فيردا أوزير - صحيفة حرييت - ترجمة وتحرير ترك برس
إنني على يقين تام بأنكم تشعرون بالشيء ذاته:
إذ تبدو بعض الأحداث وكأنها تجري بسرعة أكبر من غيرها. فالبعض منها يجري وفق طريق محدد وأكثر ثباتًا، بينما تتسارع وتيرة التغيير لدى البعض الآخر. وبالتالي تتزاحم جميعها. حتى يصعب على الإنسان فهم ما يجري وتفسيره.
وهذا ما نشهده مؤخرًا. من خلال دفع خطابات الرئيس الأمريكي الجديد المنتخب وسياساته العالم أجمع إلى الزاوية المقابلة. والأمر نفسه ينطبق على أوروبا. بسبب مضي اليمين المتطرف قدمًا. وتدهور الاتحاد الأوروبي تدريجيًا خاصة بعد خروج بريطانيا منه.
وفيما يتعلق بمنطقتنا، فإن الوضع لا يدعو للتفاؤل على الإطلاق. نتيجة تقسيم العراق وسوريا. وتغلغل التغيير الحاصل هناك إلى الداخل عبر حدودنا سواء شئنا أم أبينا.
وإزاء هذا الوضع ينبغي علينا العمل من أجل فهم ما يجري أولاً. ومن ثم طرح الأسئلة التالية: كيف سيؤثر هذا التغيير العالمي علينا؟ وما هو موقعنا في هذه المعادلة؟ وكيف باستطاعتنا اختيار الموقع الأفضل لنا؟ أي كيف بإمكاننا جعل الأمور تسير لمصلحتنا؟
نـظـام عـالـمـي جـديـد
دعونا نلخص الأحداث الجارية في العالم باختصار شديد أولًا:
- تخطيط ترامب لتقليص الالتزامات الدولية الأمريكية إلى أدنى مستوى عبر النهج القومي والوقائي. وذلك بالانسحاب من الاتفاقات التجارية الدولية وتدعيم حدودها أمام المهاجرين.
وتحدي الصين الناشئة كقوة عظمى مستقبلاً مع صدور تلميحات عن تعاون وثيق مع روسيا. وبناء عليه يسعى ترامب إلى إضعاف روسيا والصين عبر خلق التصدعات بينهما.
- تهدف سياسة ترامب في سوريا إلى تحميل روسيا ودول المنطقة عبء الإخفاق. كما يرغب في تقليص الوجود العسكري الأمريكي في العراق. ولهذا فإن جميع الاحتمالات ستؤدي إلى تنفيذ عمليات كبيرة من نوع الكر والفر ضد داعش.
- أما أوروبا فقد بدأت بالإنهيار حتى قبل تولي ترامب منصبه. إذ يتوقع فوز اليمين المتطرف في الانتخابات العامة في هولندا بعد 6 أسابيع، والانتخابات الرئاسية في فرنسا التي ستجرى بين شهري نيسان وأيار. ومن المتوقع اتخاذ هذه الدول قراراً بالخروج من الاتحاد الأوروبي على غرار بريطانيا.
وبجميع الأحوال فقد أدى تولي ترامب إلى تأجيج ذلك التوجه اليميني المتطرف الموجود أصلاً في أوروبا. وأمام هذا الوضع الذي آل إليه الاتحاد الأوروبي، لم يبقى سوى ألمانيا. أما بريطانيا، يبدو أنها ستولي أهمية كبرى بالروابط الثنائية بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي مع الحفاظ على علاقاتها التقليدية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
- إضافة إلى وصف رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك الرئيس ترامب "بالتهديد الوجودي" على الاتحاد الأوروربي. مما أدى إلى زيادة الشرخ بين الدول ذات الميول الليبرالية والاشتراكية نسبياً، والمدافعة حتى الآن عن الانسجام داخل الاتحاد الأوروبي، مع سياسة اليمنيين المتطرفين الشبيهة بسياسة ترامب في أوروبا.
ولهذا تشير الأحداث السابقة جميعها إلى بدء انهيار المؤسسات الدولية وفي مقدمتها حلف الناتو.
مـا سـتـفـعـلـه تـركـيـا
باختصار، ليس بوسع تركيا القيام بالكثير في هذه المعادلة الجديدة في ظل فقدان التوازنات العالمية بشكل فعلي. وإن كان واضحًا للغاية.
ومن المستحيل أيضًا انتظار حدوث تطور على المدى المتوسط في هذه العلاقة بينما يخوض الاتحاد الأوروبي حرب وجود داخله. والأمر نفسه ينطبق على المؤسسات الدولية الأخرى. ولهذا ينبغي التركيز على العلاقات الثنائية مع الدول وبخاصة بريطانيا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وبجميع الأحوال تسعى بريطانيا إلى عقد اتفاقيات تجارية ثنائية جديدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
في حين تعد ألمانيا الدولة الأهم التي بإمكاننا إقامة شراكة معها. لأنه من الضروري بالنسبة إلى نظام القيم التي تمثله والمظلة الأمنية التي توفرها مواصلة علاقاتنا مع التحالف الغربي لتشكل قاطرة للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في المرحلة الجديدة وعن طريق السياسة المعتدلة للمستشارة ميركل تجاه المهاجرين.
وشئنا أم أبينا سيؤدي ذلك إلى تغيير سياستنا تجاه العراق وسوريا. ويقصد بذلك روسيا وبقاء نظام دمشق. والاحتمال الأهم هو تفضيل ترامب التعاون مع روسيا والأسد، بدلاً من حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب الكردي.
مما يمثل فرصة جديدة بالنسبة إلى أنقرة: لأنها ستؤدي إلى التفاوض مع ترامب وتقليص دور ومجال نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب الكردي، وسيعزز بالمقابل من التعاون مع روسيا ونظام دمشق، مع إمكانية البحث عن صيغة ستجر الحلفاء الذين ندعمهم إلى نطاق ضيق. وسيتطلب منا التفاوض مع نظام الأسد وتقليص دعمنا لهؤلاء الحلفاء.
ومما لاشك فيه أن الهدف من ذلك عدم تقاطع مصالحنا بالكامل مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، والمتعلقة بالمواضيع الحرجة مع ترامب، ومسألة "الإسلام المعتدل" وحزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب الكردي وعدم التغاضي عنه بالكامل، والمواضيع التشاؤمية مع روسيا، والمعارضة السورية. وبناء عليه لابد من موازنة المواضيع الحرجة لنا مع شريك آخرعبر سياسة التوازن تلك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس