خلود عبد الله الخميس - العرب
أظن هذه هي التسمية اللائقة لأسلوب إدارة الأعمال التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
عودة لشمولية نظام الحكم والاحتكام في الدولة التركية، فالصراع على السلطة لا يتوقف عند الإدارة السياسية وتفاصيلها فحسب، بل هو صراع قـيَمي له جذوره الضاربة في عمق التاريخ، والذي أنبت نخلاً وشجر زيتون، أصالة وصبر وبركة.
على صعيد الفروق الشاملة بين الفرقاء، فريق العلمانية، وفريق المحافظين الإسلاميين، فإن لكل منهجية عكس الأخرى في إدارة الدولة، شتان بين منهج الإدارة الغربية التي تتسلق الديمقراطية لتنتصب النخب ذات العراقة العائلية أو المكانة الاقتصادية لتكون القيادة السياسية، وبين منهج الإدارة المحافظة التي تتخذ من الديمقراطية أيضاً وسيلة لدعم حق المجتمع الإسلامي في الوجود عبر البراجماتية السياسية، الأخيرة تمارس الإدارة الأخلاقية، وهنا محك الفكرة والنزاع.
نستطيع أن نقول: إن النزاع على السلطة في تركيا، ليس سياسياً لمنصب ومال فحسب، ولكن لأسباب عميقة متجذرة في الفكر العلماني الذي لا يتعدى عمره مائة عام، من جهة بمقابل الفكر المحافظ الإسلامي الذي يمتلك امتداداً لأكثر من ستة قرون، الفرق كبير، والرغبة الشعبية تميل للحكم الإسلامي.
واستذكر حادثة قبل أيام، حيث اعترض بعض نواب حزب الشعب الجمهوري "العلماني" على تخصيص غرفة في مقر الحزب للصلاة، واعتبروا ذلك التصرف "متاجرة في الدين" وهذا ليس إلا واحداً من الإشكالات اللامنتهية لـ "أزمة منتصف العمر" التي يمر فيها الحزب، والتي أدت إلى "طلاق" سياسي بينه وبين العديد من أعضائه، سبقه سنوات من الرفض الشعبي الواضح.
عالم الأعمال في تركيا جزء رئيس في المجتمع التركي، والمجتمع التركي يتصف بصفات المنطقة، وصفات أهل المنطقة تعتمد على موقعها من الخريطة، فالذين يقطنون على الحدود التركية -العراقية لهم خصوصية وسمات، كذلك الحدود التركية– السورية، وسكان المناطق الساحلية، والأرياف، الفكرة التي نريد للقارئ هضمها، أن المجتمع التركي له خلطة شعبية لا يمكن ترجيح مكون على آخر فيها، ولكن التشابه العام، أن الشعب مسلم بنسبة تفوق التسعين بالمائة، وهذا أصل التجاذب، والذي أبرز حزبين سياسيين متنافسين أحدهما يمثل الترك المحافظين، ولم يعلن مشروعا إسلاميا ولكنه يعتمد على دولة القانون ويحاول من خلال الأغلبية التي يمتلكها في البرلمان وإدارته للحكومة إقرار مشاريع تتلاءم مع أحكام الشريعة الإسلامية، ولكن كيف يمكن ذلك؟
تأسست في إسطنبول عام 1990 جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين واختصارها (الموسياد) من قبل مجموعة من رجال الأعمال المحافظين الأتراك، لتدخل المنافسة في الإدارة الاقتصادية الأخلاقية حيز التطبيق عبر القانون وحمايته.
وجاء في مبادئ "الموسياد" أن رجال الأعمال أولئك "يؤمنون بأن يدفعوا بتركيا لمصاف الدول ذات الاحترام في العالم، وفاعلة في منطقتها، ومكتملة في بنيانها، تعتمد وتحمي فيها القيم العالمية والمحلية المتعارف عليها في المجتمع والتاريخ، وتؤمن فيها السعادة والرفاهية، والأمن والسلام، والعدالة والمساواة، والحق والحقوق, وأنها منصة توحد (القوى – التعاون – الحوار – النمو) بهدف المساهمة في تنمية الأفراد والمؤسسات، الدولة والمجتمع، والتكنولوجيا والعلوم، والاقتصاد والسياسة، والثقافة والاجتماع في المنطقة والعالم, وهي مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني القوية, التي تدعم أرضية الفكر المتخصص في الأعمال والتطبيقات، والتي أصبحت مركزاً نموذجياً للاستشارة، والتوجيه، والتعليم، لشرائح المجتمع الأخرى وسائر عالم الأعمال، والتي تقدم شبكة أعمال موثوقة وواسعة عبر فروعها المختلفة في تركيا، ونقاط الالتقاء وفروعها التمثيلية في الخارج".
في الحقيقة لقد لفت انتباهي مؤسسية الدولة في تركيا، ذلك لأن الأفراد يؤمنون بالعمل القانوني المؤسسي ويبتعدون عن الفوضى و"الفهلوة" التي باتت جزءا من إيمان بعض الشعوب العربية لإتمام الأعمال و"البزنس"!
منذ العام 90 وقد نظم "الموسياد" أربعة عشر ملتقى ومزمع إقامة الخامس عشر بين 26-30 (تشرين الثاني) نوفمبر الجاري في مركز التجارة العالمية في إسطنبول.
اتحاد رجال الأعمال المحافظين "موسياد – musiad" يتقدم في تركيا بشكل ملحوظ رغم المنافسة بينه وبين أقدم اتحاد وهو للعلمانيين واليساريين "توسياد - tusiad" وبعد ظهور الخلاف السياسي مع جماعة فتح الله كولن التي لديها اتحاد أيضا لرجال أعمالها "تاسكون - tuskon" الأمر الذي انعكس لا شك على العلاقات الاقتصادية والشراكة، فإننا على مشارف بداية مختلفة في تركيا بدأت بتقلد رجب طيب أردوغان الحكم، وستلحقها الكثير من التغيرات وجميعها في صالح المحافظين الإسلاميين على جميع المستويات في إدارة الدولة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس