ترك برس
وصف د. ياسين أقطاي، المستشار السابق للرئيس رجب طيب أردوغان، نتائح الانتخابات المحلية التي شهدتها تركيا الأحد الماضي بـ"ثورة المتقاعدين"، وأنها "كانت مفاجئة للجميع".
وفي مقال له بصحيفة يني شفق، أعرب أقطاي، وهو نائب سابق في صفوف حزب العدالة والتنمية، عن اعتقاده في أن "أهم ما يميز نتائج الانتخابات هو أنها كانت مفاجئة للجميع".
وقال: "لا تصدقوا من يقولون "لقد قلت ذلك من قبل، كنت أعرف، توقعت ذلك". فلم يتوقع أحد مثل هذه النتيجة أو يتنبأ بها على الإطلاق. وكانت أقرب التوقعات المتعلقة بانتخابات إسطنبول تشير إلى منافسة متقاربة، أو في أحسن الأحوال، تقدم إمام أوغلو ببضع نقاط في استطلاعات الرأي".
وأوضح أنه حتى هذه التوقعات كانت تُطرح بحذر شديد. أعتقد أن إعلان هاكان بيرقجي قبل الانتخابات عن توقع فوز إمام أوغلو بفارق 8 نقاط أثار الدهشة حتى في صفوف إمام أوغلو نفسه. فلم يتوقع حزب العدالة والتنمية، الذي تكبد خسارة فادحة في هذه الانتخابات، مثل هذه النتيجة، كما أن حزب الشعب الجمهوري لم يتوقعها أيضًا. لم يكن لدى أي من الطرفين أي استعداد لمثل هذه النتيجة.
وتابع: لا تعود الفجوة الكبيرة بين التوقعات والنتائج إلى عيوب في استطلاعات الرأي فحسب، بل إلى حد كبير إلى سرعة تغير مواقف الناخبين خلال الفترة التي تسبق الانتخابات. ويتفق الجميع على أن أهم عامل في ذلك هو عدم تلبية توقعات المتقاعدين.
لذلك وبطريقة ما يمكن اعتبار هذه الانتخابات "ثورة المتقاعدين". كان هناك غضب واضح في الشارع، يمكن لأي شخص يتجول قليلاً أن يراه على الفور. وكان هذا الغضب يعكس موقفًا مترددًا يمكن أن ينقشع أو يتغير اتجاهه في أي لحظة حتى اليوم الأخير. من المهم أيضًا التركيز على دور استياء فئة اجتماعية واحدة في تغيير نتائج الانتخابات بشكل جذري.
وأردف: لا ننسى أيضًا الجانب الساخر من الأمر. فبعد قرن من الزمن، لم تأتِ القوة الثورية المتوقعة من العمال الذين يستمدون قوتهم من عملهم، بل من المتقاعدين الذين يستمدون قوتهم من أصواتهم وفقدوا صلتهم بالإنتاج.
وتابع المقال:
من ناحية أخرى، لم تأتِ القوة التغييرية من الجيل "Z" كما كان متوقعًا، بل من المتقاعدين. ومن الواضح أن إضفاء معنى ثوري على مثل هذه النتيجة الانتخابية سيكون غير مناسب تمامًا، يمكننا تسميتها سخرية القدر ونتجاوزها. لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن هذه الفئة، من خلال مقاطعتها الانتخابات أو دعمها لحزب الشعب الجمهوري، قد أحدثت هزة قوية في المشهد السياسي خلال العشرين عامًا الماضية.
لا ينبغي التسرع في ربط هذه النتائج بالتحول الاجتماعي العميق الذي تعيشه البلاد. فلو تم تلبية توقعات المتقاعدين وزيادة رواتبهم، لكان معدل المشاركة في الانتخابات قد تحقق كما هو متوقع، وربما واجهنا نتيجة مختلفة تماماً، لكن هذه النتيجة المختلفة لن تهزّ حزب العدالة والتنمية بشكل كبير. فلا يمكننا تحميل المسؤولية كاملة على عاتق المتقاعدين. وكما ذكرنا سابقًا، ولاحظ الجميع منذ الإعلان عن النتائج، فقد ابتعد حزب العدالة والتنمية بشكل كبير عن روح عام 2002، وحاول الشعب إرسال تحذيرات له خلال الانتخابات الثلاثة أو الأربعة الأخيرة. ولكن هذه التحذيرات، جاءت هذه المرة أكثر صرامة نظراً لأنها لم تؤخذ بعين الاعتبار البتة.
أود أن أسلط الضوء على مقارنة بسيطة قد تكون غابت عن الجميع. قبل عشرة أشهر، فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بالرئاسة في الجولة الثانية بنسبة 52٪ من الأصوات. شخصيًا اعتقدت أن أداء أردوغان والأصوات التي حصل عليها مقارنة بخصومه كانت أقل بكثير مما كان متوقعًا. لكن دعونا نترك ذلك جانبًا. في الجولة الأولى التي حصل فيها أردوغان على 48٪ من الأصوات، كانت أصوات حزب العدالة والتنمية (باستثناء الأصوات الخارجية) 35.60٪ فقط. ولم نشهد نقصًا في المشاركة في تلك الانتخابات، حيث بلغت نسبة المشاركة 85٪، وكانت الأصوات متناسبة مع هذه النسبة. من هذا المنظور لا يوجد في الواقع انخفاض ملحوظ في أصوات حزب العدالة والتنمية من ذلك الوقت إلى الآن.
بدأ انخفاض أصوات حزب العدالة والتنمية منذ الانتخابات المحلية الأخيرة التي أجريت عام 2019. في تلك الانتخابات أيضًا، حذّر الناخبون من الوضع الاقتصادي العام، بالإضافة إلى انقطاعات في إدارة الحزب أو في تواصله مع الشعب. لكن لم يتم الالتفات إلى هذه التحذيرات، وكأن شيئًا لم يحدث، ولم يتم إجراء أي تغيير ملحوظ في سياسة الحزب منذ ذلك الحين. فلم يتم إعطاء أي انطباع بأخذ التحذيرات بعين الاعتبار، لا في الخطابات ولا في الكوادر.
كان أقوى جانب لحزب العدالة والتنمية في الماضي هو اتصاله الوثيق بالشعب. كان هذا الاتصال يتحقق بشكل كبير من خلال نشأة قادة الحزب من رحم الشعب وعدم انفصالهم عنه، وكان الحزب يولي اهتمامًا كبيرًا للبيانات العلمية الاجتماعية. وفي الماضي، لم تكن الاستطلاعات تُستخدم لطلب النتائج المرجوة من الميدان، بل كانت تُستخدم لفهم ما هو موجود على الأرض. كان يتم إيلاء اهتمام كبير لنتائج الاستطلاعات، ويتم التحقق منها من خلال استطلاعات أخرى عند الضرورة. ولكن في الآونة الأخيرة، شهدنا بشكل شخصي عكس ذلك تمامًا. فبدلاً من إرسال معلومات حقيقية من الميدان إلى المركز العام، يتم إرسال معلومات تُسعد القيادة. وبطبيعة الحال إذا لم تكن هذه المعلومات موجودة على الأرض، يتم اختلاقها حسب الطلب. لقد بات واضحاً للجميع أن هذه الميزة، التي كان حزب العدالة والتنمية يتمتع بها في الماضي لا سيما في عملية اختيار المرشحين، قد تم إضعافها تدريجيًا لتمهيد الطريق للمرشحين المرغوبين.
منذ ثلاثة أيام، يتحدث الجميع عن نتائج الانتخابات، بينما تتدفق رسائل من دوائر حزب العدالة والتنمية نفسها، تروي قصصًا عن انفصال كوادر الحزب عن الشعب. ويحاول الجميع من خلال هذه القصص تفسير كيفية وصولنا إلى هذه النتيجة. الغالبية العظمى من مرسلي هذه الرسائل هم من أعضاء حزب العدالة والتنمية، بعضهم صوت في الانتخابات وبعضهم لم يصوت.
ولكن من خلال ما لاحظته لم يفقد أحد منهم الأمل في حزب العدالة والتنمية. بل يرون جميعًا أن هذا السلوك من قبل الناخبين هو بمثابة تحذير مفيد لن يقتل الحزب، بل سيُعيده إلى رشده ويُحييه.
وهذا جانب آخر فريد من نوعه لا مثيل له في أي مكان آخر. فمن الواضح أن خسارة الانتخابات لم تُحزن الجماهير كثيراً، بل أدت إلى تقييمات عقلانية. ففي الواقع إن الشعب الذي أعطى اليوم حزب العدالة والتنمية نفس عدد الأصوات في الانتخابات الرئاسية، لم يتردد أبداً في انتخاب أردوغان رئيسًا للجمهورية.
إنّ إيمانهم بوجود خير في كل ما يحدث ليس مجرد آلية إصلاحية بسيطة، بل هو حقيقة واقعة. ولن تجد لسنة الله تبديلا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!