ترك برس
نشرت إذاعة "صوت ألمانيا" (Deutsche Welle)، تحقيقًا يتضمن معلومات عن أنشطة "الكيان الموازي" الذي يتزعمه "فتح الله غولن" وتصنفه السلطات التركية كمنظمة إرهابية مسلحة، وهو المسؤول عن محاولة الإنقلاب الفاشلة التي شهدت تركيا صيف 2016 وتسببت بمقتل عشرات الأشخاص.
الإذاعة الألمانية زعمت أن أنصار "غولن" كانوا متغلغلين في جهاز الدولة التركية ويستفيدون من مواقعهم، وظلوا على هذا النحو بقبول من حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى أن وقع خصام بين الرئيس رجب طيب أردوغان، وفتح الله غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية.
ووفق تحريات قامت بها (DW)، فإن تنظيم غولن "ينعم في ألمانيا بتعاطف كبير في وسائل الإعلام والسياسة وحتى لدى الكنائس الكبرى". وإنه "في المقام الأول يُنظر لأنصاره كضحايا لأردوغان. وخضوع هؤلاء الأنصار للإيديولوجية التي يروج لها فتح الله غولن لا يلعب أي دور خاص".
وبالنسبة إلى مدير الاستخبارات الخارجية الألمانية (BND)، برونو كال، يتعلق الأمر فقط "بجمعية مدنية للتكوين الديني والعلماني". وتذكر السفارة الألمانية في أنقرة في تقرير عن مصادر تركية تفيد بأن "الجزء المتآمر للتنظيم يتضح من خلال هيكل هرمي صارم ويذكر في بنيته بشكل ما من أشكال الجريمة المنظمة".
لكن ليس من الواضح ما إذا كانت الحكومة الألمانية ستتبنى هذه الرؤية. لكنها تعترف على إثر طلب إحاطة برلماني بأن "بنية تنظيم غولن غير شفافة".
هذه اللامبالاة يجسدها أيضاً جهاز الاستخبارات الداخلية الألماني: باقتراح من وزير الداخلية في ولاية راينلاند-بفالز عكفت في 2014 مجموعة عمل لعدة فروع للمخابرات الداخلية في الولايات الألمانية على مراقبة التنظيم.
وتوصلت إلى نتيجة "أنه لا توجد أدلة كافية على وجود تطلعات معادية للدستور". لكن في نفس الوقت تبين على إثر معلومات من وزارة الداخلية في راينلاند-بفالز خلال التحقيق أن كتابات غولن تحتوي "على فقرات تحتاج إلى البحث فيها بعين نقدية، من بينها حرية المعتقد، ومجال تطبيق الدين في الحياة العامة، والموقف من الملحدين".
وكان جهاز الاستخبارات في ولاية بادن فورتمبرغ قد نشر في تموز/يوليو 2014 تقريراً مفصلاً بملاحظات انتقادية حول غولن على موقعه الإلكتروني. وبعد المحاولة الانقلابية تم سحب التقرير من الموقع. وجواباً على سؤال من (DW) أوضح جهاز المخابرات أن التقرير لم يكن أبداً موجهاً إلى الرأي العام.
أن يظل تقرير حساس من الناحية السياسية طوال سنتين على الموقع الإلكتروني دون أن يلاحظ أحد في المؤسسة هذا الخطأ لا يبدو جواباً يمكن تصديقه. وتفسير مقبول يأتي في المقابل من كتلة الحزب المسيحي الديمقراطي في بادن فورتمبرغ يفيد بأن جهات حكومية تركية حثت الجانب الألماني بعد المحاولة الانقلابية استناداً إلى التقرير حول تنظيم غولن على التحرك ضدها.
وتتهم البرلمانية من حزب اليسار، أولا يلبكه، الحكومة الألمانية بـ"حماية" تنظيم غولن، وحتى الأعضاء الذين من المحتمل أنهم ارتكبوا جرائم في تركيا. وقدمت العضو في لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان، وبشكل متكرر، عدة طلبات إحاطة بما يخص التعامل مع التنظيم.
لكن يلبكه ترفض تسليم عناصر من التنظيم إلى تركيا، لأن المتهمين لن يتلقوا محاكمات عادلة هناك، "لكن يمكن محاكمتهم هنا"، حسب ما ترى السياسية اليسارية.
تركيا تقول إن العديد من المسؤولين عن المحاولة الانقلابية في صيف 2016 هربوا إلى ألمانيا. وفي منتصف تموز/يونيو نشرت صحف تركية عنوان منزل في حي نويكولن البرليني، حيث يقيم فيه أحد المخططين المفترضين للانقلاب: عادل أوكزوس الذي يقال أنه "كإمام لسلاح الجو" أصدر أوامر لضباط موالين له للتحرك في المحاولة الانقلابية الفاشلة.
وتكشف تسجيلات عن وجوده في ليلة الانقلاب في قاعدة لسلاح الجو بالقرب من أنقرة. وتطالب الحكومة التركية بتسليمه. وتعلن الحكومة الألمانية رسمياً أنها لا تعلم ما إذا كان عادل أوكزوس يوجد في ألمانيا، لكن تم فتح تحقيقات بالأمر.
وقال شخص يسكن في المنزل لـ(DW) بأنه قابل رجلاً في المنزل يشبهه كثيراً. وتفيد صحيفة "فرانكفورتر روندشاو" أن أوكزوس نقلته السلطات إلى مكان آمن.
وفي مقابلة مع القناة الأولى للتلفزة الألمانية حذر عضو سابق في تنظيم غولن السلطات الألمانية من التعامل غير الانتقادي مع هذه "الطائفة". فهي تملك "بنية هيكيلية موازية سرية"، "الشكل الخارجي" لا يتطابق مع الواقع: "ليس مجالس إدارة النوادي والجمعيات، بل الأئمة هم من يملكون السلطة.
وهؤلاء الأئمة ينحدرون من تركيا ويتم نقلهم تحت ذرائع مختلفة إلى ألمانيا، كصحفيين أو محاسبين. ويمكثون نحو ثلاث سنوات هنا".
وبحسب تحقيق الإذاعة الألمانية، يعتزم تنظيم غولن مواجهة الاتهامات في ألمانيا بمزيد من الشفافية، ولاسيما "جمعية الحوار والتعليم" مع رئيسها إركان كاراكويون تجتهد منذ الانقلاب للترويج في وسائل الإعلام الألمانية لصورة للتنظيم كمشروع مضاد لنظام اردوغان. ويقول كاراكويون بأن قيمه الدينية متوافقة مع الغرب.
لكن هذا ما يشكك فيه الكثير من الخبراء. فتح الله غولن لم يكن أبداً إصلاحياً، يقول فريدمان أيسلير من المركز الرئيسي البروتستانتي لقضايا العقيدة. فالحوار مع غير المؤمنين ليس إلا وسيلة للوصول للهدف.
وحتى الكنائس في ألمانيا لا تجد مشكلة في التعامل مع غولن. ودار هردر للنشر الكاثوليكية تصدر منذ سنوات كتباً من تأليف فتح الله غولن وأنصاره. وليس عجبا أن يقول إركان كاراكويون: "ألمانيا في طور التحول إلى مركزنا الجديد".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!