كيليتش بوغرا كانات - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
أجابت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون أوروبا وأوراسيا منذ ما يقرب العام على سؤال يتعلق بالعلاقات التركية الأمريكية بقولها إنّ تركيا والولايات المتحدة يتّفقان على الاستراتيجية الأكبر وربّما يختلفان في التكتيكات. من شأن هذا التّصريح أن يشرح طبيعة العلاقات التركية الأمريكية منذ عام، خاصّة فيما يتعلق بالأزمة في سوريا. قادة كلا البلدين صرّحوا في الوقت نفسه تقريباً في عام 2011 بأنّ على بشّار الأسد الرّحيل عن السلطة، كما استنكرت الحكومتان استعمال القوة والقتل الجماعي من قبل قوات الأسد. ومنذ ذلك الحين، استُبدِل التقاء المواقف بشأن الأزمة السورية في عام 2011 بالتّقارب الخطابيّ والتّناقُض الاستراتيجي والاختلاف التّكتيكيّ.
ساهم التصعيد التدريجي في حجم استخدام القوة من قبل نظام الأسد في السنوات الثلاث الماضية وردود الفعل المختلفة على هذه الهجمات من كلا الجانبين في زيادة الخلافات والتناقضات. وخلال هذه الفترة كان هناك تقارب في الخطاب بين الجانبين من ناحية إدانة الهجمات وكان يسود اعتقاد أنّ استراتيجية كلا الجانبين تنطلق من نفس المكان، ومع ذلك، بدأت الاختلافات التكتيكية حول تحقيق النّتيجة المرجوّة بالظهور.
أدّى استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل نظام الأسد وردّ الفعل الأمريكي إزاءه إلى شرخ كبير في العلاقات التركية الأمريكية حول سوريا. وظهرت مرة أخرى تصريحات قاسية وإدانات من الجانبين للنظام السوري. لم يتباعد الخطابان. ومع ذلك، وبعد قرار الولايات المتحدة الأمريكية عدم مهاجمة النظام السوري، بدأت التساؤلات والشّكوك حول الاستراتيجية الأمريكية في سوريا بالظّهور. ولم يكن ذلك مقتصراً على تركيا. فقد شعرت بنفس التّناقُض عدّة دول حليفة للولايات المتّحدة كانت تعهّدت بدعم العملية التي كان يفترض أن تقوم بها الولايات المتّحدة لعقاب نظام استخدم أسلحة كيميائية ضدّ مدنيين. في غضون ذلك، تصاعد الاختلاف التكتيكي بين تركيا والولايات المتّحدة بسُرعة بعد هذه الهجمات.
بعد ثلاث سنوات من التصريحات الأولى ضد النظام السوري، تواجه تركيا والولايات المتّحدة اختباراً كبيراً آخر منذ صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في المنطقة وخاصة بعد سيطرتها على الموصل بالعراق. وبرز خلاف كبير بعد الإعلان عن استراتيجية التحالف الدولي لتعطيل تنظيم الدولة والقضاء عليه. وكان الخطاب في كل من تركيا والولايات المتحدة متشابها. اعترف كلّ منهما بالتنظيم كمنظمة إرهابية يجب استئصالها من المنطقة، إلّا أنّ خلافاً كبيراً بدأ بالظهور حول كيفية التّعامل معها. فقد اعترفت تركيا بأنّ داعش نتيجة للوضع في العراق وسوريا وأنّ الحل يجب أن يكون حلّاً شاملاً يتضّمن استراتيجية للخروج. فالتحالف الدولي سيغادر المنطقة بعد العمليات العسكرية لكنّ تركيا والدّول المجاورة عليها أن تتعامل مع تداعيات العملية. القلق الأكبر لتركيا كان عدم التصريح عن كيفية التعامل مع نظام الأسد الذي يواصل قصف مراكز المدن في سوريا. ومن جانبها، رأت الولايات المتحدة أنّ داعش هي السّبب الرئيسي في الفوضى في العراق، وجزئياً في سوريا. وتبيّن أنّ داعش التي لم تكُن تُعدّ لاعباً رئيسياً في الصّراع والّتي كانت تُشكّل تهديداً بعيداً، صارت هي التهديد المباشر للولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى بعد أن شوهد قطع الرؤوس والمقاتلون الأجانب الذين تجتذبهم داعش إلى المنطقة. ولذلك اعتُبِر الحدّ من داعش واستئصالها أمراً ضرورياً للأمن الدولي. وتقدّم هذا الهدف كأولوية على إسقاط نظام الأسد. وأدّى الخلاف حول ما إذا كانت داعش هي السّبب في الصّراع أم هي إحدى نتائجه إلى فوضى في المنطقة أدّت إلى أزمة قصيرة في العلاقات.
بعد أزمة كوباني، تواجه العلاقات الثنائية بين البلدين اختباراً كبيراً آخر. فعلى الرغم من الاختلافات الجوهرية في مواقف أنقرة وواشنطن، إلا أنّ التواصل المستمرّ بين مسؤولين رفيعي المستوى من كلا البلدين صار أمراً هامّا لإحداث استقرار في العلاقات خلال الأزمة. ومع ذلك، فقد أدّت الإشارات المتضاربة من قبل واشنطن إلى مشكلة جوهرية. فقد تمّت مقاطعة الخطابات المتقاربة من قبل مسؤولين رفيعي المستوى بتصريحات أخرى من كبار المسؤولين المجهولين في تركيا. مرة أخرى، تصريحات متضاربة من أعضاء مختلفين من الإدارة الأمريكية حول طلب أنقرة إقامة منطقة آمنة، وتصريحات نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن حول موقف تركيا إزاء العراق وسوريا التي دفعته إلى الاعتذار، وكذلك التصريحات حول استخدام قاعدة إنجرليك من قبل مستشارة الأمن القومي سوزان رايس الّتي أنكرتها أنقرة، كلّ ذلك ساهم في ارتباك في العلاقات في الأيام الأخيرة.
هنالك أيضاً زيادة في التناقض من حيث الاستراتيجية. منذ أسبوعين صرّح كيري بأنّ إنقاذ كوباني ليس أولوية استراتيجية للقتال ضد تنظيم داعش، وبعد أسبوعين صرّح بأنّ ذلك أصبح أولوية للولايات المتحدة الأمريكية. وفي الوقت الذي تقترب فيه داعش من بغداد، فإنّ معظم الضربات الجوية الأمريكية موجّهة إلى كوباني.
هذا الوضع مربك لأنقرة تجاه الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. بعد لقاءات متكررة بين مسؤولين أتراك وأمريكان ومحادثات بين القادة خلال الأسبوعين الأخيرين، سيكون من اللافت رؤية نتائج هذه الاجتماعات وما إذا كان سيحدث أي نوع من التقارب في السياسات المتعلقة بداعش وسوريا. ولكن على اللأرجح أنّ أصعب مهام السّفير الأمريكي الجديد لدى أنقرة، جون باس، التّعامل مع هذه الرسائل المختلطة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس