ترك برس
احتضن قصر "دولمة بهجة" على الضفاف الأوروبي لمضيق البوسفور بإسطنبول، أمس الجمعة، مراسم توقيع أول اتفاق يضم روسيا وأوكرانيا المتحاربتين منذ نحو 5 شهور، ليجذب المعْلم التاريخي الأنظار إليه مجدداً بعد أن كان عبر تاريخه مسرحاً للعديد من الأحداث التاريخية والسياسية منذ أواخر الإمبراطورية العثمانية وبدايات الجمهورية التركية.
هذا وجرت مراسم توقيع الاتفاق الذي يحدد آلية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود إلى أنحاء العالم، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فضلاً عن أعضاء الوفدين الروسي والأوكراني.
ووقع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو على الاتفاق بشكل منفصل مع نظيره التركي خلوصي أكار، وبعد ذلك وقع وزير البنى التحتية الأوكراني ألكسندر كوبراكوف على الاتفاقية مع الوزير التركي بإشراف الأمين العام للأمم المتحدة.
ووفقا للاتفاق، سيُستأنف تصدير الحبوب الأوكرانية من 3 موانئ في مقاطعة أوديسا جنوب أوكرانيا والمطلة على البحر الأسود وهي أوديسا وتشورنومورسك ويوجني.
ولقصر دولمة بهجة مكانة تاريخية وسياسية مهمة لدى تركيا والعالم، خاصة أنه مرتبط بحكم أيام الدولة العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية بعدها، بحسب تقرير لـ "الجزيرة نت."
وكان القصر التاريخي المعروف أيضا باسم "قصر السلاطين" استضاف خلال الأشهر الماضية محادثات بين موسكو وكييف، بهدف التوصل لتسوية بين الطرفين تنهي الحرب التي بدأتها روسيا منذ 24 فبراير/شباط الماضي، وما تزال مستمرة حتى اليوم، وخلفت آلاف القتلى والجرحى من الجيشين.
إلا أن محاولة أنقرة التي لم تفلح حتى الآن في الوصول لتلك التسوية المأمولة، تزامنت معها محاولة أخرى للتوصل لاتفاق لاستئناف تصدير الحبوب، وهي ما توّجه اتفاق اليوم.
وتتهم أوكرانيا -وهي واحدة من أكبر مصدري الحبوب في العالم- روسيا بعرقلة حركة سفنها من موانئها على البحر الأسود، وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن 22 مليون طن من الحبوب عالقة حاليا، ومن المتوقع حصاد نحو 60 مليون طن أخرى في الخريف.
وأثار حصار روسيا على البحر الأسود وتداعيات حرب أوكرانيا مخاوف من المجاعة في أنحاء العالم، خاصة في بلدان أفريقية عديدة تعتمد على القمح الأوكراني والروسي في غذائها.
قصر السلاطين
ويحمل القصر اسمه المركب من كلمتين: إحداهما "دولمة" (dolma) وتعني "الحشوة"، والأخرى "بهجة" (bahçe) وهي "الحديقة"؛ ليصبح معنى اسمه بالعربية "الحديقة المحشوة".
ويقول مرشد سياحي في القصر إن أصل التسمية يرجع إلى طريقة بنائه، حيث تم حشو الميناء الواقع في منطقة بشكتاش بإسطنبول بالتراب والحصى ليقام عليه القصر.
بدأت أعمال البناء في القصر عام 1834 في عهد السلطان عبد المجيد الأول، واكتملت بعد 13 عاما من العمل، وأنفقت الدولة عليها نحو 35 طنا من الذهب، وفقا لبعض المصادر، في حين تشير أخرى إلى أن تكلفة بنائه بلغت 14 طنا من الذهب و60 طنا من الفضة.
وبحسب المصادر، فقد أقام آخر 6 سلاطين عثمانيين في القصر، وما زالت صورهم على جدرانه إلى اليوم، وهم: عبد المجيد، وعبد العزيز، ومراد الخامس، وعبد الحميد الثاني، ومحمد رشاد، ومحمد وحيد الدين.
فخامة المكان
ويشير إلى أن القصر يتألف من 285 غرفة، و43 صالونا، ومثلها من الحمامات، و6 من الحمامات التركية الفارهة، وهي موزعة على أقسام القصر الثلاثة: قسم السلام أو الاستقبال، وقسم المعايدة، وقسم الحريم.
كما تبهر الأبصار في القصر صالة التوقيع الخاصة بالسلطان عبد الحميد، والغرف الرخامية المطلة على البحر، والمكتبة التي تعرض إلى يومنا هذا دفتر الشيكات الخاص بالسلطان عبد الحميد على وجه التحديد.
وتنتشر في المكتبة كتب السلاطين ومقتنياتهم، وإلى جوارها شجرة عائلتهم الممتدة إلى سليمان شاه جد عثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية.
ويحكي تصميم القصر وسمك جدرانه وهيبة أعمدته (عددها 56) جزءا من قصته، أما بقية القصة فتروي فصولها موجودات القصر من هدايا ومعروضات، وكذلك اللوحات المعلقة على جدرانه.
إذ تنتشر اللوحات والصور لغزوات العثمانيين في حملات البوسنة وبغداد وحصار فيينا، كما تُعرض هدايا ملوك أوروبا وأمرائها، وسيوف السلاطين وخواتمهم والنياشين التي كانوا يحملونها على أكتافهم، وحتى "غليون" السيجارة الفاخر.
وإلى جانب الغرف العثمانية، يضمّ القصر غرفة مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك وسريره الذي توفي عليه وهو مغطى بالعلم التركي.
وفي العصر الحديث، ما زال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستخدم مكتبا رئاسيا في القصر لاستضافة زواره في مدينة إسطنبول، ومن بينهم زعماء دول ورؤساء حكومات وقادة منظمات سياسية ومدنية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!