ترك برس
يشير الباحث المغربي والخبير في العلاقات الدولية، أحمد نور الدين، إلى إن العداء الذي أظهرته وسائل الإعلام الأوروبية لتركيا وللرئيس أردوغان خلال الانتخابات، ليس دفاعا عن المبادئ الديمقراطية، لأن تركيا بلد ديمقراطي مثل كبار الدول الديمقراطية، ولكن هناك عدة عوامل تفسر هذا العداء وفي مقدمتها العامل الجيو-استراتيجي.
وأوضح نور الدين في مقاله بموقع نون بريس، أن أوروبا لا ترغب في تركيا كدولة مركزية تملك قرارها المستقل، بل تريدها دولة على الهامش، بمعنى أن تكون تابعة في قرارها السياسي لأوروبا وتدور في فلكها، وتلعب أدوارا ثانوية تحددها بروكسل والعواصم الكبرى في أوروبا.
وأضاف أن تركيا بعد وصول أردوغان إلى الحكم منذ 2003، تحولت اقتصاديا إلى قوة إقليمية، وأصبحت فاعلا مؤثرا في السياسة الطاقية لأوروبا، حيث صارت ممرا وملتقى لأنابيب الغاز القادمة شرقاً من آسيا خصوصاً أذربيجان، والقادمة شمالاً من روسيا والمتجهة نحو أوروبا. وهذه النقطة بالذات هي البطن الرخوة لأوربا خاصة أنها كانت ترغب في تقليص اعتمادها على الغاز الطبيعي للقيصر الروسي الذي يشكل 40% من إمداداتها؛ وإذا بها تقع في قبضة السلطان التركي.
كما أنّ تركيا أصبحت لاعبا أساسيا في ميدان الهجرة غير القانونية نحو أوربا وما يرتبط بها من جوانب أمنية واستراتيجية. واستطاعت أنقرة أن تفرض شروطها ضمن معادلة معقدة لحماية الحدود الأوربية من أمواج المهاجرين واللاجئين الذين لا ترغب فيهم القارة العجوز.
ورأى الخبيرالمغربي أن هناك عوامل أخرى مكنت أردوغان من توظيف التحول الاقتصادي لبلاده، التي انتقلت من الرتبة 116 إلى المرتبة 13 عالمياً من حيث الدخل القومي، ليجعل من بلده لاعبا إقليميا من الصعب تجاوزه في معادلة الشرق الأوسط. وأبرز مثال هو نأيه عن مخططات الغرب والحلف الأطلسي في سورية، لأنها تتنافى مع المصالح القومية لتركيا وتهدد وحدتها الترابية، وتشجع الانفصال في إقليم شمال العراق.
وقال إن أردوغان تمكن من الإفلات بأعجوبة من فخ حرب مفتوحة مع روسيا بعد إسقاط طائرة حربية روسية سنة 2015. كما أنه نجا من انقلاب عسكري تم تدبيره داخل قاعدة إنجيرليك التابعة للحلف الأطلسي، مما أثار شكوكا كبيرة حول تورط الغرب بشكل أو بآخر في المحاولة الانقلابية الفاشلة في تموز/ يوليو 2016. كل ذلك ساهم في تعميق الهوة بين الطرفين ودق إسفينا آخر في نعش العلاقات المتوترة مع أوروبا.
وإلى جانب العامل الجيو استراتيجي في العداء الأوروبي لأردوغان وتركيا،هناك الجوانب الثقافية أو الحضارية، ذلك أن تركيا لا زالت تشكل في المِخيل الجمعي لأوربا، تلك الدولة التي حكمت نصف أوربا ووصلت إلى حدود فيينا منذ القرن السادس عشر، ولم تستقل عنها اليونان إلا في القرن التاسع عشر. ومما يزكي هذه الفرضية تلك التصريحات المعادية لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي والصادرة عن الأحزاب الأوربية والتي كثيراً ما تربط تركيا بالإسلام.
وقد زاد من تأجيج هذا العامل الحضاري تغير الموقف التركي من القضية الفلسطينية وانحيازه لقيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس. ومعروف أن تركيا قبل وصول أردوغان إلى سُدة الحكم، كانت أكبر حليف للكيان العبري في الشرق الأوسط، بينما تدهورت العلاقات في عهده إلى أن وصلت حدّ سحب السفراء. ومعلوم حجم تأثير اللوبي القريب من الكيان العبري في وسائل الإعلام الغربية ومراكز صناعة القرار الأوروبي.
وخلص الخبير المغربي إلى أن العداء الأوروبي لأردوغان ليس دفاعا عن المبادئ الديمقراطية، لأن تركيا ضمن النادي الضيق للدول الديمقراطية، وتغيير دستورها من نظام برلماني إلى نظام رئاسي لا ينتقص من ديمقراطيتها، فالكثير من الديمقراطيات الغربية ذات نظام رئاسي وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة.
وأضاف أنه لو كان العداء الأوروبي لأردوغان دفاعا عن الديمقراطية، كما يحاول الإعلام الغربي تصويره، فلماذا لا نشاهد حملات مماثلة ضد أنظمة دكتاتورية أو عسكرية في الشرق الأوسط. وعلى العكس تماماً شاهدنا كيف تواطأت أوروبا مع انقلاب عسكري كامل الأركان في دولة عربية، وكيف تغض الطرف عن الديمقراطية حين يتعلق الأمر بأنظمة استبدادية تعتبرها حليفة في المنطقة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!