ترك برس
تناول مقال تحليلي للكاتب والخبير التركي إسماعيل ياشا، الاجتماعات الاستشارية المغلقة التي عقدها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، يومي السبت والأحد الماضيين، في بلدة قيزيلجا حمام التابعة للعاصمة أنقرة، بهدف مناقشة أسباب الهزيمة التي مني بها في الانتخابات المحلية الأخيرة، والبحث عن سبل معالجتها.
يرى ياشا في مقاله بصحيفة عربي21 أن هناك إجماعًا على أن حزب العدالة والتنمية بحاجة إلى تغيير شامل لحل مشاكله والتعافي من الأزمات التي تسببت في تراجعه إلى المرتبة الثانية في عموم البلاد، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك منذ الانتخابات الأولى التي خاضها الحزب في 22 نوفمبر 2002.
وأوضح أن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى تحديد مكامن الخلل في سياساته وأدائه لإصلاحها، كما ذكر رئيسه، رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، في أول تعليق له على نتائج الانتخابات، أنهم سيحللون تلك النتائج، وسيقومون بنقد الذات والمراجعة المطلوبة لمعرفة أسباب تراجع شعبية الحزب، وتصحيح الأخطاء، واستعادة ثقة الناخبين. إلا أن ذلك ليس مهمة هينة في الظروف الراهنة.
ولفت إلى أن الوضع الاقتصادي هو العامل الأهم الذي دفع نسبة من الناخبين إلى عدم التصويت لصالح مرشحي حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية قبل حوالي شهرين. وبلغت نسبة التضخم في البلاد 75.45 في المئة، وفقا للأرقام الأخيرة المعلنة.
ويقول وزير الخزانة والمالية محمد شيمشك، إن نسبة التضخم ستتراجع بعد الآن، كما يتوقع رئيس البنك المركزي فاتح قاراحان، أن تتراجع هذه النسبة في نهاية العام إلى 38 في المئة. ومن المعروف أن نسبة التضخم قد ترتفع بسرعة، ولكن تراجعها يأخذ وقتا طويلا، ويحتاج إلى سياسة التقشف التي يدفع ثمنها غالبا أصحاب الدخل المحدود.
المشكلة في الاقتصاد التركي ليست فقط في نسبة التضخم، بل الأهم من ذلك اتساع الشرخ بين رواتب المتقاعدين والعاملين في القطاع الخاص من أصحاب الحد الأدنى للأجور؛ وبين رواتب الموظفين والعاملين في القطاع الحكومي، فاختل التوازن بين دخل الفئات المختلفة. يقول ياشا.
يضيف الكاتب: لم تتمكن الحكومة من رفع رواتب المتقاعدين، لأن الميزانية لا تسمح لها بذلك، بسبب تضاعف عدد المتقاعدين بعد إلغاء شرط سن التقاعد قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة التي أجريت العام الماضي، وحصول أكثر من مليوني مواطن على حق التقاعد.
وتشير المعايير العالمية لنظام الضمان الاجتماعي إلى أنه يجب أن يكون هناك 4 عاملين في مقابل كل متقاعد، إلا أن هذه المعادلة الآن في تركيا هي 1,5 عامل في مقابل كل متقاعد، ما يعني أن رواتب المتقاعدين تشكل عبئا كبيرا على الخزانة والاقتصاد، وليس من السهل رفعها.
وأردف الكاتب: الحكومة تعلن بين الفينة والأخرى تسهيلات للمتقاعدين لجبر خواطرهم، كالتخفيضات لهم في تذاكر المواصلات العامة، إلا أن ما يطلبه المتقاعدون هو رفع رواتبهم، علما بأن رفع الرواتب وحده لا يكفي، بل ولا بد من منع أصحاب المحلات والمتاجر من رفع الأسعار تلقائيا بعد رفع الرواتب.
كما أن هناك آخرين من شرائح المجتمع تضرروا من السياسة الاقتصادية الخاطئة، مثل الانحياز للمستأجرين على حساب أصحاب البيوت، وقرار عدم السماح برفع الإيجارات بأكثر من 25 في المئة، في الوقت الذي قاربت فيه نسبة التضخم 100 في المئة، ورفع أصحاب المحلات والمتاجر الأسعار كما شاؤوا، علما بأن هناك مئات الآلاف من المواطنين يفضلون شراء العقارات وتأجيرها، بدلا من إيداع أموالهم في البنوك الربوية، بالإضافة إلى الآخرين الذين ورثوا تلك البيوت التي يؤجرونها من آبائهم وأمهاتهم، إلا أن وسائل الإعلام المقربة من الحكومة استهدفتهم وكأنهم مجرمون جشعون.
ومن المقرر أن ينتهي مفعول هذا القرار في 1 تموز/ يوليو القادم، إن لم يتم تمديده، كما أن الحكومة يجب أن لا تكرر اتخاذ مثل هذه القرارات غير العادلة ولو بحجة حماية شريحة من شرائح المجتمع. وليس صحيحا إصلاح جانب مع إفساد آخر، أو اتخاذ قرارات تثقل كاهل المواطنين العاديين من ذوي الدخل المحدود بدلا من أصحاب الشركات التي ارتفعت أرباحها أضعافا مضاعفة.
وتابع المقال:
الابتعاد عن نبض الشارع انتقاد آخر يوجّه إلى حزب العدالة والتنمية، وهو أيضا مثل الوضع الاقتصادي مشكلة يصعب حلها؛ لأن السبب الرئيسي الذي أدَّى إلى عدم شعور كوادر الحزب بهموم المواطنين هو بقاء الحزب في السلطة منذ أول انتخابات خاضها، ولم يبق في أسر هؤلاء وأقاربهم أحد عاطل عن العمل أو من يتقاضى الحد الأدنى للأجور. وإن حاول هؤلاء أن يستمعوا إلى مشاكل المواطنين اليومية فهذه المحاولة غالبا ما تبقى مجرد استماع دون مشاطرة الهموم والشعور، بل وربما يرى بعضهم أن ذلك لطف يتكرمون به دون أن يكون واجبا عليهم. ومن المؤكد أن هذا مرض قاتل يصيب كافة الأحزاب الحاكمة التي تبقى في السلطة لمدة طويلة.
الاجتماعات الاستشارية التي عقدت في قيزيلجا حمام تحت عنوان "العقل المشترك لتركيا"، شارك فيها قادة حزب العدالة والتنمية ونوابه وكوادره، بمن فيهم المسؤولون عن أخطائه وتراجع شعبيته، الأمر الذي يشير إلى أن أردوغان سيفضل عملية تغيير بطيئة، لحماية وحدة الحزب، دون أن يحمل أحدا بعينه مسؤولية الهزيمة. إلا أن هذا الخيار له سلبيات ومخاطر، على رأسها أن لا يشعر الناخبون بأن هناك تغييرا جذريا في حزب العدالة والتنمية وسياساته.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!