ترك برس
كشف مسؤولون لدى وزارة الخارجية التركية، عن تفاصيل حول اتفاقية ترسيم الحدود المبرمة مؤخراً مع ليبيا، وتأثيرها خلال المرحلة المقبلة على معادلة القوى المتواجدة في منطقة البحر المتوسط.
وأعلنت تركيا وليبيا، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، عن توقيع مذكرتي تفاهم، الأولى حول التعاون الأمني والعسكري، والثانية بشأن تحديد مناطق النفوذ البحرية، تهدف إلى حماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي، في خطوة اعتُبرت مكسباً لسياسات أنقرة في شرقي البحر المتوسط.
وكالة الأناضول للأنباء، نقلت تصريحات عن مسؤولين لدى الخارجية التركية، تطرقوا فيها إلى تفاصيل حول الاتفاقية.
وبحسب المسؤولين الأتراك، فإن الاتفاقية مناسبة مع القوانين الدولية والبحرية، على عكس ما تدعيه اليونان من أنها غير قانونية.
وأشارت المصادر السابقة، إلى تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو عقب توقيع الاتفاقية، والتي قال فيها إنها بمثابة حماية الحقوق التركية النابعة عن القانون الدولي.
ويحمل تحديد النفوذ البحري في شرقي المتوسط، أهمية كبيرة، نظراً لوجود العديد من الدول هناك، وهي تركيا، وسوريا، ولبنان، وإسرائيل، ومصر، وليبيا، واليونان، وجمهورية شمال قبرص التركية وقبرص الرومية.
وتواصل تركيا منذ سنوات، كفاحها للدفاع عن حقوقها النابعة من القانون الدولي في المنطقة، فيما اشتدّ الصراع شرقي المتوسط، اعتباراً من عام 2000، في أعقاب اكتشاف الموارد الهيدروكربونية فيها، لتشرع دول المنطقة في تحديد نفوذها البحرية.
بدورها، تجاهلت قبرص الرومية، حقوق القبارصة الأتراك بالرغم من عدم التوصل إلى حل لأزمة الجزيرة القبرصية، وأقدمت على إبرام اتفاقيات تحديد الحدود مع كل من مصر عام 2003، ولبنان عام 2007، وإسرائيل عام 2010، الأمر الذي عارضته أنقرة ولفكوشا بشدة.
أبرز أسباب الاعتراض هذه، هي انتهاك الاتفاقيات المذكورة الحقوق المتساوية للقبارصة الأتراك، وانتهاك الاتفاقية المبرمة مع القاهرة، حقوق الجرف القاري التركي.
وبحسب مصادر لدى الخارجية التركية، فإن قبرص الرومية عقدت اتفاقياتها مع دول المنطقة حول تحديد الحدود، انطلاقاً من مبدأ "المسافة المتساوية"، المعتمد عليه لدى بلدان اليابسة، إلا أن هذا المبدأ ليست قاعدة معتمدة في تحديد حدود الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدان.
المبدأ المعتمد في هذا الخصوص، لدى القانون الدولي والقوانين البحرية للأمم المتحدة، هو "التقاسم العادل"، ما يعني أن الجزر تنال مساحات أقل من بلدان اليابسة، فيما يخص الجرف القاري/المنطقة الاقتصادية الخالصة.
كما يتم مراعاة عوامل أخرى في تحديد الجرف القاري/المنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر، مثل مساحة الجزيرة، وطول جبهتها، وموقعها، وبعدها عن اليابسة، وهو ما يتم شرحه مفصلاً لدى المحاكم الدولية وقرارات التحكيم.
إلا أن قبرص الرومية لم تراعِ في الاتفاقيات التي أبرمتها مع بلدان المنطقة، مبدأ "التقاسم العادل"، الأمر الذي تسبب في تقلص مساحات النفوذ البحرية لدول مثل مصر، وإسرائيل ولبنان، مع أنه كان بإمكانهم الحصول على مناطق نفوذ بحرية أوسع، في حال تطبيق المبدأ المذكور الذي تشير إليه تركيا باستمرار.
في المقابل، تحمل الاتفاقية التركية الليبية الأخيرة، أهمية كبيرة من حيث إبرازها مبدأ "التقاسم العادل"، ودعمها من قبل ليبيا، انطلاقاً من تحقيق الاتفاقية لمصالحها حول النفوذ البحري.
ويوضح مسؤولو الخارجية التركية، أنه بموجب هذه الخريطة، يتوجّب عدم منح مناطق نفوذ بحرية للجزر اليونانية في المنطقة، والجهة الغربية من الجزيرة القبرصية، سوى مياهها الإقليمية، مشددين على أولوية بلدان المنطقة وهي تركيا، ومصر وليبيا في تحديد حدود الجرف القاري/المنطقة الاقتصادية الخالصة للمنطقة.
ويؤكد مسؤولو الخارجية التركية على أن أنقرة سجّلت آراءها في هذا الخصوص، خلال السنوات الـ 15 الماضية، لدى الأمم المتحدة.
وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أرسلت تركيا بلاغاً إلى الأمم المتحدة، يبيّن بشكل واضح حدودها في شرقي المتوسط، فيما تؤكد الآن على أن اتفاقيتها مع ليبيا قائمة على هذه الحدود المسجّلة أممياً.
هذا يعني أنه ليس من باب الصدفة قط، الإعلان عن الاتفاق التركي الليبي الأخير، في أعقاب البلاغ التركي للأمم المتحدة، بل إنها نتاج مباحثات شاملة.
كذلك فإن الاتفاقية المذكورة، مكسب سياسي وقانوني هام للسياسات التركية في شرقي البحر المتوسط، على الصعيد الدولي، كما أنها بمثابة رد على الانتقادات الموجهة ضد أنقرة حول "عدم قدرتها على عقد اتفاقيات مع بلدان المناطق الأخرى."
وإلى جانب اتفاقيتي تركيا مع كلّ من جمهورية شمال قبرص التركية وليبيا، هناك 3 اتفاقيات أخرى عُقدت حتى الآن حول ترسيم الحدود البحرية في شرقي المتوسط، وهي بين قبرص الرومية وإسرائيل، ولبنان ومصر، وقد عارضتها أنقرة وأعلنت عدم اعترافها بها.
في السياق ذاته، تشير ردود أفعال اليونان، وقبرص الرومية ومصر، إلى أن الاتفاقية التركية الليبية، أفشلت مخططات الثنائية اليونانية والقبرصية الرومية، ما يعني أن الكفاح السياسي والقانوني في هذا الخصوص، سيستمر لأعوام طويلة.
ويشير مسؤولو الخارجية التركية، إلى أن دعوات أنقرة للحوار والطرق الدبلوماسية، لا زالت مستمرة، لافتة إلى أهمية قبول هذه الدعوات من قبل ليبيا.
وخلص تقرير الأناضول إلى الاتفاقية التركية الليبية، تبرز كمكسب سياسي وقانوني هام لسياسات أنقرة في شرقي البحر المتوسط. صحيح أنها لا تجد حلاً نهائياً للخلافات القائمة حول مناطق النفوذ البحرية في المنطقة، إلا أنها تحمل أهمية كبيرة من حيث دعم الأطروحات القانونية والسياسية لتركيا.
كما أن تأكيد أنقرة على انفتاحها للحوار والطرق الدبلوماسية مع بلدان المنطقة باستثناء قبرص الرومية، تزامناً مع دفاعها عن حقوقها على أرض الواقع، يشكل نموذجاً للمقاربة الدبلوماسية القوية على الطاولة وعلى الأرض.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!