أ.د أحمد أويصال - الشرق القطرية

لقد عاش الأتراك والعرب معاً لفترات طويلة، لأكثر من 1000 عام على وجه التحديد. ربما لم يلتقوا كثيرا قبل الإسلام لوجود الفارسيين بينهم. لقد تناسب أسلوبهم البدوي مع الإسلام بسرعة كبيرة حيث تكيف العرب بسهولة مع الإسلام واعتنقه الأتراك لاحقاً خلال العصر العباسي. كان العرب يمثلون روّاد الإسلام خلال قرونه الأولى، بعد ذلك قاد الأتراك العالم الإسلامي، بدءاً من العصر العباسي واستمروا مع السلاجقة والمماليك والعثمانيين للدفاع عن المنطقة ضد المغول والصليبيين الأوائل والمستعمرين الذين أتوا في وقت لاحق.

إن الدين الاسلامي دين مبني على التسامح، حيث ينص الإسلام على التسامح بين المسلمين والمسيحيين أيضاً. عاش المسيحيون واليهود معا لفترة طويلة ولم يجبرهم أحد على اعتناق الاسلام والدليل كان هناك عدد كبير من غير المسلمين الذين عاشوا في البلدان الإسلامية. إن مبدأ التسامح في الإسلام يأتي من ثقة الإسلام بتعاليمه حيث يعتنق الكثير الإسلام من غير أن يكونوا مجبرين عليه. نشر جلال الدين الرومي الذي يعد أحد العلماء المسلمين التقليد الصوفي التركي الذي يمثله جلال الدين الرومي ويونس إمره والذي عمل على نشر الإسلام سلمياً في الأناضول والبلقان والقوقاز. والدليل على محاولات نشر الاسلام هو قيام الدولة العثمانية بإنقاذ اليهود أيضاً من محاكم التفتيش الإسبانية، لهذا يجب علينا تذكير الدولة الصهيونية التي تقتل المسلمين في فلسطين اليوم بما قامت به الدولة العثمانية بالسابق.

نلاحظ أن المجتمعات العربية والتركية والكردية والبربرية قد اندمجت مع بعضها لعوامل مثل التجارة والهجرة والزواج وقد استمر هذا الاندماج لأكثر من ألف عام. وكان هذا الوضع ملاحظا بشكل خاص في الفترة العثمانية حيث اتحد عرب المشرق والمغرب جنباً إلى جنب مع المسلمين الآخرين في البلقان والقوقاز. خلال الفترة العثمانية نلاحظ أيضا ظهور قبائل مختلطة مثل كورو غلو (أو قره غيلة) في شمال إفريقيا والتركمان في المشرق العربي. على مر التاريخ، قام العرب بالانتشار للعمل على نشر الإسلام على طول الطريق إلى آسيا الوسطى وأفريقيا والأندلس. هناك ما يقارب 2 مليون مواطن تركي من أصل عربي إلى جانب 3 ملايين سوري في تركيا اليوم. كما يجتمع ملايين المسلمين في موسم الحج.

عندما نتحدث عن الثقافة، يجب أن نسلط الضوء على أن اللغة تلعب دوراً مهماً في توحيد الشعوب. بعد قبول الإسلام، تأثرت اللغتان التركية والفارسية بشكل كبير باللغة العربية. حيث تبنوا الحروف العربية واستعاروا العديد من المفردات. ونلاحظ أيضاً تأثيراً مشابهاً ولكن أقل بالنسبة للغة التركية. كان هناك حوالي 20 ألف كلمة عربية في اللغة التركية العثمانية ولا يزال هناك حوالي 10 آلاف كلمة بعد عملية التنقية التي مرت بها اللغة التركية «التركية الخالصة» التي نفذها النخب الكمالية. بعد هذا التغيير رأينا جهوداً مماثلة من قبل الحكومات القومية العربية.

الذوق الفني المشترك أو المتشابه هو جسر آخر بين العرب والأتراك حيث ان موسيقاهم وطعامهم ولباسهم متشابهون جداً بفضل الإسلام والاختلاط المستمر لفترات طويلة. على سبيل المثال، من الصعب التمييز بين الموسيقى الكلاسيكية التركية والعربية حيث يوجد العديد من الأغاني المتشابهة. إلى جانب الموسيقى الكلاسيكية والشعبية وموسيقى البوب في تركيا، لدينا نوع فريد من الموسيقى يسمى أرابيسك يمزج بين النغمات والإيقاع الموجود في الثقافتين التركية والعربية. خلال أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، كانت الموسيقى والسينما المصرية تحظى بشعبية كبيرة في تركيا. واليوم، تحظى المسلسلات التركية، بما في ذلك مسلسل أرطغرل، بمتابعة قوية في العالم العربي، وتشكل جسراً ثقافياً آخر.

نحن بحاجة إلى ذكر الطعام والسياحة أيضاً كجسر ثقافي بين العالم العربي وتركيا. حيث تجذب تركيا عدداً كبيراً من السياح العرب وبدأ العديد من الأتراك في زيارة الدول العربية أكثر فأكثر بالإضافة إلى أولئك الذين يذهبون إلى الحج. فيعد الطعام أيضا عاملا موحدا بين الشعبين وذلك لتشابهه بشكل كبير، ومثال على ذلك الكباب والبقلاوة الموجودة في كلا الثقافتين. لا حاجة لذكر نمط اللباس المتشابه وذلك لأن الأشخاص يتبعون نظام اللباس الذي يحث عليه الإسلام. فمثلاً القفطان هو مثال على التشابه في اللباس، حيث يمكنكم العثور عليه في أفغانستان وصولاً إلى المغرب. ولابد من الذكر أنه عندما يزور السياح العرب (وخاصة النساء) تركيا يجدون الكثير من الخيارات بالنسبة للأطعمة واللباس. في الختام نحن بحاجة إلى تعاون لاستكشاف الخصائص المشتركة ولتصحيح سوء الفهم الذي قد ينتج عند اجتماع الثقافتين وللترويج للثقافة العربية في تركيا.

عن الكاتب

د. أحمد أويصال

مدير مركز أورسام لدراسات الشرق الأوسط وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس