محمد قدو الأفندي - خاص ترك برس

لم تكن الأحداث الأخيرة في المغرب إلا تنبيهًا دقيقًا ومباشرًا لكافة الأطراف السياسية والحزبية والحكومة والبرلمان من أن تقييم الأوضاع والأهداف الاستراتيجية التي تتولى الدولة القيام بها بحاجة إلى شرح مؤسساتي لكافة الفئات ومنهم جيل الشباب.

ورغم وجود بعض التلكؤ في في بعض القطاعات ومنها الصحية والتعليمية والتي لها بعض الأسباب إلا أن ذلك التلكؤ والتقصير لم يكن ناتجًا عن أخطاء أو إهمال تعمدته الوزارة المعنية بل إن ذلك التقصير ناتج عن عدم توفر الإمكانيات التي تغطي احتياجات المواطنين في تلك القطاعات الخدمية والضرورية.

تسعى الدولة في كل الأحوال إلى الارتقاء المتوازن في كافة القطاعات، ويشمل هذا السعي إلى إيجاد فرص وخلق المزيد من تلك الفرص بطرق شتى مباشرة وربما غير مباشرة، وهذه تشمل توجيه الرأي العام الأجنبي والدولي إلى فتح آفاق استثمارية تشغيلية تستفيد منها الأيدي العاملة – وبالطبع أن الكادر الشبابي هو المعني الأول بالأيدي العاملة.

وهنا يأتي دور القطاعات المختلفة. ومن تلك القطاعات البرلمان المغربي الذي يجب أن يشرح بإسهاب مغزى قيام الدولة ببعض المشاريع الاستراتيجية أو الفعاليات الوطنية كتنظيم كأس العالم داخل التراب المغربي بعد عدة سنوات، والذي تكون نتيجته توفير الكثير من الأموال وتشغيل الكثير من الأيدي العاملة.

وباعتقادي أن العاهل المغربي نوه لذلك بصورة واضحة ومباشرة، وأقصد بقيام البرلمان المغربي بدوره الحقيقي حيث قال : وهذه المسألة ليست مسؤولية الحكومة وحدها، وإنما هي مسؤولية الجميع، وفي مقدمتهم أنتم، معشر البرلمانيين، لأنكم تمثلون المواطنين.

وهي أيضا مسؤولية الأحزاب السياسية والمنتخبين، في مختلف المجالس المنتخبة، وعلى جميع المستويات في المغرب، إضافة إلى وسائل الإعلام، وفعاليات المجتمع المدني، وكل القوى المجتمعية  للأمة.

وهنا لا بد من التطرق إلى أن العاهل المغربي قد تطرق إلى مسألة قد أثارها قسم من الشباب في معرفة الجدوى من تنظيم المغرب لكأس الأمم الإفريقية وتنظيم كأس العالم في إيجاد أفضل الخدمات الصحية والتعليمية، حيث أشار جلالته إلى أنه لا ينبغي أن يكون هناك تناقض أو تنافس بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية ما دام الهدف هو تنمية البلاد وتحسين ظروف عيش المواطنين.

وبهذا السياق ذاته أشار العاهل المغربي بكل وضوح إلى مسألة مهمة جدا وهو قيام الأطراف السياسية والحزبية إلى الاهتمام وإعطاء عناية خاصة لتأطير المواطنين بحقوقهم وواجباتهم والتعريف الأهم هو تعريف المواطنين بالمبادرات الحكومية والقوانين الجديدة والمشاريع الاستراتيجية وشرحها لهم بكل وضوح ولكافة شرائح المجتمع حتى يكونوا من ضمن إطار الدولة الداعمة لتلك المشاريع، ومن الطبيعي جدا أن تكون للأحزاب السياسية والتي لها حتما ممثلون في البرلمان الدور الرئيسي في توضيح تلك المسألة بصورة مباشرة لأنهم ممثلون للمواطنين، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن البرلمان هو جزء من الإطار العام للدولة، ومن ضمن واجباتها وأولوياتها المصادقة على القوانين والمشاريع التي يقوم بها الجهاز التنفيذي في الدولة.

إن إشارة العاهل المغربي إلى هذه النقطة تفسر بصور جلية غياب الدور التعبوي والإرشادي للأحزاب، وهذا الغياب ربما لا يشمل كل شرائح المجتمع لكن من الطبيعي جدا أن يكرس لشرح مضامين المشاريع والقوانين لمن لهم الاهتمام الخاص بتلك المشاريع وأهمهم الشباب الباحثون عن فرص للعمل والمعيشة الكريمة.

إن إشارة بعض الشباب إلى جدوى وأهمية إقامة وتنظيم مباراة كأس العالم والأمم الإفريقية دون معرفة الآثار التي تترتب عليها تلك الفعاليات ونتائجها الكبيرة، والتي تدر بالفوائد المباشرة والغير المباشرة للملكة المغربية وهي كثيرة ومستدامة إلى حد ما، وربما قد تكلف المغرب بعض المبالغ لغرض التنظيم لكن الفوائد المرجوة منها ماليا بصورة مباشرة تبلغ أضعاف ما تم إنفاقه، وحتما هناك فوائد أخرى كثيرة بصورة مباشرة وبصورة غير مباشرة.

إن إشارة العاهل المغربي إلى إن هذه السنة التي نحن مقبلون عليها، حافلة بالمشاريع والتحديات: 

"وإننا ننتظر منكم جميعا، حكومة وبرلمانا، أغلبية ومعارضة، تعبئة كل الطاقات والإمكانات، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين والتحلي بمستوى الثقة الموضوعة فيكم وفي مستوى الأمانة الملقاة على عاتقكم  وماتتطلبه خدمة المواطن من نزاهة والتزام ونكران ذات"، هي دعوة صميمية لإنجاح المبادرات الوطنية لدعم الاقتصاد والتنمية.

تتضمن مشاريع المغرب التنموية الكبرى مشاريع بنية تحتية ضخمة مثل بناء الطرق السريعة والمطارات، بالإضافة إلى مشاريع استراتيجية في قطاعات الطاقة والمياه، لا سيما الهيدروجين الأخضر. وتشمل أيضًا مبادرات التنمية البشرية، وتطوير القطاع السياحي، وتشجيع الصناعة، وربط المناطق الريفية بالشبكات الأساسية إضافة إلى تجديد المطارات ومد الكثير من شبكات سكك الحديد عالية السرعة ومشاريع النقل وطرق السيارات ومشروع ميناء الداخلة الأطلسي وهناك مشاريع لإنتاج الطاقة من الرياح في الصحراء المغربية، كما تتضمن المشاريع الكبرى مشروع تحلية ماء البحر في الداخلة لإنتاج المياه الصالحة للشرب وري الأراضي الزراعية، ومن الإجراءات السريعة التي تخدم المواطنين بصورة مباشرة هو تحسين الخدمات الصحية والتعليمية من خلال إحداث المراكز الصحية وتنظيم القوافل الطبية في المناطق القروية، كما لا بد من الإشارة إلى أن المملكة تحاول جاهدة جلب الاستثمارات الأجنبية في قطاع الصناعة وتشجيع شركات تصنيع السيارات والآلات على فتح مصانع لها داخل التراب المغربي، ومن المعلوم أيضا أن المغرب يولي اهتماما خاصا بالسياحة، فالأعمال مستمرة بتطوير هذا القطاع الحيوي في المملكة.

عن الكاتب

محمد قدو الأفندي

الباحث في العلاقات التركية المغربية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس