سينيم جينغيز - آراب نيوز - ترجمة وتحرير ترك برس
قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي بزيارة تاريخية لأوزبكستان، أكبر بلدان آسيا الوسطى سكانا وأغناها ثروة. ورافق الزعيم التركي في الزيارة التي استمرت ثلاثة أيام وفد كبير، ضم السيدة الأولى أمينة أردوغان، ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، ورئيس المخابرات هاكان فيدان، ورئيس الأركان العامة خلوصي أكار، وعدد من الوزراء ورجال الأعمال.
تصدرت القضايا الاقتصادية والدفاعية والسياسية والثقافية جدول أعمال الزيارة، حيث وقع على حزمة كبيرة من الصفقات بين البلدين بقيمة 3 مليارات دولار. وقد وصف أردوغان هذه الصفقات بأنها "بداية رحلة طويلة لتركيا وأوزبكستان". وأكد على أمله في أن تنحي البلدان توترات الحقبة الماضية، وتحيي "الفرص الضائعة".
من بين جمهوريات آسيا الوسطى الأخرى، فإن لأوزبكستان مكانة خاصة في علاقة تركيا بالمنطقة. بدأت قصة العلاقات الأوزبكية التركية بداية جيدة، إذ كانت تركيا أول دولة تعترف رسميًا بأوزبكستان بعد أن أعلنت استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في عام 1991. لكن أوزبكستان كانت الدولة الوحيدة في دول آسيا الوسطى والدول التركية المستقلة التي كانت لتركيا علاقات محدودة معها. وظلت العلاقات بين أنقرة وطشقند متوترة منذ عقود لأسباب عديدة.
بدأت الأمور تتحرك في اتجاه أكثر إيجابية بعد تولي شوكت ميرزيوييف منصب رئيس الجمهورية في عام 2016، بعد وفاة سلفه، إسلام كريموف، الذي أبعد بلاده من تركيا خلال السنوات السبع والعشرين التي قضاها في منصبه. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، أي بعد أربعة أشهر فقط من محاولة الانقلاب الساقط في تركيا، قام أردوغان برحلة إلى أوزبكستان، ليصبح أول رئيس تركي يزورها منذ 16 عاماً.
وعلى الرغم من أن العلاقات كانت ما تزال متوترة في ذلك الوقت، فإن الزيارة لفتت انتباه متابعي السياسة التركية في آسيا الوسطى. وخلال الرحلة، وضع أردوغان الزهور على قبر كريموف، والتقى بالرئيس الجديد، ووضع بذور علاقة أفضل بين البلدين.
كانت السنة التالية مهمة لتحسين العلاقات، فزار ميرزيوييف أنقرة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهي أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس أوزبكي إلى تركيا منذ زيارة كريموف عام 1999. وعلاوة على ذلك، تم تنفيذ معظم الاتفاقيات التي توصل إليها الزعيمان في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، كما أجريت مباحثات رفيعة المستوى. وتكثفت اجتماعات مختلف الوزارات ودوائر الأعمال مع تطور العلاقات لتصبح شراكة استراتيجية. ومن ثم يمكن التأكيد دون شك على أن عام 2017 كان بمثابة إعادة الصداقة المفقودة منذ زمن طويل.
لأوزبكستان أهمية جيوسياسية كبيرة، حيث تحدها كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأفغانستان وتركمانستان، إلى جانب قربها من روسيا وشرق آسيا، الأمر الذي يجعل منها دولة ذات موقع استراتيجي. كما أن لدى أوزبكستان موارد طبيعية مهمة، وأكبر الدول سكانا في منطقة آسيا الوسطى. ومن ثم ، فإن زيارة أردوغان الأخيرة لن تكون لها تأثيرات سياسية وجيوستراتيجية وجيو اقتصادية فحسب في علاقات تركيا مع أوزبكستان وحدها ، ولكن في آسيا الوسطى.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، زاد اكتشاف الموارد الاقتصادية من أهمية آسيا الوسطى، وهو ما أدى إلى كثرة الأطراف الخارجية الفاعلة التي ترغب في الحصول على حصة لها في المنطقة.ومع الانفتاح الأوزبكي، تتمتع تركيا بفرص أكبر لتعزيز سياستها في آسيا الوسطى، ولكنها في الوقت نفسه قد تواجه منافسين لوجودها السياسي والاقتصادي المتنامي في المنطقة.
روسيا هي اللاعب الأقوى في المنطقة. وتحتاج تركيا إلى السير على خط رفيع في تحسين العلاقات مع دول آسيا الوسطى دون الإضرار بعلاقاتها مع موسكو. وفي حين تتمتع فيه أنقرة بعلاقة جيدة مع الكرملين، وتتوتر علاقاتها مع العالم الغربي، ويعيش الشرق الأوسط في الأزمات، فإن آسيا الوسطى هي منطقة مفيدة لتركيا لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية.
قد يكون نهج تركيا الواقعي والبناء في آسيا الوسطى ملائما بالفعل لموسكو التي قد تجد شريكاً آخر يساعدها في الحد من النفوذ الصيني في المنطقة، حيث تتبع بكين سياسة براغماتية في آسيا الوسطى وهو ما قد يعرقل النفوذ الروسي في المنطقة.
ثمة جانب آخر للقصة هو أن هناك عدة قضايا يمكن تشجيع جمهوريات تركيا وآسيا الوسطى على التعاون بشأنها، ومنها قضية مكافحة التطرف. وعلى سبيل المثال، فإن حدود أوزبكستان مع أفغانستان من أكثر المناطق غير المستقرة في العالم. ومن ثم تعد تركيا شريكا أمنيا حيويا، ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن في آسيا الوسطى أيضا.
إن انتقال الجماعات المتطرفة من الشرق الأوسط تجاه آسيا الوسطى يتطلب أن تتعاون الأخيرة مع تركيا. ولذلك كانت قضية التعاون الدفاعي مهمة في الاتفاقيات الأخيرة الموقعة بين تركيا وأوزبكستان. وفي هذا السياق، حملت زيارة وزير الدفاع التركي نور الدين جانيكلي، إلى أوزبكستان في يوليو 2017 أهمية بالغة.
إيران عامل مهم آخر يؤثر في آسيا الوسطى وفي القضايا الأمنية في المنطقة منذ عقدين. وفي هذا الصدد قد يمنع التعاون القوي بين تركيا وروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى توسيع النفوذ الإيراني في المنطقة.
ولا تستند سياسة التكامل الإقليمي التي تتبناها تركيا تجاه آسيا الوسطى إلى مكافحة التطرف فقط، بل تعتمد أيضًا على خلق مجالات جديدة للتعاون الاقتصادي. تبحث آسيا الوسطى عن طرق لتقليص اعتمادها على روسيا، بينما تريد تركيا توجيه استثماراتها من الأسواق الغربية إلى أسواق آسيا الوسطى، وخاصة أوزبكستان، التي تعدها أنقرة شريكًا اقتصاديًا مفيدًا، نظرًا لمواردها الطبيعية الغنية، وصناعة المنسوجات المتطورة، وامتلاكها سوقا عقاريا قويا.
وأخيراً، من الناحية الثقافية، فإن هناك توافقا عاما على أن آسيا الوسطى، التي كان لها جانب كبير من اهتمامات السياسة الخارجية التركية منذ إنشاء الجمهورية التركية، هي أرض تاريخية للشعوب التركية. ولذلك، تحمل هذه المنطقة معنى خاصا لأنقرة.
وفي إيجاز يمكن القول إن الثقافة والسياسة والاقتصاد والأمن هي الركائز الأربع الأساسية لعهد جديد في العلاقات بين تركيا وأوزبكستان، خصوصا، والعلاقات التركية مع دول آسيا الوسطى عموما. ومن المنطقي توقع أن يشهد العقد القادم قيام تركيا بتحسين علاقاتها بسرعة في تلك المنطقة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس