
ترك برس
تناول مقال تحليلي للكاتبة والباحثة المصرية صالحة علام، التحركات التركية المكثفة في مواجهة اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران، مسلطًا الضوء على القلق البالغ لدى أنقرة من تداعيات هذا الصراع على أمنها القومي واستقرارها الداخلي.
ويوضح المقال الذي نشره موقع الجزيرة مباشر كيف تسعى تركيا إلى لعب دور الوسيط لاحتواء التصعيد، بينما تستنفر قواتها العسكرية والأمنية تحسبًا لأي تطورات قد تمس أراضيها أو مصالحها الحيوية.
كما يرصد المخاطر العسكرية المحتملة، لاسيما في ظل الوجود الأمريكي على الأراضي التركية، والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية المرتقبة، من تضرر قطاعي السياحة والطاقة، إلى احتمال استقبال موجات لجوء إيرانية.
وتحذر الكاتبة المصرية من أن استمرار الحرب قد يفتح الباب أمام زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، مع تصاعد التوترات الإقليمية والدعم الغربي اللامحدود لإسرائيل. وفيما يلي نص المقال:
على وقع أصوات صافرات الإنذار، وأزيز الطائرات، وانفجار الصواريخ المحملة بأطنان من المواد المتفجرة، ومشاهد الدمار التي تنقلها الفضائيات مباشرة من الساحتين الإيرانية والإسرائيلية، بدأت تركيا تحركًا مكثفًا على جميع الأصعدة العسكرية، والأمنية، والاستخباراتية كما سارعت بإبداء رغبتها في الوساطة بين الطرفين المتنازعين، لتجنيب المنطقة المشتعلة فعلاً ويلات حرب موسعة من شأنها القضاء على الأخضر واليابس، وإدخال دولها في دوامة من النزاعات وإراقة المزيد من الدماء.
إذ أوضح الرئيس أردوغان أن استمرار الحرب التي بدأتها إسرائيل على إيران تشكل خطرًا كبيرًا على الأمن الإقليمي، وأن الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحمل إطلاقًا تبعات حرب جديدة، مشددًا على أن إدارة نتنياهو أصبحت مشكلة حقيقية تهدد الاستقرار والأمن العالميين.
أنقرة وفي أول تحرك لها مع بدء الحرب أعلنت مباشرة حالة التأهب القصوى، وتم عقد اجتماع على أعلى مستوى استمر لأكثر من أربع ساعات متواصلة، حضره وزيري الدفاع والخارجيةِ، ورئيسي جهازي الاستخبارات وهيئة الأركان العامة، وعدد من المستشارين العسكريين والدبلوماسيين، والتكنوقراط.
وزير الخارجية هاكان فيدان سعى لطمأنة الجبهة الداخلية، والتخفيف من حدة وقع الأحداث المتسارعة، وتأثيراتها المحتملة على تركيا مؤكدًا أنهم اتخذوا جميع الاحتياطات اللازمة لمواجهة جميع الاحتمالات الخاصة بتطورات الحرب بين طهران وتل أبيب، ووضع خطط محددة للتعاطي مع السيناريوهات التي ترتبط بصورة مباشرة بتركيا.
تحركات تؤكد أن لدى تركيا قلقًا بالغًا مما تشهده المنطقة من تطورات سلبية تنذر بعواقب وخيمة، ستمتد آثارها على دول المنطقة جميعًا، القلق التركي له دون شك ما يبرره، خاصة في ظل تصاعد وتيرة الأحداث، وغياب تام للرغبة في احتواء الموقف من جانب الدول الغربية التي تدعم الكيان الإسرائيلي، وتدافع عن سلوكه العدواني بحجة حقه في الدفاع عن نفسه، مع أنه الطرف المعتدي وليس المعتدى عليه.
وتهديد الولايات المتحدة الأمريكية بعدم الاكتفاء بما تقدمه من دعم عسكري ولوجستي لجيش الاحتلال الصهيوني، وإعلان استعدادها للتدخل المباشر في الحرب الدائرة، والبدء فعلاً في تحريك حاملات طائراتها، ووارجها الحربية باتجاه الشرق الأوسط، تحت ذريعة حماية إسرائيل، ومنع إيران من امتلاك الأسلحة النووية.
أسباب القلق التركي من جراء استمرار المواجهة الدامية الدائرة بين طهران وتل أبيب، وتداعيات ذلك عليها اقتصاديًا، وعسكريًا، وسياسيًا، واجتماعيًا، يمكن رصده في عدة نقاط محددة:
على الصعيد العسكري
تخشى أنقرة من تدخل الولايات المتحدة الأمريكية فعلاً في الحرب إلى جانب إسرائيل، لأن ذلك يعني أن قواعدها العسكرية في المنطقة ستكون أهدافًا مشروعة لمرمى نيران الرشقات الصاروخية الإيرانية، والعمليات الانتقامية من جانب أذرعها بالمنطقة، وهو ما أعلنته طهران صراحة في تصريحات لقادة جيشها، وحرسها الثوري.
من المعروف أن للولايات المتحدة الأمريكية وجود عسكري قوي داخل الأراضي التركية، فهناك جزء من قواتها تتمركز في قاعدة إنجيرليك الجوية، الواقعة بالقرب من مدينة أضنة في الجنوب التركي، إلى جانب عدد آخر من القوات المقيمة داخل القواعد العسكرية التابعة لحلف الناتو على الأراضي التركية.
وهو ما دفع وزارة الدفاع التركية إلى إعلان حالة الاستنفار العام بين قواتها الجوية، والبرية والقيام بعدد من الإجراءات الوقائية عبر الاستعانة بطائرات “أواكس” لرصد الإنذارات المبكرة للتحركات العسكرية، بهدف حماية المجال الجوي وضمان أمن البلاد.
إلى جانب التدقيق في جميع المعلومات التي يتم جمعها باستخدام أحد الرادارات الموجودة بمنطقة كوريجيك بولاية ملاطيا وتحليلها تحسبًا لانحراف إحدى الضربات عن مسارها، بما يهدد الداخل التركي، أو مهاجمة أيًّا من قواعد الناتو على أراضيها.
_ قيام إسرائيل باستغلال حالة الاضطرابات التي تمر بها المنطقة، وزيادة حجم الدعم الأوروبي والأمريكي لها لتوسيع حجم عملياتها في داخل العمق السوري، واحتلال المزيد من الأراضي السورية، وهو ما ينذر بتقويض الاستقرار، وعرقلة خطط التنمية، بل ويفسح المجال رحبًا أمام تمدد الجماعات الإرهابية والعناصر المسلحة، ما ستضطر معه تركيا، حفاظًا على أمنها القومي، إلى التدخل عسكريًا في مواجهة مباشرة سواء مع هذه العناصر أو مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وهو القلق الذي دفع الرئيس أردوغان إلى التصريح بأنه في ضوء التطورات الأخيرة فإن بلاده سترفع مخزونها من الصواريخ متوسطة وطويلة المدى إلى مستوى الردع، لتحجيم كل من يفكر في التطاول عليها، وأن الوصول إلى هذا الهدف لن يستغرق وقتًا طويلًا.
مؤكدًا أن بلاده تعد الآن إحدى الدول الرائدة في مجال صناعة الطائرات المسيرة، كما أصبحت علامة تجارية بارزة في مجال تصنيع المركبات البرية المدرعة، مشيرًا إلى أنها وصلت إلى مرحلة متقدمة في تصنيع منتجاتها الدفاعية من طائرات مسيرة ومأهولة، إضافة إلى صواريخها ومركباتها البحرية، وراداراتها وأنظمة اتصالاتها بما يدعم قدرتها على الردع، ويقيها الآثار السلبية لأزمات المنطقة.
اقتصاديًا
تخشى أنقرة من تداعيات الحرب على أهم قطاعين اقتصاديين لديها، وهما قطاع السياحة والتصدير الذين تعتمد عليهما في رفع حجم عوائدها من العملات الأجنبية بما يكفل لها مواجهة التضخم، والحد من انهيار عملتها المحلية، في ظل البيانات الرسمية التي بدأت تشير إلى تراجع نسبي في عدد السائحين، وإلغاء الكثير من الحجوزات، بما ينذر بعواقب وخيمة على الاقتصاد التركي إذا ما اتسع نطاق الحرب، وتحولها إلى حرب إقليمية متعددة الأطراف.
ستؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، خاصة وأن تركيا تعتمد في تأمين 90% من احتياجاتها منه على الاستيراد من الخارج، بما يزيد من كاهل فاتورتها لتوفير أحد أهم مصادر الطاقة، ويؤثر في الوقت نفسه على قطاع الصادرات مع ارتفاع أسعار الخامات الأولية، وتكلفة النقل، إلى جانب الارتفاع في أسعار السلع الاستهلاكية المرتفعة فعلًا في الأسواق التركية ارتفاعًا يفوق مثيلاتها في الأسواق الأوروبية والأمريكية ذاتها.
اجتماعيًا
فإن أكبر المخاوف التي تؤرق أنقرة تكمن في إمكانية تعرضها لموجات نزوح برية كبيرة من الجانب الإيراني إلى أراضيها في حال اتسع نطاق الحرب، وازدادت شراستها، واستمرار استهداف الطيران الإسرائيلي للمدنيين ومناطق تمركزهم في المدن الإيرانية، سعيًا لإسقاط النظام في البلاد.
فتركيا لم تلتقط أنفاسها بعد من أزمة اللاجئين السوريين، وفق البيانات الرسمية الصادرة عن هيئة الإحصاء ووزارة الداخلية التركيين، التي تشير إلى أنه من بين حوالي 4 ملايين لاجئ سوري، عاد منهم إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد 270 ألفًا فقط، فإذا ما توافدت إليها موجات هجرة جديدة من الإيرانيين، فإن الأمور على الصعيد الداخلي ستزداد تعقيدًا، وسيتم إعادة فتح ملف المهاجرين مجددًا، الذي يتسبب في صداع حاد الحكومة مع استمرار الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها البلاد، والارتفاع المستمر في الأسعار.
خاصّة وأن توافد لاجئين إيرانيين للأراضي التركية يعني بالنسبة للأتراك ارتفاعًا جديدًا في أسعار إيجارات الشقق السكنية، ووسائل النقل، والمواد الغذائية، وفواتير المياه والكهرباء والغاز، وصعوبة في توفير متطلبات الحياة اليومية.
ومنعا من استغلال الأمر قامت الداخلية التركية بإصدار بيان أوضحت فيه أن الحدود البرية المشتركة مع إيران مزودة بأحدث أنظمة المراقبة والحماية، وأن المنطقة مؤمنة بالكامل، وأنها تراقب بدقة متناهية خط الحدود بين البلدين، ولم يتم رصد أي تحركات غير طبيعية، أو زيادة في أعداد الوافدين إلى البلاد.
وتجنبا لهذه الإشكاليات المتباينة، عرضت أنقرة سريعًا توظيف قدراتها الدبلوماسية وعلاقاتها الدولية في الوساطة بين الطرفين، إلا أن السؤال الذي يجب أن يطرح هنا هل تمتلك تركيا فعلاً أدوات تمكنها من النجاح في الوساطة التي تسعى إليها بين إيران وإسرائيل؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!