
ترك برس
يتناول الكاتب والإعلامي التركي سلجوك توركيلماز في مقال نشرته صحيفة يني شفق الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على مستشفى الصداقة الفلسطيني التركي في غزة، حيث تم تفجيره بالكامل، ويُبرز هذا الهجوم كجزء من سياسة إسرائيلية منهجية تهدف إلى جعل غزة غير صالحة للحياة وتهجير سكانها.
ويناقش المقال الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي من قبل إسرائيل، ويشير إلى الدعم الغربي غير المشروط، خاصة من الولايات المتحدة وبريطانيا، الذي يساهم في تمكين هذه السياسات القمعية.
كما يتطرق إلى التأثير الفكري للمستشرقين الصهاينة، ودورهم في تشكيل السرديات التي تبرر الاحتلال والتطهير العرقي، محذرًا من تبعية فكرية واسعة النطاق، بما في ذلك في تركيا، ويؤكد ضرورة إعادة النظر في الأيديولوجية الصهيونية لفك هيمنة "البربرية" الغربية.
وفيما يلي نص المقال:
بعد أن انتهكت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار، قامت بتفجير ونسف مستشفى الصداقة الفلسطيني التركي، الواقع في شمال غزة. وإثر هذا العدوان، الذي استهدف المستشفى بشكل مباشر، طالبت حركة حماس بمحاكمة إسرائيل أمام المحاكم الدولية.
وفي هذا السياق، أصدرت وزارة الخارجية التركية بيانًا جاء فيه:
"ندين تدمير إسرائيل لمستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، الذي بنته بلادنا وتديره السلطات المحلية كمستشفى لعلاج السرطان".
"إن الاستهداف المتعمد لمستشفى يقدم الرعاية الصحية للمدنيين في غزة، هو جزء من سياسات إسرائيل لجعل غزة غير صالحة للعيش وإجبار الشعب الفلسطيني على الهجرة".
"ندعو المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات ملموسة ورادعة ضد اعتداءات إسرائيل غير القانونية وإرهاب الدولة الممنهج".
"جميع المسؤولين عن الإبادة الجماعية في فلسطين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سيحاسبون عاجلا أم آجلا أمام القانون الدولي".
بدأ مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني الذي تم بناؤه وتجهيزه من قبل وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا)، بتقديم خدماته منذ عام 2017. وبعد 7 أكتوبر، شهد المستشفى أوضاعًا مأساوية، لكن ما حدث هذه المرة يُعد سابقة خطيرة، ويمثل بعدًا مختلفًا تمامًا. فقد قام الصهاينة بتفجير المستشفى بالكامل بالمتفجرات. إن تفجير مبنى مستشفى بهذه الطريقة يتطلب تخطيطًا دقيقًا وتنفيذًا ممنهجًا، وهو ما أكد عليه بيان وزارة الخارجية، حيث وصف هذا العمل بأنه "جزء من السياسات الإسرائيلية الرامية إلى جعل غزة غير صالحة للحياة وإجبار الفلسطينيين على التهجير القسري." كما شدد البيان على أن إسرائيل تستمر في انتهاك القوانين الدولية بشكل صارخ.
ويبرز في البيان مفهومان متكاملان: فمن ناحية، تمارس إسرائيل التطهير العرقي في الأراضي الفلسطينية التاريخية، مستخدمة التهجير كوسيلة لتحقيق ذلك، ومن ناحية أخرى، تواصل انتهاكها الصارخ للقانون الدولي. فمنذ عام 1948، تمارس إسرائيل التطهير العرقي بشكل منظم، وتنتهك القوانين الدولية كما تفعل اليوم، ولكن الدعم غير المشروط الذي تتلقاه من الولايات المتحدة وبريطانيا ساهم في جعل هذه السياسات القمعية نظاما ممنهجا. وقد استمرت هذه الممارسات لما يقارب ثمانين عامًا.
خلال حقبة الحرب الباردة وفي ظل النظام الأحادي القطب بعد التسعينيات، كانت إسرائيل تحظى بحماية المنظومة الغربية. في تلك السنوات، أصبح العالم الغربي معتمدًا فكريًا على المستشرقين الصهاينة، الذين فرضوا سلطتهم على إنتاج المعرفة المتعلقة بالإسلام والمسلمين والجغرافيا الإسلامية. ومن خلال هذا الإطار المعرفي، تم التعتيم على عمليات التطهير العرقي والانتهاكات القانونية التي نفذتها إسرائيل تحت رعاية الولايات المتحدة وبريطانيا. وفي هذه الفترة، وخاصة بعد التسعينيات، تم الترويج لربط الإسلام بالإرهاب، وقد أدى طرح هذه الأفكار باستمرار إلى ترسيخ تبعية فكرية في الأوساط الأكاديمية الغربية.
لم تقتصر هذه التبعية الفكرية للمستشرقين الصهاينة على الغرب، بل امتد تأثيرها إلى العالم بأسره، بما في ذلك تركيا. فرغم أن جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة بعد 7 أكتوبر قد وُثقت من قبل المحاكم الدولية، وأُدين المسؤولون عنها، إلا أن السردية القائلة بأن "الفلسطينيين باعوا أراضيهم" ظلت أكثر انتشارًا في تركيا. وهذا يعكس مشكلة التبعية الفكرية المباشرة. ومن الخطأ حصر تأثير النظام الغربي، الذي تقوده الولايات المتحدة وبريطانيا، في المجالات السياسية والاقتصادية.
لقد صنّفت الحضارة الغربية عدم الامتثال للقانون الدولي أو لأي نظام قانوني ضمن مفهوم "البربرية". وقد قدم الشاعر اليوناني قسطنطين كفافيس، في قصيدته "في انتظار البرابرة"، إطارًا نقديًا لموقف "المتحضرين" تجاه الآخر. إلا أن ما نشهده اليوم يتجاوز الإطار الذي صوره كفافيس، فقد تحولت القوى الغربية إلى تبني "البربرية" كنظام، من خلال تقويضها للقوانين التي وضعتها بنفسها. لم يسيطر "البرابرة" على النظام، بل أصبحت "البربرية" ذاتها هي النظام القائم.
لقد قام المستشرقون الصهاينة بإنشاء منظومة معرفية متكاملة، وكما أشار إدوارد سعيد، فإن هذا النظام يتمتع بالانسجام الداخلي. ولو كان سعيد على قيد الحياة اليوم، لربما أكد أن المثقفين الأوروبيين والأمريكيين يعانون من هذا الانسجام الداخلي. ولربما شدّد أيضًا على أن المشكلة لم تأتِ من "البرابرة"، بل من هيمنة "الهمجية" نفسها.
إن خضوع الدول المؤسسة للنظام الغربي، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، لهذه البربرية يُعد مشكلة كبيرة، وإذا أرادت هذه الدول التحرر من هذه الهيمنة، فعليها أولًا أن تُعيد النظر في الصهيونية بكل أبعادها، إذ إن هذه الأيديولوجية تُحدث تحولات جذرية لدى اليهود والعالم الغربي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!