إسماعيل ياشا - أخبار تركيا
عانت تركيا كثيرا منذ حوالي أربعة عقود من إرهاب حزب العمال الكردستاني، ولم يبق أحد من خصوم أنقرة إلا واستغل المنظمة الإرهابية ضد تركيا لإشغالها بمشاكلها الداخلية أو للضغط عليها حتى تقبل مطالب مختلفة أو تتراجع عن بعض سياساتها، إلا أن هذه الورقة الدموية أصبحت بالية بعد الضربات التي تلقتها سواء من الشعب أو من قوات الأمن، ولم تعد تخيف تركيا.
الأزمة الخليجية التي تفجرت بإعلان المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر دفعت إعلاميي هذه الدول التي تحاول فرض وصايتها على الدوحة إلى التعبير عن آرائهم وتعليقاتهم الغاضبة على رفض تركيا لمحاصرة قطر. ومن الملاحظ أن معظم تلك التعليقات تتحدث عن ضرورة دعم منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية نكاية بتركيا وردا على عدم وقوفها إلى جانب الدول الثلاث أو عدم بقائها متفرجة على الحصار الغاشم.
التعليقات التي تدعو إلى دعم منظمة حزب العمال الكردستاني ضد تركيا مثيرة للسخرية لأسباب عديدة. وأرى كثيرا من الإخوة العرب المؤيدين لموقف تركيا المشرف من الأزمة الأخيرة ينزعجون من تلك التعليقات ويغضبون، ولكني أضحك كل ما أقرأ نموذجا منها، لأني أتابع القوم عن كثب منذ مدة طويلة.
هؤلاء كل ما يغضبون على إيران يتحدثون في مواقع التواصل الاجتماعي عن دعم الأقليات القومية والمذهبية ضد طهران وتحرير الأحواز، ولكن تبقى كل تعليقاتهم مجرد هياط. نسمع منهم هذه التعليقات منذ سنين، ولم نر تقسيم إيران ولا تحرير شبر من الأراضي العربية المحتلة. بل زاد تمدد إيران لتحتل أربع عواصم عربية وأصبحت تهددهم من كل جانب. ويا ليتهم نجحوا حتى الآن في تحرير صنعاء من الحوثيين الذين يشكلون الأقلية القليلة في اليمن.
الأوراق التي يلمحون إلى لعبها ضد تركيا بما فيها ورقة حزب العمال الكردستاني سبق أن لعبتها قوى دولية وإقليمية. وتتلقى المنظمة الإرهابية جميع أنواع الدعم المالي والسياسي واللوجيستي من تلك القوى. ولذلك لن يغير أي دعم جديد للمنظمة الإرهابية والتحالف معها شيئا كثيرا، غير تدهور علاقات من يدعمها مع قوة إقليمية بحجم تركيا.
دول المنطقة كلها مهددة بالتقسيم والزوال. ومن لا يرى ذلك فليراجع الأحداث التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة ولينظر إلى الخرائط المنشورة حول تقسيم الشرق الأوسط. وهناك مثل تركي يقول: "لا تخسر البرغل الذي في بيتك وأنت ذاهب إلى دمياط للحصول على الرز"، كما يقول أحد أشهر الأمثال العربية: "من حفر لأخيه حفرة وقع فيها".
الموقف التركي من الأزمة واضح للغاية، وعبر عنه رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدريم ووزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو أكثر من مرة. ويمكن وصف هذا الموقف بــ"المحايد العادل"، لأنه ليس انحيازا لطرف ضد آخر، ولكنه في الوقت نفسه يرفض المشاركة في الظلم ويرى أن الاتهامات الموجهة إلى الدوحة لا أساس لها وأن الاجراءات العقابية التي اتخذت ضد قطر غير صائبة.
تركيا دولة ديمقراطية ذات جذور ومؤسسات، ولا تبني سياساتها على مغامرات وانفعالات. وبالتالي، ليس متوقعا أن تبالي بالهياط الإعلامي الذي يمارسه فلان أو علان، كما أنها لا تريد التصعيد، بل تريد الأمن والاستقرار في المنطقة عموما وفي الخليج على وجه الخصوص، وترى أن الاصطدام بين دول المنطقة يضر الجميع.
من يريد أن يهدد تركيا بدعم منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية أو يلوح بهذه الورقة فليعلم أنه يستعدي عليه دولة بحجم تركيا، وأن استعداء تركيا له ثمن قد يكون باهظا في منطقة تقف على توازنات حساسة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس