سعيد الحاج - عربي 21
أخيراً أعلنت الأحزاب التركية المختلفة قوائم مرشيحها لانتخابات الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وسُلطت الأضواء بطبيعة الحال مرة أخرى على العدالة والتنمية أكثر من غيره، وثارت الأسئلة من جديد حول مدى قدرته على العودة إلى الأغلبية البرلمانية التي تؤهله لتشكيل الحكومة بمفرده كما اعتاد منذ عام 2002، باستثناء الفترة الانتقالية الحالية.
لقد حرص الحزب منذ اللحظة الأولى لإعلان نتائج السابع من حزيران الماضي على تصدير خطاب صريح بقبولها والعمل على أساس الرسائل المتضمنة في طياتها، لمحاولة استدراك ذلك في أي انتخابات قادمة، مبكرة أو دورية. ولعل الرسائل الأوضح التي وجهت للحزب من ناخبيه كان لها علاقة بحديث النظام الرئاسي، وعملية السلام مع الأكراد، وقوائم المرشحين خاصة المناطق ذات الأغلبية الكردية، والخطاب و/أو التعامل مع المواطن بطريقة ابتعدت عن سمت الحزب المعروف بالتواضع والقرب من رجل الشارع.
وفي تحليل الأطياف التي عزفت عن التصويت للحزب في الانتخابات السابقة وأدت إلى تراجعه بنسبة 8% تقريباً، يمكن توزيعهم على ثلاث مجموعات:
أولاً، القوميون الأتراك الذين ساءتهم طريقة إدارة العملية السياسية مع الأكراد - حزب العمال الكردستاني - واعتبروها تنازلات خطيرة أمام حزب إرهابي.
ثانياً، الأكراد، وخاصة الإسلاميون منهم، الذين درجوا على التصويت للعدالة والتنمية منذ 2002، لكنهم صوتوا في الانتخابات الأخيرة للشعوب الديمقراطي على أساس الهوية، واستياءً من خطاب الحزب الحاكم الذي تغير بخصوص عملية السلام ونفي وجود "مشكلة كردية"، فضلاً عن تجميدها عملياً.
ثالثاً، مصوتون من عموم الشعب التركي، وخاصة الإسلاميين الأتراك، الذي أرادوا إرسال رسالة احتجاج على سياسات ومواقف وتصريحات العدالة والتنمية بشكل عام، والقضايا المذكورة أعلاه بشكل خاص.
والحال كذلك، كان ينبغي على الحزب أن يحاول استدراك الأخطاء السابقة لإعادة كسب أصوات هذه الفئات الثلاث في فترة زمنية قصيرة نسبياً، وفي ظل وضع أمني واقتصادي غير مستقر.
الأصعب في الأمر كان التناقض الواضح بين المجموعتين الأولى والثانية وأسباب امتعاض كل منهما، بمعنى أن كسب أحدهما قد يؤدي إلى خسارة الآخر، وبالتالي فقد كان الحزب مضطراً للمفاضلة بينهما، على الأقل على مستوى التركيز والأولوية، ويبدو أنه قد حزم أمره.
لقد فضل العدالة والتنمية مغازلة القوميين (والإسلاميين) الأتراك، فتبنى خطاباً حاداً باتجاه الشعوب الديمقراطي، فضلاً عن الحملة العسكرية والأمنية داخل وخارج تركيا على العمال الكردستاني رداً على عملياته الأخيرة، وإشراك بعض رموز الحركات القومية في الحكومة الانتقالية، تحديداً توغرول توركيش ابن الزعيم التاريخي لحزب الحركة القومية ألب أرسلان توركيش ونائب رئيسه الحالي (قبل طرده منه)، ويالتشين طوبجو الرئيس السابق لحزب الاتحاد الكبير، بل ربما يمكن القول إن الظروف المذكورة قد أجبرت الحزب على ذلك، باعتبار أن استمالة القوميين الأتراك تبدو أقرب للمنطق والإمكانية في ظل الأوضاع الأمنية الحالية وجمود عملية السلام مع الأكراد.
من ناحية أخرى، لم يهمل الحزب تماماً أصوات الأكراد، وإن كان يعرف أن عودتها له أصعب بمراحل من أصوات القوميين الأتراك، فعمد إلى تغييرات جذرية في قوائم مرشحيه في المناطق ذات الأغلبية الكردية جنوب شرقي البلاد وفي المدن الكبرى التي يسكنونها بأعداد كبيرة، وفي مقدمة هؤلاء المرشحين شخصيات كردية معروفة وموثوقة من قبلهم، مثل الوزير السابق محمد مهدي أكر والنائب السابق محمد غالب أنصاري أوغلو.
أما المجموعة الثالثة فيحاول الحزب الوصول إليها عبر برنامجه الانتخابي وقوائمه بشكل عام والتأكيد على "العودة للجذور" أو "العودة للبداية" وهي المنظومة القيمية التي أكد عليها داود أوغلو في المؤتمر العام للحزب وفي مناسبات أخرى عديدة، وركز على التواضع مع المواطن والاقتراب منه والتحدث بلغته، فضلاً عن رسالة التجديد الواضحة.
في هذا الإطار عمد الحزب إلى تجديد كبير في أسماء مرشحيه، فدفع بـ 238 مرشحاً جديداً من أصل 550 كانوا قد ترشحوا في الانتخابات السابقة، منهم عدد كبير من الشباب، إضافة إلى 24 شخصية من قيادات الصف الأول فيه كانت قد حرمت من الترشح بسبب مادة "الفترات الثلاث" في نظامه الأساسي، وهي شخصيات لها ثقلها وتاريخها ومصداقيتها لدى الناخب التركي.
من ناحية أخرى، يخلو البرنامج الانتخابي وفق التسريبات (سيعلن رسمياً في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر القادم) من الترويج للنظام الرئاسي، ويبدو أقرب لمشاكل المواطن اليومية وهمومه الاقتصادية، مثل رواتب المتقاعدين والمشاريع الصغيرة لتوفير فرص عمل تخفض من البطالة، رغم عدم إغفاله التذكير بمنجزات الحزب على مدى 13 عاماً والتبشير بمشاريعه العملاقة على مستوى تركيا وفق رؤية عام 2023.
إذن، باختصار، عمل العدالة والتنمية على تجديد نفسه لجهة الأسماء والخطاب والبرنامج لمحاولة استعادة أصوات فقدها في المنافسة الانتخابية السابقة أملاً في العودة إلى الأغلبية البرلمانية وتشكيل الحكومة منفرداً، وهي أغلبية كان قد خسرها بفارق 18 مقعداً برلمانياً و90 ألف صوت انتخابي. بيد أن المسافة الزمنية القصيرة وضغوط الظروف الأمنية والعسكرية والاقتصادية على الحزب والناخب معاً تزيد من صعوبة المهمة ومدى قدرة الأول على إقناع الأخير بالتعديلات والتغييرات الحاصلة.
وبكل الأحوال، ورغم عدد من الإشارات واستطلاعات الرأي والتوقعات التي سنتطرق لها في المقال القادم، لن يكون بالإمكان الجزم بنتائج هذه التغييرات ومدى قبول الناخبين لها إلا مساء الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل بعد فرز الأصوات.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس