د. علي حسين باكير - العرب القطرية
تطرح المحاولة الانقلابيّة الفاشلة التي جرت في 15 يوليو الماضي علامة استفهام حول مدى متانة العلاقات التركيّة العربية عموما، والتركيّة الخليجيّة على وجه التحديد. ذلك اليوم لم يكن مجرّد اختبار للداخل التركي فقط، وإنما لعلاقات تركيا الخارجيّة في محيطها الإقليمي والدولي.
باستثناء قطر التي سارعت وزارة خارجيتها إلى إصدار بيان يؤكّد وقوفها إلى جانب السلطات الشرعيّة التركيّة بالتزامن مع اتصال أمير البلاد بالرئيس التركي مبدياً استعداده لتقديم أي نوع من المساعدة، لم يتّصل في اليوم الأول للانقلاب أي أحد. البعض اعتبر أنّ ما قامت به قطر يدخل في باب المقامرة، على اعتبار أن النتيجة النهائية في حالات كهذه ليست معروفة، وبالتالي فإن اتخاذ موقف مسبق قبل انجلاء الأحداث قد يؤدي إلى تدهور سريع في العلاقات التركية القطرية إذا ما انتصر الانقلابيون.
لكن في حقيقة الأمر، فإن الموقف القطري كان خطوة صحيحة لا غبار عليها لأنّها تنسجم مع مواقف قطر السابقة تجاه الانقلابات العسكرية التي حصلت في المنطقة من جهة، ولأنّه من السليم دوماً دعم النظام الشرعي أولاً، فإن خسر وانتصر الانقلابيون فإنهم سيكونون دوما بحاجة للمحيط الإقليمي والدولي إلى الاعتراف بشرعيّتهم وبالتالي سيكون هناك دوما فرصة أخرى.
الطرف الذي غامر بعلاقاته مع تركيا، هو الطرف الذي تأخّر عن إدانة المحاولة الانقلابية الفاشلة، وكان من المعيب أيضاً ألا يحضر الاجتماع الاستثنائي الطارئ للبرلمان التركي عقب الانقلاب أي من السفراء العرب باستثناء السفير القطري والفلسطيني. ما الرسالة التي تتركها خطوة كهذه لدى الجانب التركي؟ وكيف من المفترض عليه أن يفهمها؟
ورغم أنّ بعض الدول العربية والخليجية على وجه التحديد حاولت تدارك الأمر من خلال خطوات لاحقة عقب اليوم الأول للمحاولة الانقلابية الفاشلة، إلاّ أنّنا لا نستطيع أن نقول إنّ هذه الخطوات كانت كافية خاصّة أن الجانب التركي لم يقصّر مع دول الخليج، لاسيما المملكة العربية السعودية والبحرين، في أي من الاختبارات الخليجيّة التي مرّت بها سواء عند دخول درع الجزيرة إلى البحرين أو عند إقامة التحالف العربي في اليمن أو عند الأزمات المتتاليّة مع الجانب الإيراني.
صحيح أنّ علاقات تركيا مع الدول الخليجيّة متفاوتة لكنها إيجابية في المجمل، ليس من المطلوب أن يتم فرض شراكة زائفة أو متكلّفة، لكن علينا أن ندرك جيدا أنه لا يمكن لأي من الطرفين منفرداً أن يتجاوز التحديات الإقليمية المحدقة بهما من دون تكامل وتشارك حقيقي، خاصة في ظل التراجع الأميركي وفقدان الثقة بالولايات المتحدة كشريك يمكن الاعتماد عليه في المحن.
وعليه، فمن الممكن اعتبار المحاولة الانقلابية الفاشلة بمثابة فرصة لتصحيح الأوضاع ومراجعة الحسابات وتجديد الثقة وتعميقها بين الطرفين. إذ غالبا ما يتم النظر إلى مثل هذه التطورات المفصلية على أنها اختبار لحقيقة الصداقة والشراكة القائمة. موقف الدول بعد الأزمة لا يقل أهمية عمّا قبلها، وعادة ما يتم تقييم ذلك من خلال التصريحات الرسمية رفيعة المستوى بالإضافة إلى زيارات التضامن.
هناك حاجة بالتأكيد لأن تقوم القيادات التي لم تتّصل بالاتصال، وهناك حاجة أكثر إلحاحاً وهي القيام بزيارات رفيعة المستوى، فالزيارات تعتبر إشارة مهمّة للتضامن، إن لم يكن على مستوى رأس الدولة فعلى المستوى الثاني المتمثل برئاسة الوزراء أو وزير الخارجية أو على المستوى الثالث المتمثل بوزير الدفاع أو رئيس هيئة الأركان.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس