ترك برس
مع الأسبوع الأخير من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تراجعت المخاطر التي تهدد إقليم كردستان العراق واستعادت القيادة الكردية بعض معنوياتها.
ولم يأت السبب خلف التغير الملموس في وضع الإقليم من تماسك قوات البيشمركة الموالية لأربيل، وحسب، بل ومن انعطافة ملموسة في الموقفين التركي والأميركي.
ويأتي ذلك بعد أيام من سيطرة القوات العراقية الاتحادية على محافظة كركوك، حيث لم يكن ثمة شك في أن وضع إقليم كردستان برمته أصبح مهددًا، وأن دوائر راديكالية في بغداد وطهران دعت إلى حسم وضع الإقليم عسكريًّا والإطاحة برئيسه مسعود بارزاني بالقوة.
وبحسب تقدير موقف نشره مركز الجزيرة للدراسات، فإنه لم يعد ثمة شك، في المستويين القريب والمتوسط، في أن مشروع الدولة الكردية المستقلة في شمال العراق قد انتهى.
لم يفشل مشروع بارزاني للاستقلال لأن موازين القوى لم تكن لصالحه، وحسب، بل أيضًا لأن الطبقة السياسية الكردية الراهنة لا تبدو جاهزة لتأسيس دولة مستقلة. طبقة سياسية جُلُّها غارق في الفساد وصراعات الثروة والنفوذ لا تستطيع تحمل أعباء الاستقلال.
وربما كانت استقالة بارزاني من رئاسة الإقليم الكردي، يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 2017، وقرار برلمان الإقليم بتوزيع صلاحياته على رئاسة الحكومة والبرلمان، أول المؤشرات على استجابة بارزاني للضغوط الداخلية والإقليمية، التي حمَّلته مسؤولية الأزمة التي يعيشها الإقليم منذ ما بعد استفتاء 25 سبتمبر/أيلول 2017.
لن يختفي بارزاني من الساحة السياسية الكردية، بالطبع، وهو لا يزال رئيسًا للحزب الديمقراطي الكردستاني، كما أن رئيس الحكومة، نيجرفان بارزاني، ليس سوى ابن شقيقه. ولكن أحدًا لا يمكن أن يتجاهل الدلالات الرمزية لاستقالة رئيس الإقليم.
بصورة أو أخرى، تحمل الاستقالة معنى اعتراف القيادات الكردية في أربيل بأن مسعود بارزاني لم يعد رجل المرحلة، القادر على الخروج بالإقليم من المخاطر التي تهدده. ولكن عواقب فشل مشروع بارزاني لن تظل محصورة بحدود الإقليم، على أية حال.
إنْ تحركت أنقرة لترميم العلاقات مع أربيل، وأكدت واشنطن موقفها بعدم المس بحدود الإقليم، وتحركت أنقرة وواشنطن معًا للضغط على بغداد من أجل إطلاق عملية تفاوض واسعة النطاق لإصلاح الدولة العراقية وبناء نمط جديد من العلاقات بين كافة مكونات الشعب العراقي، فربما يمكن الحفاظ على بعض من توازن القوة في الشمال العراقي، وإفشال مساعي إيران لبسط نفوذها الكامل على العراق.
بغير ذلك، سيكتشف الأميركيون سريعًا أن مراهنتهم على تعاون العبادي في جهود دفع إيران خارج العراق ليست أقل وهمًا من مراهنتهم السابقة على المالكي للعب الدور نفسه.
كما سيكتشف الأتراك أنهم، وبمحض إرادتهم، سلَّموا العراق برمته لإيران. وحتى على مستوى التأثير داخل كردستان العراق، ستظل إيران تتمتع بولاء الاتحاد الوطني. بينما تخسر تركيا ذراعها الكردية المتمثلة في بارزاني وحزبه.
والأسوأ من ذلك، بالطبع، أن تقرِّر أربيل الالتحاق بخيار السليمانية والذهاب إلى الجانب الإيراني من خارطة القوة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!