ترك برس - الجزيرة نت
في خطوة جديدة نحو تطبيع العلاقات المصرية التركية، التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري نظيره التركي يوم الخميس الماضي في تركيا، وذلك في إطار مساعي تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أعلن الإثنين الماضي أنه قد حان الوقت لأخذ خطوات ملموسة في تحسين العلاقات، مشيرا في تصريحات صحفية إلى إمكانية رفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مستوى السفراء.
بعد محادثات استكشافية بين البلدين منذ عامين هدأت وتيرة تحسين العلاقات، إلا أنها اكتسبت زخما بعد مصافحة رئيسي البلدين رجب طيب أردوغان وعبد الفتاح السيسي أثناء كأس العالم في قطر العام الماضي.
وتطورت العلاقات إثر زيارة وزير الخارجية المصري لتركيا وتقديم المساعدات الإغاثية لمنكوبي الزلزال المدمر في فبراير/شباط الماضي، تلتها زيارة نظيره التركي للقاهرة في منتصف مارس/آذار الماضي.
علاقات لا غنى عنها
تراجعت العلاقات الثنائية منذ عام 2013 على إثر الإطاحة بالرئيس المصري الراحل محمد مرسي، وعلى الرغم من الاحتدام على الصعيد السياسي، إلا أن العلاقات التجارية بين البلدين استمرت في مسار منفصل لا يتأثر بالخلاف على المستوى السياسي.
وحسب الأكاديمي إسماعيل نعمان تلجي، فإن العلاقات التركية المصرية تستند تاريخيا إلى خلفيات سياسية واقتصادية وتاريخية واجتماعية ثقافية عميقة الجذور.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال تلجي -الأستاذ المشارك بجامعة صقاريا التركية- إنه على الرغم من الخلافات السياسية والجيوسياسية بين البلدين في السنوات الأخيرة، استمرت العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على مستوى جيد.
وأوضح أنه خلال المفاوضات الاستكشافية، تطورت العلاقات التجارية والاجتماعية والثقافية بين البلدين، مؤكدا أن تقوية العلاقات يضيف للبلدين على عدة مستويات وسيسهم بشكل عام في استقرار المنطقة.
بدوره، قال الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية والسياسية محمد علي مرت، إن تطبيع العلاقات مهم لمصر كما هو مهم لتركيا، كون البلدين يسعيان للتغلب على الأزمات الاقتصادية لكل منهما.
وقال مرت -الأستاذ المساعد بجامعة رجب طيب أردوغان بمدينة ريزة- "بعد ثورات الربيع العربي، ضعف وزن مصر في الشرق الأوسط مقارنة بالسعودية والإمارات، ولكن وزن القاهرة سيتعزز مرة أخرى مع الانتعاش بين تركيا ومصر".
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر مرت أن تعزيز مكانة مصر واستعادتها لمكانتها كدولة مركزية سيمكنها من لعب دور أكثر فاعلية في البنية الأمنية للمنطقة، خاصة في مواجهة العدوانية الإسرائيلية المتزايدة في السنوات الأخيرة.
تطبيع قد لا يرقى للتعاون
وحسب الخبراء السياسيين فإن من أبرز الملفات العالقة في مسار تطبيع العلاقات هو المعارضة السياسية المصرية الموجودة بتركيا، وكذلك الوجود العسكري التركي بليبيا ومن ورائه ملف شرق البحر المتوسط.
في هذا السياق، يرى مرت أن وجود أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وأنشطتهم في تركيا هو من الملفات العالقة بين البلدين، مضيفا أن أنقرة تستجيب للقاهرة لتقييد أنشطة الجماعة، لكن بخطوات محدودة.
واستدرك بالقول "مع ذلك، لا يبدو أنه من الممكن حل هذه القضية بالكامل بما يتماشى مع توقعات مصر، على الأقل في المدى القصير، وهذا مؤشر على أن العلاقات ستركز على التطبيع بدلا من التعاون".
وأوضح أنه رغم تحسن العلاقات بين تركيا ودول المنطقة كالإمارات في وقت قصير، فلا يمكن توقع نفس الشيء لمصر، مع أخذ المشاكل القائمة ومسألة التوازن الإقليمي بعين الاعتبار.
وأضاف "إذا شبهنا الإمارات بسفينة صغيرة، ومصر بسفينة كبيرة، بينما تستغرق سفينة صغيرة وقتًا أقصر لتبحر في الاتجاه المعاكس، فإن هناك حاجة إلى مسافات أطول لتغير السفن الأكبر حجمًا مسارها".
أزمة ليبيا
وتطرق المتحدث التركي إلى هواجس مصر من الوجود التركي في ليبيا واعتباره مساسا بأمنها القومي، قائلا: "تريد مصر انسحابا تركيا من ليبيا كشرط مسبق للتطبيع، لكن فرض مثل هذا الشرط سيجعل المفاوضات بلا معنى".
وعلل ذلك بالأهمية الحيوية لوجود تركيا في ليبيا لأنه يضمن لأنقرة أنها لن تنفصل عن أفريقيا، لذلك لا يمكن لتركيا أن تتنازل عن هذا الموضوع، مرجحا استخدام أنقرة لسياستها الجزئية -التي تتبعها مع إيران وروسيا- مع مصر أيضا، والتي تقوم على إمكانية الشراكة في المجالات التي يمكن التعاون فيها بالرغم من وجود تعارض في مجالات أخرى.
من جهته، أضاف الأكاديمي إسماعيل نعمان تلجي أن حالة "عدم اليقين السياسي في ليبيا عامل للتوتر بين البلدين، نظرا لحالة الانقسام بين شرق وغرب ليبيا، ودعم مصر وتركيا لكل طرف على حساب الآخر"، بحسب وصفه.
وأفاد الأكاديمي التركي بأنه "على الرغم من أن التنافس بين قوتي السلطة في ليبيا يمكن حله عن طريق تقاسم مؤقت للسلطة، فإن هذا الحل سيظل مرهونا بحالة الاستقرار الداخلي ويقوضه أي خلاف بين الأطراف المتنافسة، مما سينعكس سلبا على العلاقات التركية المصرية".
وفي الوقت ذاته، أكد تلجي ضرورة تعاون مصر وتركيا كفاعلين أساسيين في مجال إعادة الإعمار السياسي والاقتصادي والأمني في ليبيا.
وأضاف "لذلك، فإن إحلال الاستقرار والسلام في ليبيا من السيناريوهات المحتملة لإيجاد حل للأزمة المحلية وإيجاد أرضية مشتركة، حيث إن للبلدين مصالح مشتركة".
عقبة شرق البحر المتوسط
تعقد المشهد السياسي في البحر المتوسط مع وجود اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، واتفاقية مشابهة أبرمتها مصر مع اليونان وقبرص في أغسطس/اب 2020.
وعلى الرغم من تعليق وزير الخارجية المصري سامح شكري وقتها أن اتفاق أنقرة وطرابلس لا يمس مصالح مصر، فإن الوضع ما زال معقدا.
في هذا السياق، يوضح مرت أن من أهم النقاط لتحلحل الأزمة وتحسين العلاقات هو "تعليق أو إبطال الاتفاقات التي أبرمتها مصر مع اليونان وجنوب قبرص ضد تركيا".
واستطرد الخبير السياسي "إن حصار الدول الغربية لتركيا عن طريق اليونان في بحر إيجة، وشراكة أميركا مع الهياكل المعادية لتركيا في شمال سوريا، يمنح تركيا شعورًا بأنها محاصرة من الغرب، وهذا يدفع تركيا إلى التقارب من روسيا".
وأضاف "لذلك، فإن تخلي مصر عن المواقف التي من شأنها أن تحد من وجود تركيا في البحر المتوسط، سيسهم في تطوير العلاقات".
تعاون إقليمي
على الرغم من الأزمات السابق ذكرها، أفاد الأكاديمي إسماعيل نعمان تلجي أن خطوات تطبيع العلاقات وتطويرها، يمكن أن تكون عامل حاسم في حل العديد من الأزمات الإقليمية في شرق المتوسط وأفريقيا، وخاصة في ليبيا.
وقال تلجي "إن تطوير القنوات الدبلوماسية وزيادة التفاعل السياسي سيمنح البلدين، اللذين تربطهما بالفعل علاقات تجارية قوية، بعض المرونة ومجالا للتأثير في السياسة الخارجية".
كما رأى المتحدث أنه "بينما يمكن اعتبار دعم مصر في قضية شرق البحر الأبيض المتوسط أمرًا بالغ الأهمية لتركيا، ففي المقابل فإن دعم تركيا -التي تعد جهة فاعلة غير إقليمية مهمة في أفريقيا- مهم لمصر في التغلب على أزمة سد النهضة والصعوبات الاقتصادية المتوقعة بسببها".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!