ترك برس
أثارت ادعاءات وتقارير صحفية عن سحب الحكومة التركية الجنسية من آلاف الأجانب جدلا واسعا بين المقيمين في تركيا، وخاصة اللاجئين السوريين.
وذكرت صحيفة العربي الجديد في تقرير لها أنه فور كشف مصادر إعلامية تركية خبر سحب الجنسية من آلاف الأجانب، بسبب مخالفتهم شروط تقديم الأوراق والإثباتات، أو بسبب ارتكابهم أعمالاً أخلّت بأمن الدولة، سيطر الخوف على مئات آلاف السوريين والعرب الذين حصلوا على الجنسية قبل سنوات، وهم طرحوا أسئلة في شأن كون الجنسية "استثنائية وليست أصيلة".
وتسأل المعلمة م. ع. التي حصلت على الجنسية التركية، في حديثها لـ"العربي الجديد": "لماذا تتخذ عقوبة سحب الجنسية من دون حكم قضائي، وإذا كان سحب الجنسية بهذه السهولة، من يضمن عدم سحب الجنسية الاستثنائية من جميع السوريين إذا تغيّرت الحكومة في تركيا، وجاء حزب لا يرحب بوجودهم؟".
لكن المحامي التركي عبد القادر فليفل يؤكد لـ"العربي الجديد" أن "الجنسية لا تسحب بعد منحها إلا بسبب عدم صدقية الأوراق أو تزويرها، أو بسبب قضايا تتعلّق بأمن الدولة. وعدا ذلك يُحاسب الحاصل على الجنسية على أي مخالفة أو جرم ارتكبه بعد حصوله على الجنسية كأي مواطن تركي".
وفيما تحدثت وسائل إعلام عن أن قرار سحب الجنسية التركية يشمل خمسة آلاف شخص، من دون أن تقدم وثائق تثبت ذلك، رفض أشخاص سُحبت جنسيتهم الإدلاء بأي تصريح، لأن القوائم الرسمية لم تصدر بعد، واكتفوا بتأكيد أنهم سيستخدمون حقهم القانوني في الاعتراض.
ويتوقع صاحب شركة تركية تعنى بخدمات الجنسية والإقامة يدعى علي (طلب عدم نشر اسمه الكامل) أن يكون عدد الذين سُحبت جنسياتهم أكبر، ويتحدث عن وجود قوائم ستصدر تباعاً لسحب الجنسية من أشخاص خالفوا القانون التركي، ويقول: "لدى التدقيق في الملفات اكتشفت وزارة الداخلية عجائب، فبعض الناس أدخلوا أولاداً غير أولادهم، وزوّر كثيرون الشهادات والوثائق المطلوبة، وتآمر أخرون مع شركات عقارية لزيادة أسعار عقارات كي يشملهم شرط الحصول على الجنسية".
وينقل علي عن مصادر في وزارة الداخلية قولها إن "التحقق جار، وستصدر القوائم تباعاً تمهيداً لدعوة من سُحبت منهم جنسيتهم لتسليم البطاقات الشخصية وجوازات السفر. وإذا كانوا خارج البلاد فسيسلمونها إلى أقرب قنصلية أو سفارة تركية لموقعهم". ويشير إلى أن المشمولين بالقرار "ليسوا سوريين فقط، بل أفغان ومصريون ويمنيون وغيرهم".
وكان الباحث المتخصص في الشأن التركي، أحمد الحسن، أول من أثار الخبر، ونشره على وسائل التواصل الاجتماعي، وأكد لـ"العربي الجديد" أن مصادر مسؤولة وحكومية وفرت المعلومات، وأن ثمّة قوائم أخرى ستصدر قريباً، وقد تتضمن عدداً أكبر من الأولى".
ويوضح الحسن أنه منذ تشكيل الحكومة الحالية منتصف العام الماضي، اتخذ وزير الداخلية علي يرلي قايا ما يسمى بـ"خط تصحيحي" للجنسيات والإقامات لمعالجة كل الحالات التي ارتكبت مخالفات وتورطت بقضايا فساد وتزوير، وأخرى تتعلّق بأمن تركيا.
ويشير إلى أن "التحقيقات في ملفات الجنسية طاولت تلك المقدمة وحتى الممنوحة، وركزت على تقديم وثائق مخادعة أو أخرى تضمنت مبالغات في تحديد أسعار المنازل". وتحدث عن أن العقوبات شملت أيضاً متآمرين بإصدار الوثائق أو التخمينات المبالغ بها، وتحديد أسعار العقارات، وبعضهم من جنسيات مصرية وخليجية وأفريقية.
ويلفت إلى أن "ثمة تحديثات أمنية طاولت أشخاصاً منحوا الجنسية حين لم يكونوا مطلوبين لدى المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول)، وآخرين أدانتهم محاكم لحقوق الإنسان كونهم قادة في فصائل عسكرية أو متورطين في تمويل ودعم الإرهاب. كما سحبت الجنسية من أشخاص أدوا الخدمة العسكرية لدى دول خارجية وحصلوا على جنسيتها، وأيضاً من أشخاص حصلوا على الجنسية التركية ثم لجأوا إلى دول أوروبية وحصلوا على جنسياتها، وذلك بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي بعد توحيد النظام".
وفي شأن الحلول التي يملكها الأشخاص الذين يعتبرون أن قرار سحب جنسيتهم عرضهم لظلم، يوضح الحسن أنهم يملكون فترة ثلاثة أشهر لاستعادة جنسيتهم بعد توكيل محامين يقدمون ملفات استعادة الجنسية. وينفي تعرض تركيا لضغوط من أجل سحب الجنسية، "فهي لم ولن تسحب الجنسية من أي إنسان غير مخالف، رغم أن خروجها من القائمة الرمادية يتطلب عدم منح الجنسية للملاحقين أو المزورين، أو من يغسلون الأموال ويتورطون بالجريمة المنظمة".
ويلفت رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، غزوان قرنفل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الجنسية الاستثنائية تمنح لمن يُضيف إلى المجتمع التركي في مجالات العلم والاقتصاد والرياضة، ويسأل: "ماذا سيحصل لو جرى نبش ملفات الجنسيات التي منحت استثنائياً بدعوى أن أصحابها لا يقدمون إضافة إلى المجتمع التركي؟". يضيف: "يحق لكل من ألغيت جنسيته أن يلجأ إلى القضاء من أجل الاعتراض، لكن معظم من ألغيت جنسيتهم يعلمون أنهم مخالفون ومزورون".
من جهته، يقول الناشط السوري الحاصل على الجنسية التركية طه الغازي الذي يتابع قضايا السوريين وتحصيل حقوقهم بتركيا، لـ"العربي الجديد": "جرى سحب الجنسيات من مخالفين بعد إجراء تحقيقات طوال أكثر من عام". وتوقع إصدار دائرة النفوس القوائم خلال أيام، وبعدها قوائم أخرى تتضمن أشخاصاً زوّروا أو خالفوا وثائق محددة في ملف منح الجنسية، سواء أكانوا سوريين أو غيرهم من جنسيات عربية وأفريقية.
جدير بالذكر أن القرار رقم 5901 الصادر في مايو/ أيار 2009، حدد شروط سحب الجنسية ومنحها، سواء عبر العقارات أو الزواج أو قرارات استثنائية لحاملي بطاقات الحماية المؤقتة، كما حدد هذا القرار شروط سحب الجنسية إذا جرى تقديم معلومات أو وثائق مزوّرة أو أخفيت حقائق، والعمل لصالح دولة أجنبية تتعارض مع مصالح تركيا، وخدمة دولة معادية أثناء الحرب، وتأدية الخدمة العسكرية في دولة أجنبية من دون الحصول على إذن، وارتكاب جرائم كبيرة وتنفيذ أنشطة لحساب إرهابيين أو تمويلهم مالياً.
ويشير الغازي إلى أن من تسحب جنسيتهم تصفّى ممتلكاتهم في تركيا خلال فترة معينة. وفي حال عدم الامتثال لقرار التصفية يمكن أن تتصرف الدولة في الممتلكات التي لا تصادرها بل تودع عائداتها بعد التصفية في حساب مصرفي باسم الشخص المعني.
وحول مصير من تسحب منه الجنسية إذا كان موطنه الأول يشهد حرباً أو يخضع لملاحقة في بلده، يشير الغازي إلى أن وزارة الداخلية تبلغ من سحبت جنسيتهم عبر "الاي دولت" لتسليم الوثائق التركية (جواز السفر والبطاقة الشخصية) تنفيذاً للمادة رقم 26 من القانون التركي، ويحق لهم تقديم دعاوى أمام القضاء لاستعادة الجنسية، أو العودة إلى البلد الذي قدموا منه.
واللافت أنه في موازاة سحب الجنسية التركية الممنوحة لآلاف الأجانب، ستحرك السلطات وتسرّع ملفات عالقة لمنح جنسيات لسوريين استكملوا الشروط والوثائق، وتسهّل منح أذونات عمل وإقامات للطلاب. وتؤكد هذه السلطات جديتها في تصويب النظرة السلبية التي أشيعت العام الماضي حول طرد سياح، وسوء معاملة مقيمين في تركيا، وذلك استناداً إلى أوامر أصدرها الرئيس رجب طيب أردوغان لوزارة الداخلية بحسب ما يقول عضو في حزب العدالة والتنمية الحاكم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!