تقرير ديلي صباح - ترك برس
اجتمع وفد من تنظيم الدولة (داعش) مع قادة للجيش السوري في حقل لإنتاج الغاز في منطقة الشدّادي بالحسكة في 28 أيار/ مايو الماضي. لم يكُن لقاء الطرفين المتحاربين لوقف القتال بينهما، ولكن للتركيز على عدو مشترك وهو الثوار السوريون، وخاصة الجيش السوري الحر المدعوم غربيًا، والذي حقّق مؤخرًا مكاسب ضد نظام الأسد في إدلب وحلب ودرعا، حسبما ذكر مصدر في جهاز الاستخبارات التركي طلب عدم كشف هويته لصحيفة ديلي صباح.
انتشرت مزاعم في الفترة الماضية حول عمل تنظيم الدولة (داعش) لمصلحة إيران أو نظام الأسد، إلا أنّ نظريات المؤامرة هذه افتقرت لأي دليل. ورغم ذلك، بالنظر إلى ظروف الحرب تبدو التفاقيات المحلية والمؤقتة أمرًا ممكنًا. كلّ من نظام الأسد وتنظيم الدولة (داعش) يكنّان الكره لمجموعات الثوار، يعدّ النظام الثوار إرهابيين وقد دخل حربًا طاحنة معهم. في حين ترى داعش الثوار عقبةً عامةً في طريقها لتأسيس دولتها الجديدة المبنية على فهم متشدّد للتشريع الإسلامي في العراق وسوريا.
كشف المصدر الاستخباراتي لصحيفة ديلي صباح أنّه وفقًا للصفقة، سيتعاون نظام الأسد وداعش في مناطق معينة، خاصة المناطق التي يواجهان فيها مصاعب مع الثوار السوريين مثل شمال حلب، وفي الوقت الذي تُكثّف فيها داعش هجماتها على الجيش السوري الحر، سيكثّف النظام كذلك من ضرباته الجوية. علاوة على ذلك، طلب نظام الأسد من داعش استهداف بعض قادة الثوار بالتحديد مثل قائد جيش الإسلام في الغوطة بريف دمشق زهران علوش. وكهدية في مُقابل تعاون داعش مع النظام ضد الجيش الحر، سيعطيها النظام بعض المدن مثل تدمر والسّخنة. ومُقابل تعاون النظام ستواصل داعش بيع النفط من خلال خطوط الأنابيب والشاحنات.
اتّضح من التطورات الأخيرة أنّ هناك نزاعًا بين الطرفين على المناطق الكردية. أوضح المصدر الاستخباراتي أنّ ممثلي نظام الأسد رفضوا سيطرة داعش على المناطق الكردية، من منطلق أن نظام الأسد وقوات الحماية الشعبية (YPG) التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وقّعا صفقةً في السابق تضمن عدم نشوب قتال بين الطرفين وأنّ قوات النظام ستترك السيطرة على المناطق الكردية للقوات الكردية.
وأبلغ المصدر صحيفة ديلي صباح بأنّ نظام الأسد وداعش وقّعا اتّفاقية تتضمّن أربعة بنود. وفي حين تمّت مناقشة ستّ بنود للاتفاقية، إلا أنّ الطرفان أجّلا مناقشة أحدها إلى وقت لاحق، ولم يتّفقا على بند آخر. ويظل وجود التعاون والنزاع بين الطرفين في الوقت نفسه دليلًا على أنّ الاتفاقية مؤقتة وتركز على العدو المشترك.
وفقًا للمصدر فإنّ مسؤولَين اثنين من النظام حضرا الاجتماع، وهما طلال العلي ورئيس الاستخبارات العسكرية في القامشلي العقيد أحمد عبد الوهاب. وقد رتّب الوفد اللقاء بعد تكليفه من قبل رئيس مكتب استخبارات الأمن القومي علي مملوك بإقناع داعش بزيادة هجماتها باتجاه الجيش الحر. ويُتّهم مملوك بالتّجسس لصالح مجموعات ثورية والتحالف مع مجموعات أخرى. وإلى الآن، ووفقًا للمعلومات المتاحة كما أوردت الصحيفة، يقوم مملوك بتنظيم لقاءات للتعاون المحلي مع مجموعات مختلفة ضد مجموعات أخرى.
حضر اللقاء عن داعش ثلاثة أشخاص حصلت صحيفة ديلي صباح على أسمائهم، وهم فيصل غانم أبو محمد، وأبو رمزي والمحامي فضل السليم أبو مصطفى، وهي في الغالب أسماء مستعارة حيث أن أعضاء داعش لا يقدموم مزيدًا من المعلومات عن أنفسهم. وحتى أعضاء التنظيم يملكون قدرًا محدودًا من المعلومات عن أُمرائهم وقادتهم.
وفق صحيفة ديلي صباح ونقلًا عن المصدر الاستخباراتي، اتّفق الطرفان على البنود الأربعة التالية:
1- تسليم تدمر والسّخنة لتنظيم داعش مع مخازن ممتلئة بالأسلحة
تُعدّ كلّ من تدمر والسّخنة ذات أهميّة استراتيجية لتنظيم الدولة (داعش) لتعزيز قوته في سوريا من خلال سيطرته على مدن في وسط البلاد وعلى تقاطع خطوط أنابيب الغاز والنفط. ولم تتمكن القوات الموالية لنظام الأسد التي فقدت السيطرة في الشمال وحول تدمر من السيطرة على المنطقة، حيث كان الجيش السوري الحر وقوات ثورية أخرى تحاول السيطرة عليه. استهدفت داعش السيطرة على المنطقة وتمكّنت من ذلك دون أن تواجه مقاومة جدية من قوات النظام.
بعد السيطرة على تدمر قامت داعش بتدمير الحدود بين سوريا والعراق. وقبل الاجتماع بأسبوع، كان مقاتلو داعش قد سيطروا على قرى في المناطق الريفية المحيطة. وفي 22 أيار/ مايو، نقلت قناة العربية أنّ مقاتلي داعش سيطروا على الجانب السوري من معبر الوليد الذي يربط العراق بسوريا. ونتيجة لذلك، علِقت قوات نظام الأسد واختارت عدم القتال، وتركت خلال انسحابها نقطة استخباراتية ومطارًا عسكريًا.
بعيدًا عن تدمر، تُعدّ السخنة كذلك مدينة استراتيجية. في 18 آذار/ مارس، نقل موقع (syriadirect.org): "يعُدّ النظام السّخنة آخر خطّ دفاع بين احتلال قوات داعش المدينة من الشمال وسيطرة قوات نظام الأسد على تدمر في الجنوب. وإنّ نصرًا من قبل داعش سيمنحها وصولًا إلى أحد أغنى المناطق بالنفط والغاز في البلاد، ما يُعدّ مكسبًا كبيرًا للتنظيم في وقت تعاني فيه الدولة من أزمة حادّة في الوقود مع مواصلة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة قصف منشآت إنتاج النفط في دير الزور والحسكة والرقة".
وقد وافق نظام الأسد، الذي يعاني من تقدم الثوار في شمال دمشق، وإدلب ودرعا، على منح المدينتين لتنظيم الدولة. إلا أنّ مطالبه كانت واضحة في البند الثاني.
2- تواصل داعش بيع النفط للنظام من خلال خطوط الأنابيب والصهاريج
لن تقطع داعش، وفقًا للصفقة، الطاقة عن نظام الأسد وستواصل بيع النفط من خلال خطوط الأنابيب التي تصل إلى المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد ومن خلال الصهاريج التي ستنقل النفط إلى المناطق التي تعرضت فيها خطوط الأنابيب للدمار أو الضرر. ويُذكر أنّ تدمر مهمّة بسبب موارد الغاز الموجودة فيها.
ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان الشهر الماضي أنّ تنظيم الدولة يسيطر على نصف سوريا. ومن خلال سيطرته على تدمر وتوحيده الحدود بينها وبين الموصل، بات التنظيم يسيطر على موارد الطاقة الرئيسية في الدولتين. وقد فقد نظام الأسد نصف موارده من الغاز والطاقة الكهربائية تقريبًا بعد تقدّم داعش.
يُدرِك تنظيم الدولة أهمية الموارد الطبيعية وأنّها قد تمنحه قوة أكبر من تلك التي قد يحصل عليها من خلال القتال. سيُضطر نظام الأسد للتعاون مع التنظيم عندما يسكون مسيطرًا على حقول غاز ونفط رئيسية. وفي تعليق له على أهمية تدمر، كتب يزيد صايغ في مقالة منشورة على موقع مركز كارنيغي في 8 حزيران/ يونيو قائلًا: "كان يُتوقع أن يصل إنتاج الحقول في منطقة تدمر إلى 9 ملايين متر مكعب من النفط الخام يوميًا. تتضمن هذه الحقول آراك ودبيسان والهيل وحيّان وجحار والمهر ونجيب والسُخنة وأبو رباح، التي تنتج بمجموعها وفقًا لمصدر مطّلع كان يعمل سابقًا في القطاع نصف إنتاج سوريا من الغاز الطبيعي الخام وغاز البترول المُسال. إضافة إلى ذلك، تُشكّل تدمر نقطة عبور لخطوط الأنابيب التي تنقل الغاز من الحقول المهمة في محافظتي الحسكة شمال شرق سوريا ودير الزور شرق البلاد".
3- ستهاجم داعش المناطق التي يسيطر عليها الثوار وستنفذ قوات الأسد ضربات جوية
وفقًا للاتفاقية، سيهاجم تنظيم الدولة (داعش) المناطق التي يسيطر عليها الثوار في شمال حلب، خاصة إعزاز، وستكثف قوات الأسد ضرباتها الجوية عليها.
بعد هزيمة تنظيم الدولة من قبل القوات الكردية في تل أبيض، استهدف التنظيم إعزاز التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر، وهي مدينة ذات أهمية استراتيجية قرب الحدود التركية. أبلغ ناشط مقرب من حركة أحرار الشام طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، صحيفة ديلي صباح أنّ هجمات النظام وداعش مُتزامنة. وقال: "عندما بدأ مقاتلو داعش بترويع القرى القريبة من إعزاز وفي ريف حلب، بدأ النظام بإسقاط المزيد من البراميل المتفجرة. وحتى الأسبوعين الماضيين كان النظام قد خفف من ضرباته الجوية حين كانت قوات المعارضة تستهدف مناطق جديدة قريبة من اللاذقية ودمشق. وبعد مُغادرة داعش تل أبيض بقليل من المقاومة، بدأت طائرات قوات الأسد بالتحليق فوق إعزاز".
كما أشار مصدر سوري طلب عدم ذكر اسمه إلى أنّ داعش لا تقاتل ضد نظام الأسد، فهي تقاتل مجموعات المعارضة فقط وتتسبّب أثناء ذلك بضرر للمدنيين العالقين وسط القتال. وادّعى المصدر ذاته أنّ هناك اتفاقية مخفية أو ضمنية بين داعش ونظام الأسد وإيران، حيث يستفيد نظام الأسد وداعموه من التزامات داعش. وكمثال على ذلك، قال: "قبل سيطرة داعش على الرقة، كان نظام الأسد يقصفها باستمرار. وحين سيطرت عليها، توقف القصف".
وذكر مُحرر موقع "سيريا إن كرايسس (Syria in Crisis)" آرون لَند لصحيفة ديلي صباح أنّه لا يعتقد بوجود أي شكل من أشكال التعاون المنظم بين تنظيم الدولة ونظام الأسد، لكنّه أضاف أنّه ربّما يكون هناك تعاون محلي. وقال: "ربّما يكون بالطبع هناك ترتيبات محلية بين قادة محدّدين، مثلًا بين كبار العشائر من كلا الطرفين الذين يجمعهما سابق معرفة، والتفاهمات غير الرسمية حول الخطوط الحمراء، بالنظر إلى أن الوضع قد يكون هادئًا لفترة طويلة على بعض الجبهات".
في حين رأى مدير مركز دراسات الشرق الأوسط جوشوا لانديس أنّه لا يعلم إذا كان نظام الأسد وداعش يتعاونان في منطقة حلب حتى إذا كانا يتقاتلان في تدمر وحمص ودير الزور والقلمون. لكنه أضاف أن أي مجموعة قد تتعاون مع المجموعة الأخرى مشيرًا إلى أنّه لا يستبعد احتمال حدوث ذلك.
4- في حال نجاح تنظيم الدولة بهزيمة الثوار في الشمال، سيعطيها نظام الأسد السويداء أو السلمية
وفقًا لمعلومات حصلت عليها صحيفة ديلي صباح، فقد وعد نظام الأسد داعش في حال نجاحها بطرد الثوار من الشمال، فإنّه سيعطيها مدينة السويداء التي تسكنها الأقلية الدرزية، أو مدينة السلمية وسكّانها من الشيعة من الطائفة الإسماعيلية.
تمكّن تحالف الثوار "جيش الفتح" من تحقيق سلسلة انتصارات في إدلب منذ بداية شهر نيسان/ أبريل بعد إنهاء الخلافات الداخلية، وتوحّدهم وتركيزهم على التقدم باتجاه اللاذقية. كما أحرز الثوار مؤخرًا أكبر مكاسب منذ بداية الحرب في عام 2011 بسيطرتهم على إدلب وجسر الشغور وأريحا وأجزاء كبيرة من درعا.
إنّ من شأن المدينتين في حال منحهما نظام الأسد لتنظيم الدولة أن تزيدا من المساحة التي يسيطر عليها التنظيم قرب الحدود التركية في حال السلمية،أو في جنوب سوريا في حالة السويداء، وفي كلتا الحالتين لا بدّ أن يمر التنظيم بالثوار.
وقد وعد نظام الأسد، الذي يتّهم الثوار بقمع الأقليات، بإعطاء الدولتين لداعش وتمهيد الطريق لارتكاب مجازر بحق الدروز والإسماعيليين اللذان تعدّهما داعش مشركين.
كان هناك موضوعان آخرين وفقًا للمصدر، أُجِّل التفاوض في أحدهما وظلّ الآخر مستشكلًا.
1) اغتيال زهران علوش
بعد الموافقة على البنود الأربعة، اتفق الطرفان على تنظيم لقاء آخر حول كيفية اغتيال قائد جيش الإسلام الذي يعمل في الغوطة ودوما بريف دمشق، ويقاتل داعش في جبال القلمون زهران علوش. طلب النظام من داعش وفقًا للمصدر قتل علوش، وقبلت داعش المهمة، إلا أنّ الطرفين اتّفقا على اللقاء مجددًا حينما تقرر داعش كيفية الاغتيال.
يُعرف جيش الإسلام بقيامه بعمليات ناجحة ضد قوات نظام الأسد وحزب الله قرب دمشق. ذكرت مقالة منشورة في مجلة فورين بوليسي في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2013 أنّ جيش الإسلام وُصِف بأنّه الطرف الفائز بعد نجاحه بتوحيد أكثر من 50 مجموعة تحت مظلّته. تشير المقالة إلى أنّ الولايات المتحدة ودول الخليج، وبشكل خاص السعودية، وفّرت دعمًا لجيش الإسلام. وتضيف أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتمنى أن يوقف جيش الإسلام صعود المجموعات المتطرفة في سوريا.
ويقول تقرير لوكالة رويترز بتاريخ 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2013: "إنّ تشكيل جيش الإسلام بقيادة زهران علوش - القائد السابق للواء الإسلام - على الحدود الشرقية للعاصمة يقوّي المقاتلين السلفيين الذين يدينون بالولاء للرياض ضد داعش". ويضيف التقرير: "في الوقت الذي يتمنى فيه السعوديون تجنّب المواجهة المباشرة بين المقاتلين ورفقائهم، فإنّهم يدفعون المقاتلين السلفيين المحليين للانضمام إلى التشكيلات التي تدعمها السعودية، بما فيها اقتراحًا لجيش وطني سوري". وبالمُجمل فإنّ جيش الإسلام كان يُفترض أن يُوقف داعش والمجموعات المرتبطة بالقاعدة وأن يُزعِج النظام. ويُذكر أنّ كلًا من داعش والنصرة ليسا فعّالين في الجنوب.
2) داعش تريد الحسكة، والنظام يرفض
كان البند الذي لم يتفق عليه الطرفان الإقليم الكردي، وخاصة الحسكة، التي تعدّ مركز الممر بين المناطق التي يسكنها الأكراد. يريد تنظيم الدولة السيطرة على الحسكة لكسر قوة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) في المنطقة لتأمين الشمال في الوقت الذي يهاجم فيه الجيش السوري الحر شمال حلب. ومع ذلك، وفقًا للمصدر، طالب ممثلو نظام الأسد تنظيم الدولة بعدم مهاجمة المناطق الكردية بالنظر إلى اتفاق نظام الأسد وحزب الاتحاد الديمقراطي السابق على أن تظل الحسكة بين قوات الحماية الشعبية (YPG).
ومع ذلك، لم يقبل تنظيم الدولة مطلب نظام الأسد وهاجم الحسكة. واندلع اشتباك آخر بين التنظيم ونظام الأسد قرب حماة في منطقة الشيخ هلال. يقول مقاتل في أحد الميليشيات المؤيدة لنظام الأسد: "قُتِل في الاشتباكات 40 مواليًا للنظام، بما فيهم جنود وأعضاء من قوات الدفاع الوطني". وقد يكون الاشتباك الأخير مؤشرًا على أن التعاون بين نظام الأسد وداعش ليس ساريًا في كل أنحاء سوريا، وإنّما يقتصر على أهداف محدّدة لتدمير الجيش السوري الحر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!