ترك برس
تقع كنيسة الطائفة السيريانية اﻷنطاكية اﻷرثوذكسية، أو ما يسمى بكنيسة اﻷربعين شهيدا،في مدينة ماردين التركية التي تقع بدورها في جنوب شرق اﻷناضول، و يبلغ عدد سكانها 66 ألف نسمة، وهي مدينة سياحية تاريخية.
وقد يوضح السبب وراء تسمية الكنيسة بهذا الاسم العلاقة الوثيقة بين السريان وشركائهم العرب في اﻷرض والمصير. وتقول الرواية إن أربعين يونانيا كانوا من جنود ملك ظالم، عرفوا المسيحية وآمنوا بها، وكتموا إيمانهم.
وبعدما أوغل الملك في قتل المسيحيين وتعذيبهم لتغيير ديانتهم، ما كان من الفرسان اﻷربعين إلا أن جاهروا بمسيحيتهم، فتعرضوا للتعذيب واﻹغراق والحرق من قبل الملك في يوم 9 آذار/ مارس، الذي أصبح يوما ﻹحياء ذكراهم في كل عام.
دفعت اﻷوضاع الصعبة التي مرّ بها بعض السريان والمسيحيين في بلاد الشام، إلى نشوء تحالف بينهم وبين المسلمين في فتوحاتهم ومعاركهم ضد الروم والفرس. فحاربوا جنبا إلى جنب مع المسلمين حتى آل الحكم إلى المسلمين، وحظي السيريان بحقوقهم الكاملة في ظل الدول اﻹسلامية وما زالوا على دينهم ويستخدمون لغاتهم الأصلية في بلداتهم وقراهم حتى يومنا هذا.
سكن السريان تاريخيًا سوريا ولبنان وفلسطين وبلاد ما بين النهرين وآسيا الصغرى، وتجاوروا مع العرب والمسلمين منذ قرون. وفي حديث لقناة الجزيرة، يقول اﻷب السرياني جبرائيل: "امتلكنا هذه المنطقة بواسطة السريان والعرب، ودين العرب اﻹسلام وكنا قسمان: قسم وثني وقسم مسيحي. وقد عملنا وتعاونّا مع المسلمين وأسسنا المنطقة".
وأضاف جبرائيل: "كان البيزنطيون والرومان يضطهدون السريان، نحن أتينا إلى هذه المنطقة وتعاونا مع المسلمين وطردنا البيزنطيين، واﻵن يملك المنطقة مسيحيون ومسلمون".
ويعتز كل سرياني من رعايا هذه الكنيسة في ماردين بأنه سرياني شرقي تركي، ويعتزون بأن كنيستهم باﻹضافة إلى الكنائس السبعة الموجودة في ماردين، قد لعبت دورا هاما في ترجمة العلوم من اليونانية إلى العربية والسريانية، وأسهمت إسهامًا كبيرًا في ميادين العلم.
ومما يثير الدهشة أن الصلوات في قداس اﻷحد تتلى باللغتين العربية والسريانية، أما العظة فتلقى باللغة التركية الدارجة. وقد سألت صحفية اﻷب جبرائيل عن السبب فأجابها: "أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت،نستعمل نفس هذه الحروف ونعلمها في مدارسنا، وعلى هذا القالب تعلمنا الحرف العربي لاختلاطنا بالمسلمين".
يتشارك السريان اﻷتراك في مدينة ماردين مع الكرد والعرب العادات والتقاليد الاجتماعية في اﻷكلات والزي وتفاصيل الحياة اليومية في لوحة متناغمة، تجعل من ماردين مدينة التنوع والتعايش.
كنيسة اﻷربعين في مدينة ماردين في تركيا، كانت وما زالت من خلال رعاياها السريان جسرا لتبادل الثقافات ونموذجا للتعايش بين الطوائف واﻷقوام في هذه المدينة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!