ترك برس

قال المُفكّر والأكاديمي الفلسطيني البارز الدكتور "عزمي بشارة"، إنّ الانقلاب يحتاج إلى التحالف مع قوى مدنية وسياسية لكي يتمكن من فرض نفسه على المجتمع، فهو يفشل من دونها، وهذا ما وقع في تركيا على عكس مصر، لا سيما وأنّ انقسامًا وقع بين مؤيدي الديمقراطية ومؤيدي الانقلاب.

جاء ذلك في كلمة له خلال افتتاح المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدورة الخامسة لمؤتمره السنوي لقضايا التحول الديمقراطي الذي يخصصه هذا العام لموضوع "الجيش والسياسة في مرحلة التحول الديمقراطي في الوطن العربي". وتجري أعماله على مدى ثلاثة أيام في معهد الدوحة للدراسات العليا بمشاركة أكثر من 60 باحثًا من المؤسسات الجامعية والبحثية في الوطن العربي وخارجه.

ورأى بشارة، الذي يشغل منصب مدير عام المركز العربي، أن الجيش مؤسسة تعمل وفق مصالحها، وهي تميل إلى تصوير مصالحها في مراحل الانتقال كأنها مصالح وطنية عامة، كما لا تعمل هذه المؤسسة بموجب نظام أفكار، و"إنها مؤسسة منظمة أعلى من حزب أو حركة أو خزان أفكار"، وأشار إلى أنّ نزوع الجيش نحو الحكم واتخاذ القرار أخذ صيغة "الانقلاب" في مراحل متعددة من التاريخ في أقطار عربية مختلفة.

وأضاف: "من ناحية أخرى ثبت في تركيا كما في مصر أنّ الانقلاب يحتاج إلى التحالف مع قوى مدنية وسياسية لكي يتمكن من فرض نفسه على المجتمع. فهو يفشل من دونها، وهذا ما وقع في تركيا على عكس مصر، لا سيما وأنّ انقسامًا وقع بين مؤيدي الديمقراطية ومؤيدي الانقلاب. أما حين انقسم المجتمع بين مؤيدي حزب سياسي بعينه (مثل الإخوان المسلمين) ومعارضيهم، (وليس بين مؤيدي الديمقراطية والمنقلبين عليها) فنجح العسكر".

ولفت الانتباه إلى الفرق بين الانقلاب والثورة بوصفهما مفهومين، على الرغم من أنّ هدف كليهما هو خلع رأس النظام، غير أنّ الثورة تستخدم عادةً في وصف أيّ تمرد أو عصيان شعبي من خارج النظام ضد حاكم، في حين أنّ الانقلاب العسكري يأتي من داخل النظام وغالبًا ما ينتهي بتغيير الحاكم مع الحفاظ على النظام، ولكن ثمة حالات أطلق فيها الانقلاب صيرورة تغيير تحالفت فيها السلطة الانقلابية مع قطاعات اجتماعية متضررة لتغيير النظام، وجرى تغييره فعلًا.

وأكد الدكتور عزمي في هذا السياق أنّه من ناحية الديمقراطية والتحول الديمقراطي لم يثبت أنّ الثورة الشعبية أكثر كفاءة للوصول بمجتمع ما نحو الديمقراطية، من الإصلاحات من أعلى سواء أقامت بها قيادة عسكرية بعد انقلاب أم قيادة سياسية، أم كلاهما معًا. وخلص إلى أنّ التمييز بين الثورة والانقلاب لا يرنو إلى المدح أو الذم، إنما الأهم هو التمييز بين الانقلاب لتغيير قيادة والحفاظ على النظام، والانقلاب الذي يأتي ضمن عملية تغيير اجتماعي سياسي.

وأضاف أنّ الجيوش كان لها دور في تأسيس الدولة الحديثة، وتسريع عمليات الانتقال من مرحلة إلى أخرى، مثلما كانت حالة نابليون بعد الثورة الفرنسية، ودور أتاتورك (مؤسس الجمهورية التركية)، مبينًا أن هناك حالات تدخّل الجيش لقيادة عملية التغيير في مراحل الحرب الأهلية وعدم الاستقرار السياسي، كما تدخّل بسبب الفراغ الناتج من ضعف المؤسسات وعجز السياسيين، ووجود ظرف كهذا وميل فكري سياسي لدى الجيش للتدخّل.

ولكن مرحلة بناء الدولة الوطنية العربية بعد الحرب العالمية الثانية شهدت طمسًا للحد بين الانقلاب والثورة في الثقافة السياسية للفئات الوسطى عمومًا وللمثقفين المسيّسين أو المنخرطين في أحزاب أو قريبين منها ولحركات الشباب والطلاب.

وجرى لاحقًا المزج بين الانقلابية والثورية أو تفسير الانقلابية كثورية. وأصبح ينظر إلى الانقلاب بوصفه مقدمة لعملية تغيير اجتماعية - اقتصادية (ثورة). جرى ذلك مع انقلاب يوليو في مصر أولًا ثم مع انقلابات البعث في سورية والعراق وإلى حدٍ كبير في انقلاب 14 تموز الذي سمى نفسه ثورة منذ البداية.

وبذكر أتاتورك، يشير الدكتور عزمي بشارة إلى أنّ نموذج انقلابه كان ماثلًا لدى العديد من قادة الانقلابات العربية لناحية الثقة بقدرة الجيش على قيادة مجتمع متخلف تسوده ثقافة تقليدية، وتؤدي فيه الحرية من دون تقاليد حديثة إلى الفوضى. لكن على الرغم من إعجاب أمثال بكر صدقي وحسني الزعيم وحتى عبد الناصر وعبد الكريم قاسم، وقبله وإن كان بدرجة أقل أديب الشيشكلي، بنموذج أتاتورك وتقليده في بعض الأمور.

فالفرق شاسع بين قيادات جيش تقود حملة عسكرية ضد الاحتلال وتؤسس جمهورية حديثة قوامها نخب حديثة صاعدة داخل النظام نفسه كما في حالة أتاتورك، وأخرى مؤلفة من ضباطٍ راديكاليين من الرتب الوسطى والدنيا في انقلابها على النظام الملكي، ثم في سلسلة منازعاتهم وتنافسهم على القيادة والرئاسة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!