ترك برس
تناول مقال تحليلي للكاتبة والباحثة في الشؤون التركية صالحة علام، مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري في ظل التغير الذي تشهده السياسة الخارجية التركية، وتأثير قانون "مناهضة التطبيع مع نظام الأسد" على هذا المسار.
وقالت علام إنه في الوقت الذي تتواصل فيه الجهود الأمنية والعسكرية من أجل إيجاد آلية دبلوماسية يمكن من خلالها تقريب وجهات النظر، وتخطّي النقاط الخلافية التي تعيق مسار عملية إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، تمّ الإعلان عن موافقة مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون "مناهضة التطبيع مع نظام الأسد" بأغلبية ساحقة من الحزبَين: الديمقراطي والجمهوري، إذ صوت لصالحه 389 صوتًا، مقابل رفض 32، وامتناع 10 أعضاء عن التصويت.
وأوضحت الكاتبة في مقالها بموقع الجزيرة نت أنه رغم الآمال التي يضعها الكثيرون على مشروع القانون الأميركيّ الجديد، فإنه لا يحوي أي بنود ملزمة لدول العالم بعدم التعاطي مع نظام الأسد، أو فرض عقوبات على الدول التي تتعامل معه. لكنّه في مجمله يدور حول منع المسؤولين الفدراليين داخل الولايات المتحدة الأميركية من اتخاذ أي إجراء يهدف إلى الاعتراف بحكومة الأسد، أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة سورية يقودها الأسد.
كما يحظر على أيّ مسؤول فدرالي اتخاذ إجراء أو تخصيص أموال تشير رسميًا أو ضمنيًا إلى اعتراف الولايات المتحدة بنظام بشار الأسد أو حكومته، إلى جانب أنَّ بنود مشروع القانون تحظر على أي رئيس أميركي التفكير في الاعتراف بنظام بشار الأسد. وهو بهذه الصورة ليس سوى مجرد محاولة أميركية تستهدف إظهار دعم السياسة الأميركية لمطالب المعارضة السورية، وإصرارها على ضرورة إحداث إصلاح سياسي جوهري دون أدنى فاعلية تذكر. وفق الكاتبة.
وأضافت علام: رغم أن عملية إقرار مشروع القانون المذكور بصورة نهائية لا تزال تتطلب العديد من المحطات الأخرى التي عليه تخطّيها قبل بدء العمل به فعليًا، الأمر الذي قد يستغرق فترة زمنية قد تتخطَّى العام، فإن الموافقة الصادرة عن مجلس النواب الأميركي أثارت العديد من التساؤلات.
ترتبط في مجملها بموقف أنقرة منه، وتداعيات هذا الموقف على مساعيها الهادفة لترميم علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، إضافةً إلى تأثيره المباشر على مستقبل العلاقات التركية – السورية في ظل سعي قوى المعارضة السورية لعرقلة جميع عمليات التطبيع مع نظام الأسد، سواء تلك المرتبطة بالدول العربية عمومًا، أو بمسار علاقات دمشق مع أنقرة بصورة خاصة.
كونها الحاضنة الكبرى دوليًا للاجئين السوريين، حيث تستضيف على أراضيها حوالي خمسة ملايين لاجئ، كما أنها الأقرب جغرافيًا للدولة السورية، وتربطها بها علاقات تاريخيًة واجتماعيًة، الأمر الذي ولَّد لديها العديد من الإشكاليات المرتبطة بتطورات هذه القضية.
ووفقا للكاتبة، فإن تغيُّر مسارات السياسة الخارجية التركية في العقدَين الأخيرَين، وتأكيد تحررها والبعد عن نظام التبعية – الذي ميز علاقاتها خلال عقود طويلة مضت – وانتهاجها منهج استقلالية قرارها بما يخدم مصالحها، كدولة إقليمية لها ثقل سياسي، ودور مؤثر وفاعل في ملفات المنطقة، يشير بوضوح إلى أنّ موقفها من مشروع القانون المشار إليه لن يؤثر على قرارها بالمضي قدمًا في طريق عودة علاقاتها مع دمشق، قياسًا بحجم المكاسب المنتظر تحقيقها من هذا التوجه.
فمصالح أنقرة المُلحة حاليًا، والتي تتمحور حول أهمية الحفاظ على أمنها القومي، وتوسيع نطاق علاقاتها الاقتصادية والأمنية على المستوى الإقليمي يعدّان المحرك الفعلي لقراراتها السياسية، وما تتخذه من خطوات بهدف الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف، بغض النظر عما إذا كان موقفها هذا يتوافق مع موقف الإدارة الأميركية أم يختلف معه.
والدليل على هذا التوجّه - تضيف الكاتبة - هو انفرادها بالتعاطي مع الأزمة الأميركية – الإيرانية، ورفضها الامتثال لتطبيق العقوبات الاقتصادية التي تم فرضها على طهران من جانب الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية، وهو نفس الموقف الذي اتخذته منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث أعلنت صراحة عدم التزامها بتطبيق العقوبات التي تم فرضها على روسيا، بل ووسّعت نطاق التعاون معها على جميع المستويات الاقتصادية والعسكرية والأمنية وفي مجال الطاقة.
وتابع المقال:
التغيّرات السياسية التي تهيمن حاليًا على علاقات وتحالفات دول المنطقة، تمثل الدافع الرئيس لتحول المواقف الإقليمية من النظام السوري وقوى المعارضة بما فيها الموقف التركي.
فإلى جانب تحقيق مصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية مع دمشق، تدرك أنقرة أن استمرار خلافاتها مع نظام بشار الأسد، قد يعيق زيادة تحسن علاقاتها مع الدول العربية، ورفع حجم التعاون الاقتصادي معها، الذي يبدو أنه سيظل مرهونًا بصورة أو بأخرى بمستوى تحسين علاقاتها مع دمشق، خاصة بعد أن استعادت علاقاتها الدبلوماسية مع جميع دول المنطقة ولم يتبقَّ سوى دمشق، التي تتلقى دعمًا صريحًا من جانب معظم الدول العربية الراغبة في طي صفحة الربيع العربي.
لذا فإنّ فكّ عزلة نظام الأسد يتصدر أولوياتها في المرحلة الحالية، فبعد أن أدركت صعوبة تغيير المسار السياسي السوري، تحوّلت اليوم لدعم استمرار نظام بشار الأسد، بل وتسعى فقط لتغيير سلوكه تجاه شعبه، وتبذل جهودًا حثيثة من أجل دعم مؤسّسات دولته؛ بهدف إعادة الاستقرار إلى الداخل السوري.
وتتطابق رؤية المجموعة العربيّة مع أنقرة في ضرورة بذل المزيد من الجهد للقضاء على الإرهاب وتنظيماته داخل الأراضي السوريّة، وإيجاد آلية منطقيّة يتم بموجبِها حلّ الأزمة الإنسانيّة التي يعانيها الشعب السوريّ، وإغلاق ملفّ اللاجئين، ووضع الأسس التي تضمن لهم عودة آمنة لمدنهم وقراهم، واسترداد ممتلكاتهم التي تمت مصادرتها، إلى جانب عودة سيطرة مؤسسات الدولة على جميع الأراضي السورية، وضبط الحدود، وإخراج الجماعات المسلحة منها، ومن ثم إنهاء التواجد الأجنبي.
ومن هذا المنطلق يمكن إدراك معنى التصريح الذي أدلى به مؤخرًا هاكان فيدان وزير الخارجية التركية حول تركهم الباب مفتوحًا لاستمرار الحوار مع دمشق وفق تعليمات الرئيس أردوغان.
ومن العوامل التي من شأنها تشجيع تركيا على المضي قدمًا في طريق المصالحة مع النظام السوري، وتجاهل مشروع القانون الأميركي الجديد، هو تعاطي الإدارة الأميركية نفسها مع الملف السوري على الأرض، حيث وجهت جلّ اهتمامها ودعمها لفصيل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شرق سوريا؛ بحجة دعمه لها في حربها ضد تنظيم الدولة، مع تجاهل تام لباقي قوى المعارضة السورية الأخرى.
هذا، إلى جانب تقليص حجم دعمها العسكري، والتخلي عن التزاماتها الأمنية في الشرق الأوسط، حتى وصل الأمر إلى عزمها وضع خطة لسحب قواتها من الأماكن التي تتموضع فيها داخل الشمال السوري، مع غضّ الطرف عن الخروقات التي طالت تطبيق العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري، وتخفيفها هي نفسها بعضَ هذه القيود عنه إثر زلزال فبراير/ شباط 2023، وتغاضيها عن تطبيق قانون "قيصر".
تراخي الموقف الأميركي إلى جانب اتساع هوة الخلاف بين فصائل المعارضة السورية، وتبادل الاتهامات فيما بينهم، وتراجع حضورهم عسكريًا وسياسيًا، وتلاشي الآمال بعد هذه السنوات في قدرتهم على إحداث تغييرات حقيقية ملموسة على الأرض يمكن البناء عليها في تحديد السياسة التي يجب انتهاجها مع الملف السوري، دفع كل ذلك أنقرة لمراجعة موقفها، وإعادة النظر في خطابها تجاه النظام السوري، واتخاذ منحى مختلف في التعاطي معه؛ بحثًا عن مصالحها، مثلها في ذلك مثل الدول العربية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!