ترك برس

تناول تقرير تحليلي للسياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، الوضع السياسي في سوريا بعد الإطاحة بنظام الأسد، مبرزًا التحديات التي تواجه البلاد في مرحلة ما بعد النظام الدكتاتوري.

وناقش التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق ردود الأفعال الخارجية التي تجهل معاناة الشعب السوري، مشيدا بالحكمة والكفاءة التي تظهرها القيادة الثورية السورية، ممثلة في أحمد الشرع وفريقه.

كما سلط الضوء على الجهود المبذولة لإعادة بناء سوريا من خلال الحوار والشورى، وتشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر الوطني السوري التي تسعى لإعداد دستور جديد. و

وتناول أيضًا القضايا الحساسة مثل الانتهاكات الطائفية التي ارتكبها نظام الأسد، مع التأكيد على أن الملاحقة القانونية للمجرمين ستتم دون أي انتقام طائفي، بل في إطار العدالة القانونية. وفيما يلي نص التقرير:

بعد أن أطاح الشعب السوري بالنظام الدموي الغاشم الذي استمر 61 عامًا، بدأ مسار الدولة الجديدة في سوريا يتضح شيئًا فشيئًا، بوتيرة طبيعية ومتسقة.

لكن وكما هو متوقع، بدأ البعض في بلادنا وفي أوروبا منذ اليوم الأول في إسداء النصائح من أبراجهم العاجية، متجاهلين تمامًا حجم الظلام والجحيم الذي خرجت منه البلاد. فبمجرد أن أشار أحمد الشرع إلى أن تنظيم انتخابات حرة ونزيهة يتطلب ـ بشكل طبيعي ـ ما لا يقل عن ثلاث أو أربع سنوات، كاد هؤلاء أن يستنجدوا بروح القاتل الأسد وكأنه المنقذ، فماذا كانوا يتوقعون؟ هل كانوا يتوقعون إجراء انتخابات غدًا؟ مع أي شعب؟، وبأي سجل سكاني؟، وبأي نظام؟ هل يدركون حتى ما يعنيه كلامهم وردود أفعالهم ؟ إنه مجرد هراء لا أكثر.

بالطبع، لا يستحق هذا الأمر أن يؤخذ حتى على محمل الجد، إلا أننا للأسف أصبحنا نعرف جيدًا تلك العقلية التي تبخس السوريين فرحتهم بالخلاص من نظام أذاق الملايين منهم الجحيم طيلة 61 عامًا، بل وتستنكر حقهم في الاحتفال بحريتهم واتخاذ تدابيرهم الخاصة .

والحمد لله أن القائمين على أمر سوريا اليوم يتمتعون بالكفاءة والحكمة الذكاء والنضج، فهم يدركون جيدًا ما يفعلون وما سينجزون. إن أول ما يجب على الجميع إدراكه هو أن هؤلاء الرجال، الذين أنقذوا سوريا من قبضة عصابة إجرامية حكمت البلاد 61 عامًا، يستحقون كل الاحترام والتقدير. ومن جهة أخرى فإن هذه القيادة لا تظهر أي غطرسة أو رغبة في الانتقام أو الثأر، ولا تسمح لنشوة النصر أن تفسد أخلاقها. إن أخلاقهم ومبادئهم الإسلامية الراسخة تدفعهم إلى الالتزام بأحكام القانون والأخلاق في كل خطوة يخطونها، وبالتزامهم هذا يقدمون نماذج يحتذى بها في مختلف المجالات.

وفي هذا السياق، فإن موقف أحمد الشرع، الذي أُعلن رئيساً مؤقتاً لسوريا، حين رفض أن تُرفع صوره في الساحات العامة أو تُعلق في الدوائر الرسمية كرمز للثورة، يُعد تحدياً واضحاً لعقلية "التمجيد الأيقوني" التي لا تزال سائدة في الأنظمة الحديثة. بل إن حتى الخميني، عقب الثورة الإيرانية، لم يمانع تقديس صورته بهذا الشكل، ولم يعترض عليه. وهذا تفصيل جدير بالاهتمام. إن هذا الموقف من الشرع، وفريقه الذي يدير دفة الحكم معه، مؤشر قوي على أن الإدارة الجديدة في سوريا ستسير على نهج أكثر تشاركية، وأكثر اعتماداً على الشورى، وأكثر احتراماً لمختلف الأطراف.

في الأسبوع الماضي، تم تشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر الوطني بهدف إعداد الدستور السوري ومعالجة الوضع العام في سوريا من خلال التشاور. وكانت تقييمات حسن دغيم، المتحدث باسم اللجنة، بشأن سير عملها بعد اجتماعاتها الأولى، إيجابية وتبعث على التفاؤل:

وقد حدد دغيم في تصريحه مهام ومبادئ اللجنة على النحو التالي:

"ـ تقوم اللجنة بإدارة وتعزيز التواصل بين السوريين.

ـ تسهل النقاشات، وأعمال اللجنة، وتبادل الأفكار.

ـ تنظم وتحلل وتلخص المناقشات بناءً على آراء الأغلبية.

ـ لا تفرض المواضيع، بل توفر بيئة حوار منتظمة وفعّالة.

ـ اجتماعاتها علنية فليست هناك أجندات سرية أو جلسات مغلقة.

ــ جميع الأعمال التحضيرية والزيارات والمبادرات تتسم بالشفافية وقابلة للنقاش العالم."

وقد كان اختيار المكان للاجتماع الأول للجنة ذا دلالة مهمة . فقد عقدت الجلسة الأولى في مدينة إدلب، التي كانت مهد الثورة السورية، حيث تم التركيز بشكل خاص على قضايا النازحين، وعملية إعادة الإعمار، وعودة المواطنين إلى ديارهم. وهذه القضية ذات أهمية بالغة، خاصة في المناطق التي تعرضت لتدمير هائل، مثل وسط وجنوب إدلب، وشرق حلب، وحمص، والغوطة الشرقية، ودرعا، وجوبر. فلا يزال آلاف الأشخاص يعيشون في خيام، محرومين من أبسط الاحتياجات الأساسية، مما يجعل عملية العودة أكبر مصدر القلق.

وفي الوقت نفسه، وجهت اللجنة انتقادات إلى المنظمات الدولية، حيث تم التأكيد على أن المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، لم تحقق تقدمًا حقيقيًا في سوريا، وأن المبادرات كانت مجرد تصريحات واجتماعات غير مثمرة واستعراضات غير فعالة للقوة. ويمكن استخلاص الدروس من هذه العملية، ولكن الاعتماد على هذه المنظمات ليس واقعيًا. وفي النهاية أكدت اللجنة على أن المؤتمر الوطني السوري ملتزم بمبادئ الشفافية، وأنه لم يفرض ولن يفرض أي قيود على التواصل مع الجهات الدولية الفاعلة.

وفي منتدى قناة الجزيرة الذي عقد في الدوحة تحت عنوان: "من الحرب على غزة إلى التغيير في سوريا.. الشرق الأوسط أمام توازنات جديدة" تم التطرق إلى بعض القضايا الحساسة التي ظهرت مؤخرا، خاصة فيما يتعلق بالانتهاكات المحتملة لحقوق العلويين. وكان سرد تجارب رجل سوري مسن تعرض لكل أنواع الظلم والتعذيب في سجني صيدنايا وتدمر لمدة 30 عامًا مؤثرًا للغاية. وفي نهاية كلماته، أوضح ذلك السوري، الذي كانت كل لحظة من حياته مأساة تبكي الناس، أنه يجب عدم تجاهل أن ممارسات الأسد كانت طائفية بحتة، وأنه شهد ذلك بنفسه في كل لحظة من حياته. وقال إن الذين عذبوه أو عذبوا غيره لم يترددوا في شتمهم بدافع الكراهية والعداء الطائفي. ورغم ذلك أشار أيضًا إلى أن كل هذه التجارب يجب ألا تؤدي أبدًا إلى سياسة انتقام أو ثأر ضد العلويين كطائفة.

إن الضمانة ضد الحساسيات التي قد تظهر اليوم بشأن أولئك الذين انتهجوا سياسة كراهية طائفية لمدة 54 عامًا في بلادنا، تكمن أيضاً في إيمان وثقافة القيادة الثورية في سوريا.

هل هناك ملاحقة قانونية للمجرمين الذين شاركوا بشكل مباشر ومتعمد في المجازر والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام بدوافع طائفية؟ بالطبع يوجد. ولا يمكن تصور غير ذلك ؟ ولكن هذه الملاحقة لا تستهدف أبدًا انتماءً طائفيًا معينًا. فهناك أيضًا سُنَّة تورطوا في جرائم نظام الأسد المنهجية وعملوا في في وظائف حكومية، وهم ليسوا معفيين من الملاحقة لمجرد أنهم سُنَّة.

إن الملاحقة القانونية قائمة الآن، ولم تتحول إلى عمل انتقامي عشوائي، فقد تولتها الدولة بالفعل كإجراء قانوني، كي تضمن بقاءها في الإطار القانوني. كما أن العلويين أنفسهم عانوا بشدة من استغلال نظام الأسد لهم، فقد استخدمهم الأسد لتحقيق مصالحه، لكنه لم يشركهم في سلطته. بل على العكس، فرغم أنه جعلهم يشاركون في أكبر جرائمه، لم يعدهم بأي حياة أو مستقبل. وقد نالوا نصيبهم من البؤس الذي فرضه نظام الأسد على شعبه، فالنهج الإداري الذي اتبعه الأسد كان أبعد ما يكون عن إدارة دولة، بل انحدر إلى منطق إدارة منظمة مافيا إجرامية. كما أن مصانع إنتاج المخدرات التي أنشأتها الدولة كانت من أبرز القضايا التي تؤرق العالم، لاسيما دول الخليج.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!