقلاب، وخلال تلك الفترة، ذهب صويلو إلى حد اتهام الولايات المتحدة بالوقوف وراء الانقلاب العسكري الفاشل ووصف حركة جولن بأنها طاعون يجب القضاء عليه، رغم كل ذلك حافظ صويلو على عدم لفت الأنظار إليه على المستوى الدولي، لذا لا تجد كثر من التحليلات الغربية لشخصية الرجل الأبرز والأكثر نفوذا في إدارة أردوغان.
استقالة واستقالة
لطالما ظهر صهر الرئيس التركي ووزير خزانته بيرات البيرق لاسيما بعد محاولة الانقلاب الفاشل في 2016 على أنه الرجل المقرب للرئيس، ولا ينسى الشعب ملاصقة الشاب الثلاثيني للرئيس في ليلة شديدة الصعوبة على تركيا كلها، ليلة محاولة الانقلاب، وقد أكد ظهوره المستمر في كل فعاليات التي يحضرها الرئيس وأسفاره على أنه الأقرب لخلافة الرئيس، لكن الرجل ومع أول منعطف على خلفية تراجع الليرة التركية وقرار الرئيس إقالة محافظ البنك المركزي راهن الشاب على شعبيته وصعود إلى منصة الرئيس المتكررة فلوح باستقالته فقبلها الرئيس وإن تأخر لليلة عسى أن يتراجع الشاب الذي أغلق هاتفه، ويرى المراقبون، أن الشاب أراد اختبار رد فعل الرئيس في مقارنة مع نفس الإجراء الذي قام به سليمان صويلو، منافس البيرق، حين قدم استقالته عبر حسابه على تويتر فسارع الرئيس برفضها رغم أنها لم تكن رسمية، وقد تناولنا ما كان يرمى إليه صويلو من هذه الاستقالة في مقال "استقالة وزير الداخلية التركي لها ما بعدها!" ولعل استطلاعات الرأي الأخيرة تؤكد ما قصدنا بما بعدها.
ولعل هذا الموقف يؤكد مدى تمسك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بصويلو على الرغم من أن مشاهد كثيرة أخرى ضمت شركاء في تأسيس الحزب الحاكم لم تشمل هذا التمسك الذي أبداه الرئيس بصويلو، فكان رد الفعل تأسيس أحزاب جديدة تناضل عبر وسائل الإعلام وتخدم أجندات مناوئة بعلم أو بغيره.
صويلو على خطى المؤسس يصنع شعبيته
على الرغم من أن مكونات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ليس متجانسا، ولا تحالفه الذي يضم بشكل أساسي التيار اليميني إلا أن الرئيس أردوغان استطاع بحرفية أن يوحد المكونات الدينية المحافظة المتنوعة ، والإسلامية ، والوطنية ، والقومية والتي تشكل في مجموعة الحاضنة التي تحافظ على ميزان القوى في تركيا، ومن ثم فإن صويلو خريج تلك البوتقة ليس ببعيد عن تركيا التي أستطاع الرئيس اردوغان تشكيل هويتها على مدى السبعة عشر عاما الماضية أو يزيد، وإن كانت التخوفات من فئة الشباب التي يتم اللعب عليها بشكل كبير في الفترة الماضية، والتي مررت صعود مرشح حزب الشعب الجمهوري لمنصب رئاسة بلدية اسطنبول أكرم إمام أغلو، لكن في الوقت ذاته تبدو مواقف العدالة والتنمية وصويلو الرجل الأقوى فيه بعد الرئيس من الإرهاب والغرب، الذي يبدي الكثير من التعنت أمام طموحات تركيا للوقوف في الصف الأول، لها تأثير كبير على فئة الشباب المحب لوطنه والطامح في تركيا أقوى، وهو الخطاب الذي تبناه صويلو في كلمته منذ أيام في البرلمان: (من منا كان يتوقع قبل عشر سنوات والغرب يبحث عن الغاز في شرقي المتوسط أن نطالب بحقنا في الغاز، من منا كان يتوقع الانتصار الباهر في كارباغ، من منا كان يتوقع أن تطهر مساحة تسعة آلاف كيلو متر مربع في شمالي سوريا يعيش فيها ما يقارب المليون ونصف لاجئ سوري بأمان، نحمد الله على عزم تركيا لضرب الإرهاب على الرغم مما تقوله أوروبا وأمريكا، من منا كان يتوقع أن الطائرات التي كنا نشتريها من إسرائيل وننتظر في الدور حتى يصلحونها لنا، الآن نصنع طائراتنا المسيرة بأيدي مهندسينا) ثم وجه خطابه لأعضاء حزب الشعوب الديمقراطي، الذي شوشوا عليه طوال فترة إلقائه كلمته.. أموال تركيا لا تذهب لحزب العمال الكردستاني أموال تركيا تذهب للشعب التركي).. وختم كلمته قائلا : (نسأل الله أن لا نخذل أمام شعبنا وأمام حضارتنا وأمام تاريخنا).
هذا خطاب قائد وليس وزير داخليه، كشف عن أيدلوجية يتنبناها الرئيس أردوغان وحزبه ولم يحد عن الخط المرسوم، تناول الشئون الداخلية ونظرته للعلاقات الخارجية، وبات واضحاً أن صويلو يتسلح بشعبيته المتصاعدة في الشارع التركي ليس بما يحقق على المستوى الداخلي بل على الشعبية التي تفجرت ليلة تقديمه الاستقالة، حيث نشرت قرابة مليون تغريدة على موقع تويتر خلال ساعة واحدة فقط تطالب الرئيس بعدم قبول الاستقالته، وخرج أنصاره للتصفيق على الشرفات في مناطق واسعة من عموم البلاد عقب رفض الرئيس للاستقالة، في مشهد مغاير تماماً لوزير المواصلات والمالية اللذان انسحبا من المشهد غير مأسوف عليهما، كما أنها تعد ضربة للثلاثة الكبار المؤسسين من الحزب دون أن ترف لهم عين من أنصار الحزب ولا خارجه، وباتوا معلقين بين هؤلاء وهؤلاء.
لماذا صويلو رغم تخوفات الغرب؟
في دراسة لمركز التقدم الأمريكي (Center for American Progress) وهو واحد من المراكز المقربة من صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة الديمقراطيين، يرى أن من غير المحتمل أن تتمكن المعارضة الرئيسية من كسر الهيمنة الكلية لليمين دون حدوث انهيار في هذا التماسك السياسي اليميني، ووصل إلى ذلك الاستنتاج من خلال استطلاع للرأي قامت به شركة استطلاعات الرأي التركية Metropoll في أكتوبر من العام الماضي، وعلى الرغم من أن نتائج الاستطلاع لن تعكس بشكل دقيق قراءة مستقبل الوضع التركي السياسي، لما للسياسة التركية من سمات مزاجية متقلبة، إلا أنه يساهم في كشف الحالة العامة والمؤثرة إلى حد كبير في مستقبل مسار الواقع السياسي لتركيا، في استطلاع الرأي الذي شمل العينة المستهدفة جاء سليمان صويلو بالنسبة الأعلى في التصويت بين سبعة من القيادات التركية من بينهم رئيس الحكومة الأسبق أحمد داود أوغلو، فإن استطلاع الرأي كشف أيضا عن التحول الذي يشهد المزاج العام ليس في الحزب وحسب بل على المستوى العام، حيث تنامى نفوذ التيار القومي المحافظ على حساب الملي جوروش الذي كان يمثل عصب الحزب وقلبه النابض، وبطبيعة الحال التيار الأكثر ليبرالية داخل الحزب والذي كان يمثله داود أغلو أو تيار التكنوقراط الذي يمثله باباجان مهندس الاقتصاد في الحزب ووزيره، وهو ما يعكس دور الدين في الحياة العامة ، والسياسة الخارجية ، والتعليم ، والديمقراطية، ولا يغفل تعامل الغرب وصعود اليمن الشعبوي، ما جعل مؤشر العناصر السابقة تتفاوت لدى الشارع التركي لاسيما طبقة الشباب، ونعود لما انتهى إليه المركز من نتائج بعد طرح سؤال مباشر على العينة المستهدفة: من يمكنه الاستمرار في إرث أردوغان ويمكن حزب العدالة والتنمية؟.. ومرة أخرى يبرز سليمان صويلو كمرشح أعلى بنسبة 19%، يليه بيرات البيرق بنسبة 13% ، ليأتي الرئيس المحبوب عبد الله جول ثالثا بنسبة 8 %، وباباجان بنسبة 7% ، وأخيرا داود أوغلو بنسبة 6 %.
وبنظرة صغيرة على النسب والأسماء نجد أن كل الأسماء التي طرحت العام الماضي أصبحت من التاريخ، وكان أخرهم الأقرب في المنافسة بيرات البيرق صهر الرئيس ووزير ماليته ورفيقه ليلة محاولة الانقلاب، ومع تكرار المركز نفس الدراسة لعام 2020 تغيرت النتائج بشكل طفيف، في حسابات الناخب المحافظ وخياراته المطروحة سابقا من أن العدالة والتنمية هو الخيار الأوحد أو الأكثر حظا على أقل تقدير، ما يعني أن الناخب بدأت نسبة منه تتأرجح، مع ذلك بقيت نسبة ثقة الناخب في صويلو صامدة أمام المتغيرات هذه، ومع خطابه الأخير منذ أيام أمام البرلمان والذي حاز على ملايين الاعجابات يبدو أن الرجل الذي بدأ العالم يضع عينه عليه بعد مواقفه المعلنة من سياسات الغرب تجاه بلاده الخيار المر الذي يمكن أن يتجرعه الغرب في خلافة مشروع تركيا القوية الذي أسسه أردوغان.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس