صالح النعامي - العربي الجديد
تعكس المناورات التي يجريها حالياً سلاحا الجو الإسرائيلي واليوناني أحد مظاهر الشراكة الإستراتيجية الآخذة بالتعاظم بين إسرائيل من جهة، ودول البلقان، وعلى وجه الخصوص اليونان، من جهة ثانية، وذلك لتعويض بعض ما فقدته تل أبيب من عوائد بعد تدهور علاقاتها مع تركيا.
فعلى مدى عقود مضت، سمحت العلاقات القوية بين إسرائيل وتركيا لسلاح الجو الإسرائيلي باستغلال الأجواء التركية الشاسعة في التدريب على تنفيذ مهام خاصة في بيئة مثالية، وهو ما لم يعد يتمتع به هذا السلاح، الذي يوصف بأنه "الذراع الطويل والقوي" لجيش الاحتلال.
وإسرائيل، التي تضع في حسابها إمكانية قيامها بقصف المنشآت النووية الإيرانية، لا سيما في حال أسفرت مفاوضات جنيف بين إيران والدول العظمى عن اتفاق لا يلبي المصالح الإسرائيلية، معنية الآن، وأكثر من أي وقت مضى، باستغلال المجالات الجوية لدول أخرى لتدريب طياريها على هذه المهمة، وفي ظروف طبوغرافية تشبه إلى حد كبير الظروف الطبوغرافية لإيران.
وعادة ما تسخر وسائل الإعلام الإسرائيلية من "الأثر المتواضع" للدبلوماسية الإسرائيلية في عهد أفيغدور ليبرمان كوزير للخارجية، غير أن الأخير تحديداً، هو الذي قاد التوجه لتطوير العلاقات مع دول البلقان، للردّ على تدهور العلاقات مع تركيا، بعد الاعتداء على سفينة مرمرة. وعلى الرغم من الأهمية التي تنظر بها إسرائيل للعلاقات مع جميع دول البلقان، فإنها تستثمر جهوداً كبيرة لتطوير علاقاتها مع اليونان، على وجه الخصوص.
ويشير المعلق السياسي لصحيفة "هارتس"، براك رافيد، إلى أن المؤسسة الأمنية والعسكرية اليونانية مارست ضغوطاً كبيرة على المستوى السياسي في أثينا للتعاون مع إسرائيل بعد توتر العلاقات بينها وبين تركيا، بسبب الصراع المتواصل بين الدولتين الجارتين حول مستقبل جزيرة قبرص. ويقول في مقال نُشر أخيراً إن نقطة التحول الفارقة في العلاقات بين إسرائيل واليونان، التي كانت من الدول القليلة في أوروبا التي تتخذ مواقف متعاطفة مع القضية الفلسطينية، قد حدثت في مايو/ أيار 2011، خلال اجتماع سري عُقد بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء اليوناني السابق يورغوس بباندريو، على هامش زيارة الأخير لروسيا.
وبحسب رفيد، فإنّ بباندريو وافق خلال هذا الاجتماع على طلب نتنياهو فتح المجال الجوي اليوناني أمام الطيران الحربي الإسرائيلي للتدريب.
وفي السياق نفسه، كانت صحيفة "يسرائيل هيوم" قد ذكرت في 25 فبراير/شباط الماضي، أن إسرائيل قامت باتصالات لاستئجار جزيرة يونانية بغرض توظيفها لإجراء تدريبات عسكرية بحرية وجوية. ويرصد المراقبون في إسرائيل أن تطور العلاقات بين إسرائيل واليونان وجد تعبيره بشكل واضح وجلي في الكيمياء الشخصية التي تجسدت بين كل من نتنياهو وبباندريو، إذ إنهما كانا يجريان اتصالات هاتفية بشكل أسبوعي.
وقد حذت دول أخرى في البلقان حذو اليونان، مثل رومانيا، التي سمحت لسلاح الطيران الإسرائيلي باستغلال قواعد سلاح الجو الروماني في إجراء التدريبات. وبعد عامين على إجراء هذه التدريبات، أوقف سلاح الطيران الإسرائيلي طلعاته في الأجواء الرومانية، بعد تحطم مروحية عسكرية إسرائيلية ومقتل أفراد طاقمها الخمسة، الذين كان من بينهم قائد سرب مروحيات مهم في السلاح.
ولا تنحصر الشراكة الإستراتيجية بين إسرائيل ودول البلقان في جانب التدريبات العسكرية، بل تتعدّاه إلى مجال تكثيف التعاون الاستخباري. وعلى الرغم من أن إسرائيل عادة ما تحيط تحركات قادة جهاز الاستخبارات "الموساد" بسرّية تامة، غير أن ديوان رئيس الوزراء البلغاري بويكو بورويسوف اختار أن يعرض صوراً في مارس/أذار 2011 يظهر فيها الأخير وهو يلتقي برئيس جهاز "الموساد" في ذلك الوقت مئير دجان.
وقد أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية في حينه أن بورويسوف، هو الذي بادر مطالباً بتعزيز أواصر التعاون الأمني والاستخباري في الزيارة التي قام بها لإسرائيل في يناير/ كانون الثاني 2011، إذ فاجأ نتنياهو عندما طلب الاجتماع بدغان للتوافق على أسس التعاون الاستخباري بين الجانبين. وتحتفظ إسرائيل بعلاقات قوية مع دول البلقان الأخرى شأن صربيا، مونتنيغرو، مكدونيا، وكرواتيا.
ويرصد المراقبون في دولة الاحتلال نوعين من العوامل التي تحفز دول البلقان على تعزيز العلاقات مع تل أبيب. فهذه الدول أولاً، معنية بالحصول على مساعدات إسرائيلية في مجال التقنيات المتقدمة بغرض دفع عجلة الاقتصاد، خصوصاً أنها تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة ومعقدة. وهذه الدول، ثانياً، تتنافس فيما بينها على الحصول على نسبة من عشرات الآلاف من السياح الإسرائيليين الذين كانوا يتوافدون إلى تركيا، وتوقفوا عن التوجه إليها في أعقاب تدهور العلاقات بين الجانبين.
إلى جانب هذين الحافزين، يشير السفير الإسرائيلي السابق لدى صوفيا، نحجال جانلر، إلى دور العوامل التاريخية والثقافية والدينية في تحفيز دول البلقان على تعزيز علاقاتها مع إسرائيل. وتنقل صحيفة "معاريف" عن جانلر قوله إن معظم دول البلقان تكن مشاعر معادية لتركيا، كونها وقعت تحت الحكم التركي المباشر لأكثر من خمسة قرون، أثناء عهد الخلافة العثمانية. ويعتبر أن تنامي الإسلامفوبيا في أوروبا جعل الكثير من النخب في أوروبا تشعر بتضامن مع إسرائيل في مواجهتها العالم الإسلامي، وضمنه تركيا.
وعلى الرغم من الرهانات على الشراكة مع دول البلقان، فإن المعلق الإسرائيلي بن كاسبيت ينقل عن محافل عسكرية إسرائيلية قولها إن العلاقة مع هذه الدول لا يمكنها أن تعوض إسرائيل على العوائد التي فقدتها بعد تدهور العلاقات مع تركيا، على اعتبار أن هذه الدول فقيرة نسبياً، إلى جانب أن سماتها الجيوسياسية والطبغرافية لا تشكل بديلاً لسمات تركيا، التي كانت تستغلها إسرائيل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس