د. سمير صالحة - خاص ترك برس
الذي سيبقى في الذاكرة التركية بعد رحيل مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون هو ما قاله حول المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا في 15 تموز/ يوليو 2016 إنه لن يذرف الدموع على رحيل الحكم هناك. وقوله في آب/ أغسطس 2018 إن تركيا يمكنها إنهاء أزمتها مع الليرة "على الفور بإطلاق سراح القس الأميركي أندرو برونسون" الذي أفرج عنه بعد عامين من السجن.
قال ترامب في تغريدة له وهو يعلن قراره: "لقد أبلغت جون بولتون أن البيت الأبيض لم يعد بحاجة إلى خدماته. أختلف بشدة مع العديد من مقترحاته، وكذلك آخرون في الإدارة، ولذلك... طلبت من جون تقديم استقالته وقد تقدم بها هذا الصباح...". ورد بولتون على ترامب على الفور "لقد عرضت تقديم استقالتي الليلة الماضية وقال الرئيس ترامب دعنا نتحدث بهذا الشأن غدا".
من الممكن لأنقرة أن تعتبر استقالة/ إقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، شأنًا داخليًا أميركيًا ومسألة تعني البيت الأبيض وأن السبب هو تباعد المواقف حول مسألة التفاوض مع حركة طالبان أو بسبب تسريبه أنباء إرسال 120 ألف جندي أميركي إلى الشرق الأوسط إذا هاجمت إيران القوات الأميركية في المنطقة، أو بسبب مواقفه في التعامل مع ملف كوريا الشمالية أو انحيازه تماما لصالح إسرائيل في خطة السلام الفلسطينية-الإسرائيلية. لكن المؤكد هو أن رحيل بولتون سيكون له أثره الكبيرعلى شكل ومسار العلاقات التركية الأميركية.
بولتون كان:
- أبرز المدافعين عن الورقة الثمينة التي تملكها واشنطن وهي تواجد المتهم الأول بالمحاولة الانقلابية في تركيا قبل 3 سنوات فتح الله غولن تحت حمايتها في بنسلفانيا.
- وهو الذي قاد عملية إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتراجع عن قرار سحب القوات من سوريا، بهدف حماية مصالح الحليف الكردي ومحاصرة النفوذ التركي والإيراني هناك تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
- وأشرف على عملية إعادة رسم خطة للوضع في شرق سوريا تقوم على حماية مجموعات قسد ومنع تنفيذ التعهدات الأميركية المقدمة لأنقرة حول منبج وعرقلة هدف المنطقة الآمنة الذي تصر عليه تركيا.
- وكان يقول إن القوات الأميركية لن تنسحب من سوريا طالما أن القوات الإيرانية خارج الحدود الإيرانية لكنه كان يعمل على عرقلة التحرك التركي في سوريا من خلال القرارات والخطوات الميدانية الأمنية والعسكرية والسياسية دون تردد.
- وهو الذي قاد فريق العمل السياسي والعسكري الذي فاوض الأتراك الشهر المنصرم في أنقرة دون الوصول إلى أية نتيجة حقيقية في التعامل مع ملف شرق الفرات.
- ويدفع ثمن إشرافه على سياسة المراوغة والمماطلة باسم مركز القرار في البيت الأبيض التي أوصلت العلاقات التركية الأميركية إلى هذا الطريق المسدود في أكثر من ملف ثنائي وإقليمي.
- وكان من أنصار فرض عقوبات على أنقرة بموجب "قانون مكافحة أعداء أميركا" المعروف باسم "كاتسا" إذا ما قررت أنقرة المضي حتى النهاية في خطة امتلاك الصواريخ الروسية، والتلويح بالأوراق الاقتصادية والسياسية التي ستلعبها واشنطن ضد تركيا بسبب التحولات المهمة في سياستها الخارجية.
مشكلة بولتون كانت محاولة تقديم قراراته في سوريا على أنها قرارات ترامب نفسه وهو عمل على إقناع المبعوث الأميركي في سوريا، جيمس جيفري نفسه بها. بولتون يدفع ثمن دخوله في مواجهة مفتوحة مع أنقرة رغما عن البيت الابيض وسياساته الإقليمية وهو يفعل ذلك باسم ونيابة عن بعض العواصم وأصحاب المصالح السياسية والاقتصادية النافذين في المنطقة. ويتحمل مسؤولية إيصال العلاقات التركية الأميركية إلى هذه النقطة من التوتر والمواجهة.
بولتون كان يقول إن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها أنقرة لن ينقذها الدعم القطري "مما دفع بالمتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، للرد عليه: "إن تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، "هي بمثابة اعتراف بأن الإدارة الأميركية حوّلت شريكا لها في حلف شمال الأطلسي إلى هدف استراتيجي في حربها الاقتصادية".
للتذكير مثلا في مطلع العام المنصرم رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقاء بولتون وقال إنه لا يمكن قبول تصريحاته التي أدلى بها في تل أبيب بشأن سوريا واعتبر أن الأخير ارتكب خطأً فادحًا عندما خلط بين التنظيمات الإرهابية والكرد. "توصلنا لاتفاق واضح مع ترامب في قضية منبج ولكن أصواتًا مختلفةً تصدر من واشنطن".
لا يمكن في أنقرة تجاهل حقيقة تواجد صقر السياسة الأميركية بولتون في مجموعة مواجهة المطالب التركية في مسألة المقاتلة إف 35 وفريق الدفاع عن طرح استعداد واشنطن لدفع التعويضات المادية المطلوبة لأنقرة، ورفض إنشاء لجنة ثنائية لبحث ملف الأزمة بهدف إبعادها السريع عن المشروع. كثرهم في أنقرة الذين كانوا يرون في بولتون على رأس من يحاولون صب الزيت فوق نار التصعيد التركي الأميركي حماية لمصالح إسرائيل التي تريد أن تكون الدولة الإقليمية الوحيدة التي تمتلك هذه الطائرة في سلاحها الجوي.
بولتون يتحمل مسؤولية كبيرة في الطرح الأميركي الأخير حول إن الولايات المتحدة لن تعارض استخدام "قسد" أسلحتها للدفاع عن نفسها، إذا ما هاجمتها القوات التركية في سورية. وعرقلة خطة تركيا باتجاه ترتيب طاولة حوار لرسم خريطة طريق تسوية جديدة في سورية، مرجحا أن تكون هذه الطاولة أميركية روسية إسرائيلية عقدت قبل أشهر في تل أبيب.
بولتون كان يعرف أنه لن يعمر طويلا في منصب لم يستمر فيه أكثر من 20 شهرا خصوصا وأن ترامب سبق وأقال شخصيتين مهمتين في المنصب نفسه منذ تسلمه الرئاسة وهما مايكل فلين وهربرت ماكماستر. والاسم الذي سيخلف بولتون في هذا المنصب قد يكون مهما بالنسبة لأنقرة لكن الأهم هو هل ستستمر السياسة الأميركية في شرق الفرات على ما هي عليه أم لا؟
إبعاد بولتون قبل أيام من انتقال الرئيس التركي أردوغان إلى الولايات المتحدة للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة ولقاء الرئيس الأميركي قد يكون له أكثر من مدلول فهل سيساهم هذا القرار في إخراج العلاقات التركية الأميركية من الامتحان الصعب الذي تعيشه منذ أعوام والوصول إلى صيغة تسويات وتفاهمات جديدة بعد أزمة المقاتلة إف 35 وصفقة صواريخ إس 400 وفشل خطوة شراء الباتريوت الأميركي أم أن التصعيد سيستمر باتجاه تفجير العلاقات على أكثر من صعيد؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس