ترك برس

تناول تقرير للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، أجواء قمة غزة في الأمم المتحدة وما أحاط بها من رمزية بروتوكولية تكشف تصاعد الدور التركي، حيث تصدّر الرئيس رجب طيب أردوغان طاولة الاجتماع إلى جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مشهد يعكس مكانة أنقرة في ترتيبات الشرق الأوسط الجديدة.

يستعرض التقرير الخطط المتنافسة بشأن مستقبل غزة، من مقترحات ترامب التي تركز على وقف إطلاق النار وإدارة تكنوقراط بتمويل خليجي، إلى خطة الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعية إلى حل الدولتين، مع إبراز التباينات حول مصير حماس وآليات إعادة الإعمار والضمانات الأمنية الإقليمية.

وفيما يلي نص التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق:

كنت أترقب نتائج ثلاث اجتماعات مهمة في الأمم المتحدة: الأول: قمة غزة التي جمعت الرئيس الأمريكي ترامب بقادة مسلمين، من بينهم الرئيس أردوغان، والتي وصفها ترامب بأنها "أهم اجتماعاته". الثاني هو الاجتماع الثنائي بين أردوغان وترامب. والثالث هو القمة التي ترعاها الولايات المتحدة بشأن أمن الحدود السورية الإسرائيلية، والتي كان من المقرر عقدها في 25 سبتمبر ثم أُجلت إلى 29 سبتمبر.

كان من شأن هذه القمم الثلاثة المهمة أن تؤدي إلى تغيير إيجابي أو سلبي في مسار العديد من القضايا المتعلقة بمستقبل منطقتنا (مثل غزة، وسوريا، وقسد، والتوسع الإسرائيلي، والهندسة الأمنية الجديدة، وما إلى ذلك). وأثناء كتابتي هذا المقال، لم يكن اجتماع أردوغان وترامب قد بدأ بعد. لذا، سأركز على الاجتماع الأول.

الجلوس على رأس الطاولة

تصدر صورة الاجتماع جدول الأعمال: طاولة على شكل حرف U، ويجلس ممثلو الدول المشاركة على جانبيها، وعلى رأس الطاولة يجلس الرئيس أردوغان والرئيس الأمريكي ترامب. وعندما نُشرت الصورة، قورنت بالصورة التي صف فيها الرئيس الأمريكي ترامب القادة الأوروبيين أمامه. فترامب عادةً ما ينظر باستخفاف إلى القادة الأوروبيين الذين يعتبرهم "محتاجين" إليه بسبب روسيا. ولكن في هذا الاجتماع، يرى ترامب أن القادة المسلمين المشاركين فيه هم قوى فاعلة ومهمة في الهندسة الإقليمية الجديدة، وربما كان هذا هو سبب اختيار تنسيق الطاولة على شكل حرف U.

بالتأكيد، كان لوجود دول اتخذت احتياطاتها مسبقًا وتفاوضت على ترتيبات الجلوس تأثير في تشكيل هذا التنسيق، استنادًا إلى ما حدث مع القادة الأوروبيين. يبقى السؤال الوحيد الذي لم يُجب عنه هو: بينما أشير في البيان المشترك إلى ترامب وأمير قطر الشيخ تميم كرئيسين مشاركين، لماذا أردوغان جلس على رأس الطاولة؟ يبدو أن هذا مرتبط بالوزن النوعي الذي تحظى به تركيا في المشهد الإقليمي.

خطط غزة في صراع مستمر

هناك ثلاث قضايا رئيسية تُناقش بخصوص غزة: ما هو مصير حماس؟ وما هو مصير أهل غزة في عملية إعادة الإعمار؟ وما هو مستقبل غزة؟ وهل سيتم التوصل إلى حل الدولتين؟

المعلومات المتاحة علنًا حول محتوى الاجتماع محدودة: فقد ورد أن ترامب تعهد بعدم ضم الضفة الغربية، وأنه قدم للقادة تقريرًا يتضمن "خططه لكيفية إنهاء الحرب". وهناك أيضًا البيان المشترك الذي صدر عقب القمة.

في الوقت الراهن، تتصارع خطط متعددة حول كيفية حل قضية غزة ومستقبل فلسطين. فإما أن يتم التوفيق بين هذه الخطط، وإما أن يستمر الصراع. وأعتقد أننا وصلنا إلى هذه النقطة الآن.

خطة ريفييرا.. هل تم تعديلها؟

تُشير المصادر المفتوحة إلى أن الإطار العام للخطة التي عرضها ترامب يتضمن البنود التالية: وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى، وانسحاب حركة حماس من غزة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي، وتشكيل إدارة تكنوقراط في غزة، وضمان الأمن من قبل الدول المشاركة في الاجتماع، وبقاء غزة ككيان ذي حكم ذاتي، وإعادة إعمارها برأس مال خليجي. وإذا صحت هذه المعلومات، فإن الخطة لا تشمل حماس ولا دولة فلسطين. ولكن هناك فارق بينها وبين "خطة ريفيرا" الأصلية، إذ يقترح ترامب في خطته الجديدة انسحاب إسرائيل من غزة، فيما لم تناقش الولايات المتحدة الأمر مع إسرائيل بعد هذا المقترح، علماً بأن خطة تل أبيب مختلفة، حيث تسعى الأخيرة إلى استمرار الاحتلال وضم الأراضي، وقدرتها على إقناع ترامب كبيرة.

من جهة أخرى، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة أخرى تم نشرها في نيويورك بموافقة 142 صوتًا، وتدعو إلى حل الدولتين. وفي نص هذه الخطة، الذي أُعد بمبادرة من السعودية وفرنسا، لم تُذكر حماس (وقد أبدت تركيا تحفظها على هذا البند)، إلا أنه تم التأكيد على أن الأزمة الإقليمية ستُحل عبر ضم غزة إلى السلطة الفلسطينية، والاعتراف بدولة فلسطين.

ما يُناقش خلف الكواليس؟

يمكنني تلخيص انطباعاتي حول الاجتماع على النحو التالي: أولاً: الخطط المعروضة على الطاولة لم تتطابق. ثانياً: القمة هي مجرد بداية، وستستمر الاجتماعات على المستوى الوزاري. ثالثاً: تطالب الولايات المتحدة دول الخليج بتقديم التمويل اللازم لإعادة إعمار غزة. رابعاً: نظرة بريطانيا وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر لمستقبل غزة هي: أن يتولى محمود عباس إدارة غزة (الولايات المتحدة لا تقبل عباس)، وتغادر حماس بجميع عناصرها إلى دولة ثالثة، ويجري تنفيذ إصلاحات في فلسطين وتشكيل حكومة تكنوقراط والاعتراف بالدولة الفلسطينية (تتحفظ تركيا بقولها "يجب دمج حماس في فلسطين"). خامساً: النقطة الوحيدة التي يمكن لجميع الدول بما فيها الولايات المتحدة الاتفاق عليها هي: تقديم الدعم المالي لإعادة الإعمار، وإنشاء قوة دولية تكون ضامنة للحدود (نظام الضمانات). سادساً: ما هو مصير الفلسطينيين خلال عملية إعادة إعمار غزة؟ إن الخطاب الذي ألقاه رئيس إندونيسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي تناول وضع سكان غزة مع إسرائيل، واختتمه بقول "شالوم" (السلام)، يشير إلى أن... بعض الدول تميل إلى الصيغة القائلة بـ "النزوح المؤقت مع ضمان العودة".

والخلاصة، إننا نشهد صراعًا بين خطط متعددة بشأن مستقبل فلسطين. لكن تظل الحقيقة الثابتة أن تهدئة التوتر في المنطقة تكمن في حل الدولتين.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!