ترك برس
تُواصل فرقة الجوقة العثمانية "المهتران" عزف موسيقاها منذ قرون، لا سيما وأنها من أقدم الجوقات العسكرية حول العالم.
وتعود الجذور الأولى للمهتران العثماني، إلى الفترة الأولى التي شهدت تأسيس الدول العثمانية قبل أكثر من 7 قرون.
"ميهتر" وجمعها "ميهتران"، كلمة فارسية تعني "أكبر" أو "أعظم"، وعلى الرغم من أن تاريخ فرقة الميهتر يعود إلى أقدم فترات التاريخ التركي والإسلامي، فإن المصطلحين "مهتر" و"مهتران" اللذين يعبّران عنها لم يُستخدما إلا في القرن السادس عشر، حسب وثائق عثمانية عُثر عليها مؤخراً تعود إلى القرن السادس عشر.
وضمن فاعليات إحياء الذكرى الخامسة لشهداء محاولة الانقلاب الفاشلة ليلة 15 يوليو/تموز، قدمت جوقة المهتران التابعة للقيادة العامة لقوات الدرك 14 مقطوعة موسيقية وغنائية من التراث العثماني، أمام نصب مؤسس الجمهوري التركية مصطفى كمال أتاتورك التذكاري في ميدان أولوس بالعاصمة أنقرة.
تأسست جوقة الموسيقى العسكرية العثمانية "مهتران" عام 1299، عندما أرسل السلطان السلجوقي جوقة موسيقية تعبيراً عن تقديره وامتنانه للشابّ عثمان بن أرطغرل على محاربته دفاعاً عن حدود الدولة السلجوقية، الأمر الذي اعتُبر وقتها تاريخ بدء أفول الدولة السلجوقية، وبزوغ حقبة الدولة العثمانية التي تسلمت راية الخلافة لتوّها، والتي استمر حكمها لقرابة 7 قرون، وامتدّ نفوذها على القارات الثلاث، آسيا وأوروبا وإفريقيا، بحسب تقرير لـ "TRT عربي."
وكانت الجوقة ترافق الجيوش العثمانية على جميع الجبهات، واستُخدمت موسيقى "المارش العسكري" التي تعزفها الجوقة في أثناء المعارك والحروب من أجل بثّ الحماسة في قلوب الجنود وتحفيزهم على القتال. واستمر لعبها هذا الدور إبان حرب التحرير والاستقلال التي خاضها الشعب التركي ضدّ قوى الاستعمار الغربي بين عامَي 1919 و1923.
خلال فترة الدولة العثمانية طرأ عديد من التغييرات على الجوقة، بدءاً من قرار السلطان محمد الثاني (الفاتح) الذي ألغى تقليد الوقوف عندما تُقرع طبول الجوقة، مروراً بقرار إلغائها تماماً على يد السلطان محمود خان الثاني عام 1826، وإعادة إحيائها تحت اسم " جوقة الموسيقى العسكرية" على يد القائد أحمد مختار باشا والأديب جلال أسعد آرسون عام 1877، وانتهاءً بقرار إلغائها في السنوات التي تلت تأسيس الجمهورية الحديثة، وإعادة إحيائها مجدداً على يد رئيس أركان الجيش التركي نوري ياموت عام 1952، لتشارك بعد سنة واحدة في الاحتفالات الأسطورية بالذكرى 500 لفتح إسطنبول.
الترتيب واللباس
يقف قائد الجوقة الذي يحمل صولجاناً في مواجهة عناصر الجوقة الواقفين على شكل هلال، يقابله على مسافة قريبة في مركز الدائرة قارع الطبول، فيما يمسك بقية الأعضاء بالمزامير والدفوف النحاسية، فيما يقف على طرفَي الهلال رجلان بزيّ أخضر يحملان أعلاماً ضخمة، فضلاً عن شخصين يرتديان زي الحرب يشرعان سيفيهما.
وبالنسبة إلى اللباس، يرتدي قائد الجوقة الرئيسي وقادة مجموعات الآلات وضارب الطبل أثواباً حمراء بأكمام واسعة وسراويل أحمر ضيق، ويعتمرون عمامات حمراء ملفوفة بشال أبيض، وينتعلون أحذية جلدية صفراء. أما أعضاء الفرقة الآخرون فيرتدون أثواباً داكنة الزرقة، أو سوداء، وسراويلات ضيقة حمراء، ويعتمرون عمائم خضراء ملفوفة بشال أبيض، وينتعلون أحذية جلدية حمراء.
أما الآلات المستخدمة في أثناء العزف، فهي مختلفة، وفقاً لطبيعة المناسبة التي يُعزف لها، فالآلات التي تُستخدم أوقات الحرب مختلفة عن تلك التي تُستخدم في المناسبات والحفلات. لكن عموماً تضمّ فرق المهتر الآلات التالية: الدافول (طبلتان ضخمتين تتوسطان الجوقة)، والمزمار أو الزورنا (قصبة مزدوجة تمتاز بصوت عالٍ جداً)، والبوق، والنقارة (طبول صغيرة الحجم)، والدف النحاسي أو الزيل (زوجان من الصنج).
أيضاً لجوقة مهتر طريقة مشي معينة تؤديها في أثناء الاحتفالات والعروض، فيبدؤون بالقدم اليمنى ثلاث خطوات يحيُّون بعدها الجانب الأيمن بعبارة "الله رحيم"، ثم ثلاث خطوات باليسرى يحيُّون بعدها الجانب الأيسر بعبارة "الله كريم"، وبهذه التراتبية يتوقفون كل 3 خطوات ويُرحَّب بالحضور في كلا الاتجاهين.
المهتر حاليّاً
على الرغم من مرور أكثر من 7 قرون على تأسيس جوقة المهتر (الفرقة الموسيقية العثمانية) بحلتها الأولى، فإنها حتى الآن لا تزال تعزف إيقاعاتها وتنشد أغانيها الحماسية التي تتغنى بقوة تركيا وتاريخها العثماني العريق، في مختلف المناسبات الرسمية والشعبية في مختلف الأماكن والمهرجانات داخل تركيا وخارجها، فضلاً عن مشاركتها سنوياً بالاحتفالات الضخمة التي تُحيي ذكرى فتح إسطنبول (القسطنطينية سابقاً) يوم 29 مايو/أيار 1453.
وفي يومنا الحالي تضمّ وزارة الدفاع التركية وقيادة الدرك جوقة مهتر في بنيتها، كما تمتلك عديداً من المراكز الثقافية والبلديات ومؤسسات الدولة لفرقها الخاصة أيضاً، تفتتح بمعزوفاتها وأناشيدها المشاريع الحكومية والخاصة، وتُحيي من خلالها المناسبات الوطنية والدينية.
ومن أبرز المعزوفات التي تعزفها اليوم مارش الأجداد، ومارش الهجوم. كما تحتفي بالقادة والسلاطين العثمانيين من أمثال خير الدين بربروسا الذي له مارش خاصّ، ومارش السلطان عبد الحميد الثاني، ومارش إزمير الشهير الذي يتغنى ببطولات بطل حرب الاستقلال التركية ومؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!