ترك برس
كتب سرحات إركمان المحلل السياسي والأكاديمي التركي لدى جامعة "أهي إفران" بولاية "قرشهير" التركية، مقالاً تناول فيه أبعاد عملية "غصن الزيتون" التي أطلقتها أنقرة في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي في منطقة عفرين السورية، وتطرق إلى تأثير العملية على موازين القوى في سوريا.
ويرى الكاتب في مقاله الذي نُشرته وكالة الأناضول للأنباء، أن تركيا أعلنت بشكل واضح جداً دوافعها الأمنية لبدء العملية، إذ لا توجد هناك شكوك حول ضرورتها وشرعيتها، حيث تعتبر أذرع "بي كي كي" الإرهابي في سوريا مصدر تهديد إرهابي بالنسبة لأنقرة على المدى القريب، وخطرا استراتيجيا على المدى البعيد يستهدف وحدة أراضيها، فضلاً عن أن أنقرة لم تستطع اتباع مسار مقرب من مسارات دول المنطقة أو الدول الكبرى المعنية بالأزمة السورية بخصوص القضاء على تهديد ميليشيات "ب ي د"، ولهذا السبب أصبحت العملية العسكرية التركية أمر لا مفر منه.
ويشير الكاتب إلى أنه منذ بدء العملية، تم التركيز على التكتيكات العسكرية بشكل أكبر من دوافع ونتائج العملية نفسها، إذ سُلط الضوء على القرى التي تشهد اشتباكات، والقوى المشاركة في العملية بدرجة كبيرة، موضحاً ضرورة مناقشة الأبعاد العسكرية للعملية بهدف إطلاع الرأي العام ورفع معنويات الشعب، وفي الوقت ذاته يجب تجنب مشاركة معلومات عسكرية حساسة لضمان نجاح العملية.
وينوّه الكاتب إلى التطورات الأخيرة الجارية، وأهمية مناقشة كيفية تأثير طبيعة العملية العسكرية المذكورة على المنطقة، مبيناً أن عملية غصن الزيتون أثرت على موازين القوى في سوريا، حيث أنزلت ضربة قاسية على محاولات "ب ي د" في كسب اعتراف رسمي دائم من الولايات المتحدة وروسيا على الأراضي السورية.
ويرى الكاتب أن فقدان "ب ي د" السيطرة على عفرين سيؤثر سلباً على مشروعها بعيد المدى بشأن إجراء تغيير ديموغرافي وتمكين نفوذها في المناطق التي سيطرت عليها بعد "داعش" إثر تلقيها دعما أمريكيا اعتبارا من عام 2014، مشيراً إلى أن السبب ذلك، أن خسارة "ب ي د" ستترك أثراً كبيراً على الأهالي، شمالي سوريا، حيث لن يكتفي نجاح غصن الزيتون بإزالة التهديد الإرهابي الذي يطال الحدود الجنوبية التركية، إنما سيساهم أيضا بحسب الكاتب، في بعث الأمل في نفوس الكثيرين ممن اضطروا للنزوح إثر سيطرة "ب ي د" على مناطقهم قبل 3 أعوام، بخصوص العودة إلى منازلهم مجددا.
ويضيف الأكاديمي التركي أن البعد الثاني من تغير موازين القوى، هو العلاقة بين "ب ي د" الإرهابي ونظام الأسد، إذ بدأت العلاقة بينهما تكتسب بعدا جديدا، بعدما أضحت وثيقة نتيجة انسحاب قوات النظام من مناطق شمالي سوريا، وتسليمها لمليشيات "ب ي د/ ي ب ك"، إذ أنه رغم اتهام نظام الأسد لقوات "ي ب ك" عقب تلقيها دعما أمريكيا دائما، إلا أن العلاقة بين دمشق والميليشيات الإرهابية تحمل طبيعة مختلفة، حيث يجد "ي ب ك" نفسه اليوم بحاجة النظام السوري لمواصلة وجودها في المنطقة، بعد أن جابهته في وقت سابق.
ففي ظل الدعم الأمريكي الصريح، والروسي الخفي، ما كانت ميليشيات "ب ي د" تسمح لقوات الأسد بدخول عفرين في الأحوال العادية، إلا أن بدء غصن الزيتون جعلها توجه دعوة للنظام السوري علانية للتدخل للدفاع عن المنطقة، ولا شك أن هذه الدعوة ستعزز من قبضة النظام السوري، كما أنها قد تفتح المجال على المدى المتوسط أمام توجه قواته نحو باقي مناطق سيطرة "ب ي د" شرقي البلاد نتيجة اتفاقيات بين الجانبين، وفقاً للكاتب.
ويشير "أركمان" إلى أن البعد التالي لعملية غصن الزيتون، هو نبذ التشكيلات المشتقة من تنظيم "بي كي كي" الإرهابي في سوريا ضمن إطار مساعي الحل السياسي للأزمة السورية، حيث تتمسك تركيا بمبدأين ثابتين للتوصل إلى حل سياسي، أولها، اعتبار استمرار الأسد في السلطة من أهم العوائق أمام إحلال الأمن والاستقرار بالبلاد، وثانيها يتمثل في أن التنظيمات الإرهابية تشكل خطرا على وحدة الأراضي السورية.
ورغم تجاهل الكثير من الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة للعلاقة بين "ب ي د"، و"ي ب ك"، و"بي كي كي" الإرهابي إلا أنه يجب اعتبار عدم دعوة "ب ي د" الإرهابي كممثل عن الأكراد إلى مؤتمر سوتشي، تطورا مهما ناجما عن عملية غصن الزيتون، إذ تعد نقطة البداية لعزل الميليشيات في المنطقة، لكن ينبغي عدم الاكتفاء بهذا القدر، إنما نقل مساعي عزل "ب ي د" لمستويات أعلى.
ويختتم الأكاديمي التركي مقاله بالإشارة إلى أن سوريا ستشهد الكثير من التطورات على هامش عملية غصن الزيتون، فمن الناحية العسكرية، قد تفتح الطريق أمام عملية جديدة في منبج، لكن يجب عدم تجاهل التطورات السياسية المحتملة أيضاً، حيث ينبغي علينا على وجه الخصوص تذكر احتمال تقدم النظام السوري في مناطق حساسة مثل الرقة ودير الزور نتيجة اتفاقيات مع "ب ي د."
(المحلل السياسي سرحات إركمان- عضو الهيئة التدريسية في جامعة أهي أوران بولاية "قير شهير" وسط تركيا)
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!