ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
نظرية المؤامرة بين الإفراط والتفريط
أنا لست من هؤلاء الذين يدعون الثقافة والتحرر والرقي بإنكار نظرية المؤامرة، والتي أراها من وجهة نظري، أحد الملهيات التي وضعها الغرب في ثقافتنا، بجعل من يظن بتلك النظرية موسوس، أو سيكوباتي أو يجعل لنفسه مبررا يعلق عليه فشله أو عدم قدرته على حل مشكلاته، لكن الحقائق الراسخة في تاريخ هذه الأمة وفي الأمم الأخرى تؤكد أن نظرية المؤامرة أحد المسلمات التي تعايش معها الإنسان منذ بدء الخليقة إلى يوم الناس هذا، لكن حشر الناس في الاتهام بتلك النظرية أره فخا يراد به تمرير ما يحاك من مكائد ومن ثم إخراس أي صوت يكشف تلك المؤامرة بذريعة أنه متلبس بنظرية المؤامرة، وهي طريقة جهنمية صنعت في الغرب وشاعت بين المثقفين المتغربين كشكل من أشكال الوجاهة الاجتماعية ونوع من أنواع التعالي على الآخر ممن يخالفهم الرأي، مع ذلك أنا لست ممن يفرط في التماهي مع هذه النظرية كما البعض، ففرق كبير بين التوكل والتواكل، وفرق كبير بين قراءة الواقع بتجميع قطع البازل، فأما هؤلاء الجبرية الذين يرون أننا أمة كتب عليها أن تكون مفعول بها فلست منهم في شيء.
زلزال إزمير وتداعياته والدروس المستفادة
لا يزال وقع زلازل الـــــــ 17 من أغسطس عام 1999 تخفق له قلوب الأتراك وهو الزلزال الذي بلغت قوته 7.4 درجة بمقياس ريختر واستمر لمدة 45 ثانية وكان كفيلا أن يخلف 17 ألف قتيل و365 ألف مبناً مدمرا في كل من ولاية كوجلي، وإزميت، وسقاريا، ويالوا، وإسطنبول، ليأتي زلزال إزمير لينكأ الجرح ويعيد للأذهان هذه الكارثة التي يتذكرها الأتراك ويحيون ذكراها في كل عام ترحما على من راحوا ضحية هذا الزلزال الكبير، زلزال إزمير الذي بلغ 6.7 درجة بمقياس ريختر خلف 91 قتيلاً، حتى كتابة هذه السطور، بحسب وزير الصحة و155 جريحاً وتدمير عدد من المباني السكنية، ويحسب للأجهزة المعنية هروعها إلى المناطق المتضررة، كما يحسب للأهالي سرعة تجاوبهم مع المتضررين بتقديم الدعم بشتى أنواعه، وهو ما لم تتخلف عنه الإدارة التركية منذ اللحظة الأولى، ولقد كانت لزيارة الرئيس أردوغان لمناطق المتضررة وقع كبير في رفع الروح المعنوية ليس فقط للمتضررين بل لفرق الإنقاذ وللشعب التركي كله، الزيارة التي اتبعها بكلمة يوضح فيها خطة الإدارة التركية للاستعداد لهذه الكوارث، وبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام فإن النيابة العامة في إزمير أصدرت أمرا قضائيا أوقفت من خلاله تسعة من أصل أحد عشر اتهمتهم بالمسئولية عن المباني المهدمة وسقوط قتلى ومصابين، وهو أمر يضع في حسابات المساءلة لكل مهندس أو مشرف بناء لا يلتزم بالمعايير التي وضعتها الحكومة من اشتراطات للبناء بعد زلزال 1999 وهو ما يعني أن الحكومة التركية وعت الدرس بشكل كبير، وهو ما يعني أيضا أن مسئولين منوط بهم مراقبة عمل هؤلاء سيحاسبون في حينه عندما تبدأ التحقيقات.
زلزال إسطنبول الكبير بين التهويل والتهوين
في الذكرى العاشرة لزلزال 1999 وفي احتفال رسمي، صرح خبير الزلازل الياباني يوشينوري موريواكي بحضور القنصل العام لليابان لدى تركيا في تلك الاحتفالية، أن هناك أوجه تشابه كبيرة بين اليابان وتركيا، ومن المؤسف أن البلدين يعانيان أيضا من فاجعة الزلازل، مفجرا القنبلة التي يزال صدى دويها يتناقله الأتراك ووسائل إعلامهم من يومها، دون إسناد التصريح لصاحبه، كلما وقعت هزة ولو بسيطة في تركيا، قال موريواكي إن زلزالا متوقعا سيضرب منطقة مرمرة وولاية أزميت بقوة 7.4 ريختر، وسيكون مشابها في تأثيره لزلزال 1999، وهو ما أعاده منذ أيام الرئيس السابق لجمعية البحث والإنقاذ التركية، نصوح محروكي، في مقابلة تلفزيونية أن عواقب الزلزال المتوقع في إسطنبول قد تكون أكبر بـ500 مرة، أو بـ1000 مرة من الصور التي وردت من إزمير.
فإذا كان زلزال إزمير 6.7 بمقياس ريختر وقد أوقع هذا العدد من القتلى والجرحى وهدم هذا العدد من المباني، فبحسب محروكي فإن زلزال إسطنبول المرتقب يجب أن يكون 6000 درجة بمقياس ريختر ليصل لنسبة الأضرار التي يصفها في تصريحه! أو أن الرجل يلمح بأن البنية التحتية في 2020 هي نفسها في 1999، وهو هنا يهون مما قامت به حكومة العدالة والتنمية من تأهيل للبنية التحتية والمباني القديمة التي دفعت المليارات من أجل إعادة بنائها بقروض ميسرة لتستعد لأي حادث طارئ.
أظن أن هذا التهويل لا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد، وأظن أيضا أنه في المقابل يجب أن يوضع أمام المتخصصين ومحاسبة من أطلق هذا الكلام لو تأكد عدم مصادفته للعلم وهو ما يبدو واضحا لغير المتخصصين.
أثر هذا التهويل على اقتصاد تركيا
إطلاق هذا الكلام الخطير من مسئول سابق يعطيه مصداقية ما ويجعل الجميع يصدق به، وهو ما يستوجب ردا من المسئولين الحاليين، كما يستوجب ردا من المتخصصين من غير المسئولين الرسميين، فإعمال مبدأ الشفافية واحدة من المبادئ المستقرة في الدستور التركي وتعمل على ترسيخه الإدارة التركية ، وهو ما تأكد في كلمة الرئيس التركي والذي ندد بدوره بالأخبار والمعلومات غير المسئولة، إن نشر الأكاذيب والمعلومات غير المسئولة يهدم تركيا أكثر من الزلازل نفسها، فلا يمكن لمستثمر أن يحضر ويضع أمواله لكي تهدم بزلزال المحروكي، كما أن إسطنبول الحساسة في موقعها ومبناها ومعناها، وما تمثله ليس لتركيا فقط بل للمسلمين أجمع، لا معنى لإخراج أهلها منها من أجل إشاعة ترهب أهلها، على الجميع أن يتحمل مسئوليته، وإلا عليه أن يتحمل عواقب ذلك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس