ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
مساء السبت الموافق السادس من يونيو أعلنت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وفاة أمينها العام السابق الدكتور رمضان عبد الله شلح، الذي وافته المنية عن عمر ناهز الـ62 عاما، بعد صراع طويل مع المرض، منعه عن ممارسة مهامه بالحركة، مما دفع لانتخابات على المنصب، ولولا مرض الرجل لكان مستمرا في منصبه، فشلح هو أحد مؤسسي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وأحد مهندسي العمليات الجهادية ضد الاحتلال الإسرائيلي خلال انتفاضة عام 2000 وما بعدها، وتولى شلح منصب الأمين العام للحركة خلفا للشهيد فتحي الشقاقي الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في مالطا عام 1995.
ومع إعلان الحركة وفاة المناضل رمضان شلح، تناقلت وكالات الإعلام والمواقع الإخبارية والتلفزيونات النبأ حتى صار جدل كبير حول الرجل وحركته على مواقع التواصل الاجتماعي، فلقد أصبحت المواقع ومنصات التواصل ساحات للخلاف لا التقريب والقطع لا الوصل، فانبرى المؤيدون لإبراز مناقب الرجل وما قام به ضد العدو الأول للأمة، وكيف كان الرجل شوكة في حلق المحتل حتى آخر أيامه، حتى أن الحركة كانت تخرق اتفاقات غرفة العمليات المشتركة في غزة ردا على المحتل في مواقف تحتاج الرد، من وجهة نظرهم، وتأبى الغرفة الرد عليها (لغرض استراتيجي)، وفي المقابل انبرى آخرون بنعت الرجل بأنه رجل إيران ومنفذ أوامرها، وجسر الوجود الإيراني في القضية الفلسطينية وهو ما يزين وجهها القبيح الذي كشفته في سوريا والعراق ولبنان.
في يوم القدس العالمي، وهو اليوم الذي ابتدعه الخميني قائد الثورة على الشاه في إيران لرفض الاحتلال الإسرائيلي للقدس وفلسطين بالكامل، وهو ما يراه البعض وفاء لقضية المسلمين ويراه آخرون بروباجندا شعبية الغرض منها اختراق الثورة الإيرانية للمجتمعات العربية والإسلامية بهدف السيطرة الناعمة على الشعوب من مدخل المذهب، خطب رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية منتصف الشهر الماضي وأرسل تحية إعزاز لإيران كحافظ وراعي لحركات المقاومة في مجابهة المشروع الصهيوني، وهو ما أثار حفيظة الشعوب المكوية بنار إيران في كل من العراق وسوريا، هذه التحية سبقها مديح لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في كلمة له أثناء نعيه واصفا إياه بشهيد القدس، وهو الوصف الذي أثار استياء تلك الشعوب، التي تساءلت عن الرصاصة التي أطلقها سليماني وإيران كلها لتحرير القدس.
بعد وفاة الأمين العام لحركة الجهاد خرجت مقالات وتصريحات تنعت الرجل بالتبعية لإيران وروت قصص عن أن الرجل اختار إيران راعي للحركة ومن ثم جعل قرار الحركة بيد إيران، حتى بعد مرضه كانت الانتخابات مرتبة من قبل إيران وأن إيران وأوصلت زيادة نخالة وأزاحت قيادات مؤثرة ومؤسسة في الحركة كي تستأثر بقرار الحركة، ونقل أحدهم وهو مصدر النقل الوحيد أن القائد رمضان شلح قال: (إذا اقترب منهم تيسير الخطيب خطوة –وهو أحد القيادات المقربة من إيران بالحركة آنذاك - سأقترب منهم مئة)، والسؤال، وهو جامع لكل من حركتي الجهاد وحماس، هل وجدت الحركتين من يدعمهما سياسيا ولوجستيا وعلى مستوى التدريب والتطوير والتسليح غير إيران ولم تذهب له. في منتصف يوليو 2015 زار وفد من حماس الرياض، وخرج زياد الظاظا بتصريحات مريحة أكدت على متانة علاقات الحركة مع القيادة السعودية الجديدة، والبقية الكل يعرفها من تحول المواقف في المملكة ثم اعتقالات لا تتوقف لقادة الحركة في المملكة.
بين المترحم والساكت واللاعن تظهر إشكالية منظومة الفكر السياسي العربي، وهنا أخص الساسة الذين سلكوا درب العوام للخروج من جلد الشعوب الغاضبة ولعناتها، الأزمة الفكرية التي يعيشها العرب تكمن في تأطير المسائل ووضع الحدود وفهم الفروق لإصدار الأحكام، والإشكالية الأخرى في تعميم تلك الأحكام، وعلى الجميع أن يفهم أن ما يصدق على حالة ليس بالضرورة يصلح لأخرى، أما نحن الذين أعتدنا أن نعطي ما تبقى من دواء لصديق أو جار أو قريب لمجرد أنه وصف أعراض تشابهت مع تلك التي كنا نعالج منها، فمتوقع أن نصدر أحكامنا على العموم وعلى الشيوع وعلى الإطلاق.
الحقيقة التي يجب أن يؤمنالجميع وفي مقدمتهم الساسة ومن يعملون في محيطها، فلا يكفي ترديها بل عليهم أن يؤمنوا بها، أن السياسة قائمة على المصالح، وصديق اليوم يمكن أن يكون عدو الغد، فليس في السياسة عدو دائم ولا صديق دائم، والمصالح حاكمة والأولويات ضابطة، وعلينا أن نعذر بعضنا بعضا، كما علينا أن نراعي في مصالحنا المحددات الجامعة للأمة، وعلينا جميعا أن نعمل وفق مشروع حضاري يعيش فترة نقاهة انتفضت فيه الشعوب من أجل استكماله، ولا نجبر أحد على النظر للقضية من منظار صاحبها، وعلينا ألا نختلف مع حماس ولا الجهاد في أمر التمويل والدعم فهم يأكلون الميتة؛ والكل يعرف ذلك، لكننا سنعاديهم لو غيروا ثوابت الأمة الجامعة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس