ترك برس
بعد عودة الدفء إلى العلاقات بين أنقرة وبغداد، تتجه الأنظار من جديد إلى ملف المياه الذي يعد يحجزاً موقعاً مميزاً في العلاقات العراقية - التركية كأحد أهم الملفات الرئيسة والمعقدة بين البلدين اللذين يستعدان لدخول مرحلة جديدة بعد الاجتماعات الأمنية رفيعة المستوى التي عقدت مؤخراً وتوجت بتشكيل لجان مشتركة في مجالات مختلفة، أبرزها الإرهاب والمياه.
وتشكل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المرتقبة والمؤجلة من وقت سابق إلى بغداد ركيزة أساسية في وضع معالجات حقيقية لكل القضايا الشائكة بين الجارتين.
وللجهود الدبلوماسية دور كبير في حل كثير من الملفات العالقة بين البلدين لا سيما أزمة المياه، إذ تتسع المطالبات الرسمية والشعبية بأن تكون الدبلوماسية وسيلة من وسائل الضغط على تركيا لزيادة الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات.
ويعاني العراق خلال السنوات الماضية جفافاً مستمراً وقلة الأمطار، مما أدى إلى زيادة نسبة التصحر في بلاد الرافدين مما استدعى جهوداً مضاعفة من قبل الحكومة العراقية، بحسب تقرير لموقع "اندنبندت عربية".
اتفاق عراقي - تركي
رئيسا مجلسا النواب العراقي بالنيابة محسن المندلاوي والأمة التركي نعمان قورتولموش اتفقا أخيراً على تفعيل عمل اللجان المشتركة المعنية بالمياه والأمن.
وقال المندلاوي إن العراق يسعى إلى زيادة حصته المائية لتكون عادلة وكافية تغطي حاجته الفعلية، فضلاً عن بحث ملفات الأمن وضبط الحدود وتنشيط الاستثمار، إضافة إلى مناقشة مشروع طريق التنمية، والإنجازات المتحققة فيه، وأهميته للبلدين كونه يمثل همزة وصل بين الشرق والغرب.
على مدى عقود يدور النزاع المائي بين بغداد وأنقرة بسبب سيطرة الأخيرة على منابع نهري دجلة والفرات اللذين يعانيان جفافاً مستمراً لا سيما في أوقات الصيف، مما دفع العراق إلى الذهاب لسوريا لمناقشة ملف المياه ومواجهة تحديات التغير المناخي.
وترأس وزير الموارد المائية عون ذياب عبدالله الوفد العراقي المشارك في الاجتماع الوزاري مع الجانب السوري، إذ ناقش قضايا المياه المشتركة، وبخاصة الوضع المائي لنهر الفرات، وسبل التعاون بين البلدين في إدارة الموارد المائية ومواجهة تحديات التغير المناخي وآثار شح المياه.
يشار إلى أن وزارة الزراعة العراقية حذرت من استمرار أزمة شح المياه في البلاد، مؤكدة أنها تسببت في تعطيل استغلال أكثر من نصف مجموع مساحات الأراضي الصالحة للزراعة في العراق.
وقال مدير عام دائرة الأراضي الزراعية في وزارة الزراعة العراقية، علي حمود الشمري، إن إجمالي المساحات الصالحة للزراعة في العراق يبلغ 51 مليون دونم، بيد أن شح المياه الذي عانته البلاد خلال الأعوام الأربعة الماضية عطل استغلال 27 مليون دونم منها، بينما تبلغ المساحة المستغلة فعلياً 24 مليون دونم.
الجهود الدبلوماسية
كثفت بغداد خلال الأشهر الماضية من جهودها الدبلوماسية لحل أزمة المياه، وكان رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وجه العام الماضي، بضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية مع دول الجوار لمعالجة ملف المياه.
كما شهد يناير (كانون الثاني) 2024 اتصالات متتالية مع تركيا، منها مكالمة هاتفية جمعت بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ناقشا فيها تأمين حصة العراق من مياه نهري دجلة والفرات.
أنقرة تساوم بغداد
إلا أن عضو مجلس النواب العراقي ثائر الجبوري اعتبر أن أنقرة تساوم بغداد في شأن ملف المياه، مبيناً أن قوات سوريا الديمقراطية تقطع معظم الكميات القادمة من المياه باتجاه العراق في سوريا.
وأوضح الجبوري، في تصريح صحافي، أن "أزمة المياه مع تركيا لا تزال قائمة وهي تحمل في جعبتها مطالب عدة تريد من خلالها مساومة بغداد بخاصة حيال خلق شراكة اقتصادية ودفع شركاتها ليكون لها حيز كبير في المشاريع وتحديداً طريق التنمية العراقي الذي سينطلق قريباً بمشاركة شركات عالمية معروفة".
وأكد أن "أنقرة قللت بالفعل الحصة المائية للعراق من أجل أهداف اقتصادية"، لافتاً إلى أن "الدبلوماسية هي خيار بغداد التي نرى بأنها ستأخذ مجالاً أوسع خصوصاً إذا ما تشكل المجلس الأعلى للمياه والذي بات مطلباً ضرورياً من أجل وضع خريطة طريق شاملة لحل الإشكالية ليس مع تركيا فحسب بل دول أخرى".
وأكمل الجبوري بأن "أزمة بغداد في ملف المياه لا تنحصر في تركيا بل الملف يزداد تعقيداً مع نهر الفرات مع قطع (قسد) معظم الكميات القادمة من سوريا باتجاه المناطق الغربية"، مبيناً أن "قسد غير مرتبطة بالحكومة السورية مما يستدعي مفاوضات تحافظ على حقوق بغداد في المياه وضمان وصول حصة عادلة".
التحكيم الدولي
في المقابل، يشير المستشار والمتخصص المائي، عادل المختار، إلى أن ملف المياه ليس عصياً على العراق، مبيناً أن هناك وفوداً تذهب للجارة التركية لكنها "فنية" لا تستطيع التفاوض في ملف المياه لكن بمجرد تحول الملف إلى شياع السوداني سيدخل ضمن قضايا ذات أولوية قصوى على غرار الملفات الأخرى التجارية والعسكرية حتى الاقتصادية التي من ضمنها طريق التنمية.
وأضاف "من مصلحة العراق استخدام أوراق ضغط على الجارة التركية من أجل القبول بالتحكيم الدولي أو الطرف الثالث في أزمة المياه، باعتبار شرط الموافقة ضرورياً للذهاب إلى التحكيم الدولي لذلك يتضح دور رئاسة الوزراء العراقية".
من جهته قال المتخصص في الشأن العراقي، رافد العطواني، إن ملف المياه بالنسبة إلى بغداد يعتبر واحداً من أهم الملفات المستقبلية التي ستعصف في البنية الأساسية للاقتصاد العراقي وبخاصة أن تركيا أقامت عديداً من السدود على نهري دجلة والفرات، مما تسبب في ضياع كميات كبيرة من المياه التي تصل إلى البلد العربي سواء كانت في دجلة أو الفرات، وهذا يؤثر كثيراً في البنية الاجتماعية بخاصة في جنوب البلاد والبنية التنوعية والاجتماعية والبيولوجية.
وختم حديثه بالتأكيد أن هذا الملف يحتاج إلى أدوات ضغط دبلوماسية عالية من قبل المسؤولين العراقيين لدفع الأتراك على تغيير موقفهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!