غالب دالاي - الجزيرة الإنجليزية - ترجمة وتحرير ترك برس
في الرابع والعشرين من نوفمبر أصدر البرلمان الأوروبي قرارا غير ملزم بتجميد مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وهذه القضية ستطرح على طاولة الرأي النهائي عند انعقاد المجلس الأوروبي في ال15-16 من ديسمبر/ كانون الثاني.
وعلى الرغم من أن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا تمر بحقبة صعبة، فمن غير المرجح أن يغلق القادة الأوروبيون أبوابهم أمام تركيا عندما يجتمعون. تحول المصلحة المشتركة أكثر من إيثار الغير دون إنهاء كامل لمفاوضات الانضمام التي حققت القليل، لكنها تسير على غير هدى في الوقت الحاضر.
تتبادل تركيا والاتحاد الأوروبي الاتهامات، لكن أيا من الطرفين لا يرغب في إخفاق مشروع الانضمام، وتحمل الاتهامات.
يقول الاتحاد الأوروبي إن غياب الإصلاح في تركيا وتراجع الديمقراطية وحملة ما بعد محاولة الانقلاب تقف عقبة في طريق مواصلة المفاوضات، في حين تتهم تركيا الاتحاد الأوروبي بعدم الالتزام بعملية الانضمام، والتراجع عن تعهده بإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة دخول الاتحاد، وإصدار رد فعل فاتر على محاولة الانقلاب الساقط.
وعلى الرغم من أن هذه العوامل لعبت بالتأكيد دورا في الركود الحالي للعلاقات الثنائية، فإنها لا تفسر هذا الركود تفسيرا كاملا.
جذور الإخفاق
حدد الصراع على السلطة والمعارك السياسية ومحاولة الانقلاب الساقط المشهد السياسي في تركيا في السنوات الأخيرة. وفي هذا المناخ تختفي الديمقراطية والإصلاح بسرعة في لغة السياسة التركية.
على أن العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي تدهورت حتى قبل أن يلوح الأخير بورقة الطريق الديمقراطي، فبين عامي 2004-2007 وهي الحقبة التي تعد غالبا "العصر الذهبي" لهذه العلاقات وُضعت عضوية تركيا في الانتظار.
ويعزى ذلك إلى انتخاب أنجيلا ميركل في ألمانيا، ونيكولا ساركوزي في فرنسا، وانضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من أن تجميد انضمام تركيا قد صُور على أنه نتيجة لعدم وفاء تركيا بالمعايير الواردة في فصول الانضمام رقم 35 ، فإن السبب الحقيقي لذلك هو هوية تركيا الإسلامية التي تسبب القلق لألمانيا وفرنسا إلى جانب عدم حل المشكلة القبرصية.
هذا الرفض الثقافي إلى جانب زيادة حدة كراهية الأجانب والإسلاموفوبيا والمشاعر المناهضة للهجرة في جميع أنحاء أوروبا غذت مشاعر معاداة الاتحاد الأوروبي في تركيا، وهمشت تدريجيا الجانب الموالي للغرب في المجتمع التركي.
لم يعد لدى هذه المجموعة الأرضية الأخلاقية العالية لكي تحث الحكومة على تبني القيم الأوروبية أو دمقرطة البلاد أو إطفاء الصبغة الأوروبية عليها.
عوامل تفاقم الوضع
في السنوات الأخيرة دفعت مجموعة من العوامل تركيا بعيدا عن الاتحاد الأوروبي:
أولا يبدو أن الاتحاد الأوروبي يهدر مزيدا من الوقت في بيع القيم الأوروبية المفترضة، لكن ليس التمسك بها بالضرورة. والمشكلة أن متاجرة الاتحاد الأوروبي بالقيم لديها عملاء يتناقصون داخليا وخارجيا.
تعتمد مصداقية الاتحاد الأوروبي على كيفية تمسك دول الاتحاد الأوروبي بهذه القيم محليا أكثر من تخطيطها لها خارجيا. وباختصار كانت وجهة نظر الحكومة التركية أن أوروبا تحتاج إلى تصحيح البيت من الداخل قبل أن تلقي المحاضرات على الآخرين.
ثانيا، من وجهة نظر الحكومة التركية فقدت عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قيمتها العملية. وساهمت مواءمة التشريعات مع تشريعات الاتحاد الأوروبي مساهمة كبيرة في الحملة الناجحة للحكومة لكبح جماح البيروقراطية العسكرية في التدخل في السياسة التركية سابقا ووقف جموح الجيش وغيره من البيروقراطيات.
وعلى الرغم من أن محاولة الانقلاب العسكري الساقط قد أثبتت أن العلاقات المدنية العسكرية ليست مثالية، فإنه لا يوجد مركز قوة واحد قادر على تحدي الحكومة.
ولذلك لم تعد هناك حاجة إلى عامل رئيس خارجي للتعامل مع تهديدات الجماعات غير الديمقراطية للسلطة مثل الجيش أو جماعة فتح الله غولن الدينية.
ثالثا، ترك الصراع على السلطة في السنوات الأخيرة، ومحاولة الانقلاب الساقط أثرا في بنية الدولة التركية مما أدى إلى إضعاف المؤسسات.
وعلاوة على ذلك تستعد تركيا لتغيير النظام السياسي من نظام برلماني إلى نظام الرئاسة التنفيذية، وهذا يشير إلى أن تركيا ستكون مشغولة بالانتقال إلى نظام سياسي جديد إلى حين الشروع في إعادة هيكلة الدولة خلال السنوات المقبلة. ويبدو أن الحكومة تعتقد أن الالتزام بقواعد الاتحاد الأوروبي ستقلل من قدرة الحكومة على المناورة في هذه العملية.
وبالإضافة إلى ذلك كان أمل تيار يمين الوسط والأوساط المحافظة، تاريخيا، أن يحقق مشروع التغريب ثلاثة أهداف: التقدم الاقتصادي، والأمن السياسي الداخلي، والأمن الجيوسياسي في حالة عضوية تركيا في حلف الناتو.
لكن هناك اعترافا متزايدا بأن الهدف الأول يمكن أن يتحقق عبر ارتباطات بأجزاء أخرى من العالم، كما أنه لم تعد هناك حاجة إلى الهدف الثاني أي الأمن السياسي الداخلي في مواجهة المؤسسة الكمالية المعادية. وعلى الرغم من أن تركيا ما تزال عضوا راسخا في الناتو، فإن هناك تساؤلات متزايدة حول دور تركيا وعضويتها فيه.
وبعبارة أخرى، فإن الإدراك المتزايد لوجود نماذج تحديث بديلة، يرافقه البحث عن نماذج مختلفة للديمقراطية وليست الديمقراطية الليبرالية فقط، يقلل من جاذبية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وهذا ما يفسر جزئيا طرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول ما إذا كانت منظمة شنغهاي للتعاون يمكن أن تكون بديلا مجديا لتركيا من الاتحاد الأوروبي.
إطار جديد
على المدى البعيد سيتم التعامل مع هذه المسائل تعاملا أكثر فاعلية عندما يتوصل الاتحاد الأوروبي وتركيا بوضوح إلى حسم هويتهما ورسالتهما التاريخية وتوجهاتهما. لكن هناك إجراءات يمكن اتخاذها على المدى القصير لإنقاذ العلاقات من مزيد من التدهور.
لا يعمل إطار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في الوقت الحاضر، والاتزام به لا يولد إلا مزيدا من المشاحنات والعداء والتوتر بين أنقرة وبروكسل. ومن شأن إطار أكثر واقعية أن يضح حياة جديدة في العلاقات، مع أهداف يمكن تحقيقها وشروط يمكن أن تكون مفيدة للطرفين.
إن التمسك ببنود صفقة اللاجئين، ورفع مستوى الاتفاق الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وبذل مزيد من الجهد لتسوية الأزمة القبرصية ستضيف دينامية إيجابية في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
ما إن يتحقق ذلك يحتاج المسؤولون في تركيا والاتحاد الأوروبي إلى العمل معا لوضع إطار أكثر واقعية للعلاقات الثنائية على الطاولة بدلا بدلا من البقاء أسرى للإطار الحالي غير العملي.
لا تقل أهمية تحسين العلاقات بين الجانبين وضرورتها نتيجة للتغيرات في السياسة الدولية، بل على العكس، فهذه التغييرات سبب أكثر إلحاحا لتحسين العلاقات أو على الأقل الحفاظ عليها دون حدوث مزيد من التدهور.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس