د. علي حسين باكير - العرب
لا يبدو أن تطبيع العلاقات بين روسيا وتركيا يسير بالشكل الذي كان الجانب التركي يتوقعه على الأقل. ففي 22 مارس الحالي، استدعت أنقرة القائم بالأعمال الروسي لديها إلى مقر وزارة الخارجية لتعبّر عن ردّة فعلها إزاء سقوط جندي تركي على الحدود مع سوريا بنيران عناصر ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (PYD) في سوريا.
لكن هذا الأمر لم يكن السبب الوحيد لإطلاق ردّة فعل تركيّة؛ إذ إنّ الجانب الروسي يثبت يوما بعد يوم أنّه لا يمكن الوثوق به، وأنّه كان قد دخل ربما في عملية خداع استراتيجي عندما أوحى للجانب التركي بأنّ تطبيع العلاقات بين البلدين يسير على ما يرام.
على الصعيد الثنائي، لم يقم الجانب الروسي برفع كامل العقوبات التي كان قد فرضها على تركيا بعد أن قامت القوات المسلحة التركية بإسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر 2015، وهذا يعني أن موسكو استفادت من الانفتاح السياسي التركي عليها لأقصى حد بسبب غياب البديل الأميركي لدى أنقرة، ولم تمنحها في المقابل حتى رفعا كاملا للعقوبات. الهدف من هذا الأمر واضح تماماً، فالإبقاء على بعض العقوبات هو بمثابة ورقة تأمين لدى روسيا للتحكم بالسلوك التركي إن اقتضى الأمر ذلك.
أمّا على الصعيد متعدد الأطراف لاسيَّما فيما يتعلق بالوضع السوري، لم يقطع الروس علاقاتهم مع ميليشيات (PYD) الكردية وهو ما كان الجانب التركي يأمل حصوله عندما تمّ إنشاء الآلية الثلاثية التي تتكون من أجهزة الخارجية والدفاع والاستخبارات للتعاون بين البلدين في سوريا، بل على العكس، أبقت روسيا على مكتب هذه الميليشيات قائماً في موسكو، كما استضافت مؤخراً مؤتمراً جامعاً لكل أكراد المنطقة بما في ذلك أكراد تركيا، واقترحت دستوراً لسوريا يعزز من اقتطاع الشمال السوري لصالح هذه الميليشيات تحت عناوين فضفاضة كالإدارة الذاتية ولجان المناطق.
ورغم الاعتراضات التركية المتكررة خلف الأبواب المغلقة حول هذه الخطوات، فإن التطوّر الأكثر سلبية في هذا المسار كان الاتفاق الذي رعته موسكو بين كل من الميليشيات الكردية والنظام السوري في منبج والذي اقتضى بعد ذلك نشر قوات روسية في المدينة، وهو اتفاق لم تقم روسيا بإطلاع أنقرة بانخراطها به بشكل مسبق، وأدى إلى تعطيل العملية العسكرية التركية في الشمال السوري.
إضافة إلى ذلك، بدأ الجانب التركي يرى بشكل متصاعد أنّ روسيا لا تقوم بما عليها من مهام بخصوص مراقبة اتفاق الهدنة الذي أدى إلى إطلاق مفاوضات أستانة، وأنّها لا تفعل شيئا لإيقاف النظام أو الميليشيات الموالية لإيران وأنّ هذا الأمر سيؤدي إلى انهيار الاتفاق.
أمّا والحال هذه، فإن تركيا في المقابل لا تمتلك ما تضغط به على روسيا الآن لاسيما وأن محاولة إعادة تشكيل العلاقة مع الإدارة الأميركية الجديدة على أسس مغايرة لما اتبعته إدارة أوباما في التعامل معها قد باءت بالفشل -حتى هذه اللحظة- وهو ما يعني أنّ خيارات أنقرة تتضاءل، وأنّ حساباتها باتت مرتبطة بقرارات الآخرين أكثر مما هي مرتبطة بأفعالها حالياً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس