د. علي حسين باكير - عربي21
ما أن تبدأ التحضيرات للانتخابات في تركيا حتى ينطلق موسم التوقعات، ويخيل إليك أنّك في سوق ينادي فيه كل محلل بتوقّعه حول الجهة الفائزة في الاستحقاق الرئاسي أو تلك التي ستظفر بالبرلمان. ولا يخجل هؤلاء من التأكيد على ما ذهبوا إليه بالرغم من استثنائية التجربة وعدم وضوح المعطيات، على الأقل في هذه المرحلة. ومع أنّه لا شيء يمنع أي جهة من التوقّع، إلا أنّ التأكيد على القدرة على التوقع في الظروف الحالية هو ما يثير الاستغراب والتعجّب.
وإن كان للتقدير أو التوقع أو التخمين أن يصح فالأَولَى أن يكون ذلك لمن يمتلك الموارد والأدوات والمعلومات التي تمكّنه من الحكم بشكل أفضل على النتيجة المحتملة أو السيناريو الممكن. في هذه الحالة، تُمنح الأولوية لمتابعة نتائج استطلاعات الرأي التي تجرىوالتي عادة ما تنطلق قبل فترة معقولة من إجراء الانتخابات.
لكن التجربة تقول إنّه بالرغم من كثرة مؤسسات وشركات استطلاع الرأي في تركيا، إلا أنّها نادراً ما تصيب عندما يتعلق الأمر بالتفاصيل. فاذا كانت هذه المؤسسات لا تصيب مع توافر اللازم لها من المعلومات والتقديرات، فالأجدر بنا ان نترك لعبة التوقعات خاصة في هذه الظروف وفي هذا التوقيت. التوقع أو الإستقراء أو الاستنباط أو التخمين أو سمّه ما شئت كلها عمليات تحتاج إمّا إلى معطيات حسّية ملموسة، وإما إلى تجربة تاريخية، والعاملين المذكورين غير متاحين الآن بسبب استثنائية الظروف والتشكيلة الانتخابية غير المسبوقة خاصة لدى أطراف المعارضة. من سيحسم الجدل في هذا الموضوع هو صوت الناخب نفسه، فالأجدر بنا ترك التخمينات والحديث عن المعطيات المتاحة.
كل صوت مهم!
خلال مشاركتي في برنامج تقدير موقف على شاشة التلفزيون العربي مؤخراً، أكد أحد الضيوف أنّ كل صوت في حدّ ذاته مهم بالنسبة الى حزب العدالة والتنمية. ومع أنّ هذا التوصيف صحيح سيما مع إشتداد الاستقطاب الداخلي وتوحّد خصوم حزب العدالة والتنمية في تحالف سداسي لا يجمع بينهم شيء أساسي باستثناء الرغبة في الإطاحة بالرئيس أردوغان، إلاّ أنّ الحزب مسؤول عن هذا الوضع الذي بات مصيره فيه مرهوناً ليس بأداء المعارضة فحسب، وإنما بقدرته على الحفاظ على حلفائه وجمع المزيد من أصوات الصغار أيضاً.
فعدا عن التراجع في الشعبية والأداء كما أظهرت نتائج الانتخابات السابقة منذ العام 2015، إلا أنّ الحزب كان بغنى عن دفع بعض الأحزاب والشخصيات والجماعات عنوة إلى حضن المعارضة. شخصيات مثل أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان وتمل كرم الله أوغلو كان بالإمكان العمل على إحتوائهم في مرحلة ما قبل أن تسوء العلاقة معهم ويتحولوا إلى أوراق في يد المعارضة. كل الأصوات مهمة نعم، لكن من الأولى عدم خسارة الأصوات التي من المفترض أن تكون معك حتى لا تضطر الى البحث عن أصوات أخرى، او ربما تدفع ثمن ذلك غاليا في النتيجة النهائية.
المعارضة تستنسخ استراتيجية حزب العدالة والتنمية
حزب العدالة والتنمية في الحكم منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن. ومع أنّ أحداً لا يستطيع أن يُجادل بأنّ أداء الحزب لم يكن مميّزاً في الفترات الأولى من حكمه، إلا أنّه كان قد بدأ يتراجع في النصف الثاني من العقد الثاني لأسباب واعتبارات كثيرة من بينها غياب المنافس الرصين، وعدم وجود معارضة بناًءة. ومع ذلك، فقد بقي حزب العدالة والتنمية في السلطة حتى اليوم.
ولعل أحد أبرز المعادلات التي سمحت له بذلك هو قدرته على جذب الأصوات من مختلف الشرائح من خارج دائرته الصلبة أو نواته الأساسية، وقد كان هذا التنوع يشمل البعد القومي، والعرقي، والأيديولوجي. لقد ساهمت هذه المعادلة في بقاء الحزب متربعاً على كرسي السلطة بشكل أحادي حتى العام 2015 حينما بدا واضحاً حينها أنّ الحزب يتغيّر وأنّه بدأ يفقد هذا التنوع خلال العقد الثاني من حكمه، مما إضطره الى التحالف مع حزب الحركة القومية لسد الثغرة.
تعتمد المعارضة الرئيسية اليوم على نفس الاستراتيجية في محاولة الإطاحة بحزب العدالة والتنمية. فخلال سعيها لتوسيع دائرة الأصوات التي تحصل عليها، تحالفت المعارضة الرئيسية ذات التوجه اليساري العلماني مع أحزاب اليمين، والوسط، بالإضافة الى الأحزاب المحافظة والليبرالية ذات التوجه الإسلامي. كما دخلت في تحالف غير معلن مع حزب الشعوب الديمقراطية الكردي الذي يؤخذ عليه دعمه لحزب العمال الكردستاني. الفارق الوحيد هو انّ هذا التنوع ليس منصهراً في ذات حزب الشعب الجمهوري المعارض كما كان عليه الحال في حزب العدالة والتنمية في عهده الاوّل. لكن هل ستنجح هذه الاستراتيجية؟ الموعد في 14 أيار (مايو) المقبل.
الدوس على سجادة الصلاة قد يقوّض حظوظك
خلال العقد الماضي، شهد الاتجاهان المحافظ واليميني صعوداً كبيراً داخل تركيا حتى باتا يشكلان اليوم غالبية القاعدة الأساسية للناخبين. ونظراً لمعرفة الأحزاب الرئيسية بهذا التحول المجتمعي، لاحظ حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، وذو التوجه اليساري العلماني، أن هناك حاجة للتماهي مع الشريحة المحافظة في البلاد في محاولة لكسب ودّها والحصول على أكبر عدد من الأصوات منها. ظهر هذا التماهي أو "خطب الود" ـ إذا ما صحّ التعبير ـ خلال السنوات القليلة الماضية في أشكال مختلفة ومتعددة من الكلمات إلى الصور إلى الشعارات والدعايات والحملات وحتى المرشحين (كما في حالة أكمل الدين احسان اوغلو وأكرم إمام اوغلو).
لكن، يعتقد كثيرون أنّ حزب الشعب الجمهوري يتملّق وأنّ سلوكه ليس حقيقياً ولا ينبع عن تغيّر أو تصالح مع تاريخه المعادي للمحافظين ومظاهر الإسلام عموماً. ولهذا السبب بالتحديد، تسبّبت صورة حديثة تُظهر زعيم حزب الشعب الجمهوري ومرشح تحالف المعارضة للانتخابات الرئاسية، كمال كيليتشدار أوغلو، واقفاً بحذائه على سجّادة صلاة، في إثارة حالة من السخط الكبير ضدّه لدى شريحة واسعة من الرأي العام، مع سيل من الانتقادات.
وبالرغم من أنّه اعتذر عن ذلك متذرّعاً بأنّه لم ينتبه إلى السجادة، إلا أنّ ظهور صور أخرى في نفس الموقع مع أشخاص آخرين شكّكت في صحة كلامه. وبالنسبة إلى كثيرين، فإنّ عدم انتباهه لسجادة الصلاة ـ إن صح ـ بالإضافة إلى عدم انتباه أي من الواقفين معه في الصورة أو الصور الأخرى إليها هو شيء طبيعي لأنّه لا ينتمي إلى الثقافة العامة للشعب التركي أو ليس مدركاً لها وفق تفسير هؤلاء.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس