فخر الدين ألتون – صحيفة ملييت - ترجمة وتحرير ترك برس
في الأيام الخوالي كانت الأمور أكثر سهولة، فمجموعة من الضباط وانقلاب عسكري كافية لإعادة ضبط الأمور وإنهاء المهمة وإرجاع الوضع إلى ضبط المصنع. لكن الفئة المهيمنة على النظام القديم في تركيا خسرت هذه الفخامة السهلة. فالسلطة والسيطرة والهيمنة التي انسابت منحصرة بين يدي هذه النخبة من علية القوم نراها اليوم تجري تحت أقدام الشعب.
"الأمم" في الغرب تجابه "الثورة" بداية ويليها عودة إلى أصل السياسة والبوليتيكا من خلال "المشاركة الديمقراطية" في العملية السياسية، لكن تركيا عاشت وضعا يختلف إذ أن النظام الكمالي والذي قدم نفسه على أنه "الثورة" حاول وبكل ما أوتي من قوة أن يبعد الشعب عن المشاركة في العملية السياسية من خلال سد القنوات التي تؤدي الى ذلك. فسنوات طوال قضتها تركيا تحت حكم نظام ذو حزب واحد. حتى أنه بعد تغيير النظام إلى "برلمان سياسي متعدد الأحزاب" قامت هذه النخبة ومعها النظام الكمالي بالتدخل والتلاعب بإرادة الشعب من خلال الوصاية البيروقراطية وحاولت دائما أن تفرض نفسها على الشعب لتكون رأيه وإرادته التي لا يرغب.
وهذا هو المصدر الأول للاعتبارية والهيبة التي تحلت بها السياسة التركية بعد عام 2000م، أما المصدر الثاني لهذه الاعتبارية هو التحول السياسي والعودة إلى "المشاركة الديمقراطية في العملية السياسية" بخطى واثقة وثابتة على يد رجب طيب أردوغان. هذا التقدم الثابت والخطوات الواثقة حولت مركز السلطة في تركيا ليصبح الشعب هو مصدر القوة والسلطة. بالطبع إن خطوات أردوغان الثابتة هذه قد واجهت الكثير من الصراعات السياسية على السلطة.
***
أردوغان وحتى عام 2010م كان يواجه ثلاث فئات مهمة، أولها العناصر البيروقراطية الأوليغارشية (حكم الأقلية) التي حاولت التفرد بالسلطة من خلال فرض الوصاية العسكرية. نخبة النظام القديم في تركيا والتي تتمركز بدنيا الاعمال والتجارة وفي عالم الاعلام إضافة الى الأكاديميين. أما الفئة الثالثة فهو الأحزاب السياسية التي ترفض التغيير وترغب باستمرار الوضع على ما هو عليه.
لكن أردوغان ومن خلال الصراع السياسي الذي يتمتع بدرجة عالية من الشفافية والذي كان الشعب شاهدا عليه استطاع أن يحقق الانتصار. فتحسين الوضع الاقتصادي للبلد والتخلص من العقبات السياسية والقانونية التي تتميز بالكثير من السلبية وتمثل ضغوطات رهيبة على فئات كثيرة من المجتمع التركي إضافة إلى رسم سياسة خارجية تتمتع بالاستقلالية والتأثير كانت بمثابة جوهر رؤية أردوغان السياسية في صراعه الشفاف النزيه.
هذه الرؤية التي لم تقبل بها عناصر تركيا القديمة كما عارضتها وبشدة القوى الدولية الخارجية التي لا ترغب بتركيا جديدة وممتنة جدا من دور تركيا القديمة. ففيما تلا عام 2010م واجه أردوغان مركز القوى هذه في صراعات هائلة ولكنه حقق ومن جديد الانتصار بسنده ومدده وسلاحه الوحيد، الشعب!
ولهذا السبب استمر في صراعه الذي وصفه بـ"حرب تحرير جديدة" واستمر كذلك بالعودة إلى الشعب يحدثه بكل شيء ويشرح له كل شيء ويتسمد منه القوة. أما القوى العالمية فهي تقبل بحزب العدالة والتنمية بشكل عام 2002م وتطالبه بالعدول عن تغيرات عام 2010م و"العودة" إلى شكل وأسلوب وتنسيقات 2002م، وعندما أتضح لهذه القوى العالمية ان العودة الى تنسيقات القديمة يعد أمرا مستحيلا تحت ظل "زعامة أردوغان" شرعت بعمليات جديدة في صراعها.
***
فبعد مدة قصيرة دفعت بحزب العمال الكردستاني إلى الحلبة، لكنها لم تستطع أن تحقق أي نتائج من خلاله فمشروع السلام والذي يطلق عليه "عملية تسوية وطنية" الذي طرحه أردوغان كان لمخططاتهم بالمرصاد، واستطاع أردوغان أن يحقق انتصارا عليهم. تلت ذلك هبة غيزي بارك والتي تكللت بالفشل كذلك. سعت هذه القوى العالمية لاستخدام صولجانها وسلاحها الجديد المتمثل بالانقلابين الجدد أعضاء تنظيم الدولة الموازية أتباع فتح الله غولن من خلال محاولة انقلاب 17 – 25 ديسمبر/ كانون الأول ولكنهم فشلوا من جديد.
القوى العالمية والتي أدركت انه لا حل مع سلطة اردوغان والشعب الا بالسلاح وبهبة عسكرية منظمة سعت الى تركيز القوى الشريرة الداخلية منها والخارجية واستخدامها ضد تركيا ولهذه الغاية جمعت كل التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها حزب العمال الكردستاني للقتال ضد الدولة التركية.
فالهدف الحقيقي لهذه الهبه المسلحة التي تغرق تركيا بالدماء منذ النصف الثاني للعام المنصرم هو تحويل تركيا ذات الإدارة السياسية القوية إلى دولة عديمة الأهمية السياسية متقوقعة على ذاتها وفي خسران وتناقص مستمر سواء لأرضها او لموقفها.
هذا ما عبر عنه جمال باييك صراحة في الأسبوع الفائت إذ قال: نحن وجدنا للتخلص من أردوغان ويجب علينا أن نسقطه بالتعاون مع كل القوى التي تساندنا، فإذا لم نتخلص منه سوف يتخلص هو منا جميعا وسوف نسقط جميعنا تباعا. هذا الموقف يتبناه كذلك حزب جبهة التحرر الشعبي الثوري وتتبناه عناصر داعش وتنادي به كل العناصر الذي يغذيها بوتين، وما هجوم يوم السبت الإرهابي الانتحاري في منطقة التقسيم ألا تأكيد على هذا الموقف.
أعداء هذا الشعب وهذه الامة قد اتحدوا ومستعدون للقيام بأي ألاعيب مهما بلغت قذارتها، لكن هذا الشعب الذي هب واقفا لن يسمح بمرور خططهم وألاعيبهم ولن يسمح للحياة أن تدب فيما تربو إليه نفوسهم الإرهابية، هذا الشعب لم يستسلم ولن يستسلم...
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس