د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا
بدأت مؤشرات التحول في مسار العلاقات التركية الأميركية تظهر إلى العلن. من "نحن في حالة حرب مع أميركا"، و"هناك من يهمّه توتير العلاقات التركية الأميركية ودفعها نحو الانفجار". وتساؤل هل تتغيّر خارطة التحالفات والحسابات التركية في سوريا والعراق بسبب سياسة واشنطن المتعارضة مع مصالح أنقرة؟" قبل 3 أشهر بالتحديد. إلى الحديث عن "الآلية الاستراتيجية" التي تم تفعيلها قبل أسابيع بين البلدين والتي وصفت بالأكثر حيوية وإيجابية بعد مرور 3 سنوات من التفاوض التركي الأميركي.
الضوء الأخضر التركي أمام عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي، ثم موافقة الكونغرس على بيع طائرات مقاتلة من طراز إف-16 إلى تركيا. ثم زيارة جين شاهين وكريس ميرفي العضوان بمجلس الشيوخ الأميركي من الحزب الديمقراطي إلى تركيا وإعلان ميرفي أن "هناك الآن زخما كبيرا في العلاقات الثنائية".
احتمال كبير أن تكون المحادثات التي أجراها رئيس جهاز الاستخبارات التركية إبراهيم كالن مع نظيره الأميركي ويليام بيرنز، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، والتي تزامنت مع جولة من المفاوضات السياسية بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره التركي هاكان فيدان في واشنطن، هي الأكثر صراحة وتفصيلا، ولكن أيضا الأصعب على الجانبين، بشأن رسم معالم خارطة المسار الجديد في العلاقات التي توترت لسنوات بسبب الملف السوري والتقارب التركي الروسي والتباعد بين أميركا وتركيا في التعامل مع ملفات إقليمية يتقدمها حوض البحر الأسود وإيجه وشرق المتوسط.
تريد أنقرة أن تعرف سريعا نتائج محادثات الجنرال إريك كوريلا، القائد العسكري الأميركي الأعلى في الشرق الأوسط، مع مجموعات "قسد" في شمال شرق سوريا. وهي لن تكتفي بما يردده البعض في شرق الفرات حول "المخاوف من انسحاب عسكري أميركي وأن يتم التخلص من دورهم هناك". أو ما أعلنه محمود مسلط، "الرئيس المشارك لمجلس سوريا الديمقراطية"، "لقد طلبنا من الولايات المتحدة وقف هجمات تركيا، لكنهم رفضوا ذلك". رسائل فيدان بعد لقائه مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان واضحة بهذا الخصوص "على الحليف الأميركي أن يقطع علاقاته بحزب العمال الإرهابي". بعد تصريحات وزير الخارجية التركي بساعات كانت الأجهزة الاستخباراتية التركية تعلن عن رفع عدد كبار كوادر حزب العمال الذين تم تصفيتهم خلال 10 أيام إلى 4 أشخاص. الرسالة هي لقسد والسليمانية وبغداد، لكنها تعني واشنطن التي تتجاهل حركة العبور على خط شمالي سوريا والعراق.
واضح تماما أن المفاوضات التركية الأميركية تحتاج إلى قوة دفع حقيقي بناء على التصريحات الأخيرة للرئيس رجب طيب أردوغان الذي جدد تمسك بلاده بإقامة منطقة أمنية على طول الحدود التركية - السورية بعمق يتراوح بين 30 و40 كيلومتراً، "لدينا استعدادات ستسبب كوابيس جديدة لأولئك الذين يعتقدون أنهم يمكن أن يجعلوا تركيا تستسلم من خلال إقامة إمارة إرهابية على طول حدودنا الجنوبية" و"نحن نعرف جيدًا كيف يتم محاولة تمزيق سوريا أمام أعيننا وتحويلها إلى ميدان لأيديولوجيات معينة".
بالمقابل تتمسك واشنطن بمطلب فسخ خطوات التقارب التركي الروسي وضرورة التزام أنقرة بقرارات تضييق الخناق والعقوبات المالية والتجارية على موسكو. أنقرة بين خيارين اليوم إما الانفتاح على ما يقوله عضو الكونغرس الأميركي شاهين حول أن تركيا لن تحاول الالتفاف على العقوبات الغربية ضد روسيا، أو أنها ستستجيب لنداءات روسيا حول إنهاء الخلافات البنكية ومنح موسكو التسهيلات التي تريدها كما طالب بذلك السفير الروسي في تركيا اليكسي إرخوف.
الأوراق الروسية في سوريا هي الأقوى اليوم. المقايضات التركية الأميركية في شرقي الفرات لن تكفي ولن تسهل موسكو تمريرها إلا إذا حصلت على صفقة سياسية في مكان آخر. انسحاب أميركي من شرقي الفرات لن يعطي تركيا كل ما تريد ولن ينهي مشاكلها في سوريا. هي تريد إجابات واضحة حول أسئلة محددة: ملف المحتجزين من عناصر داعش في شرقي الفرات، سلاح قسد ومصيره. شكل خارطة سوريا السياسية والدستورية الجديدة وخطوات المرحلة الانتقالية. النفط والغاز السوري في خطط الطاقة الإقليمية المرتقبة.
لو لم يكن هناك ما يستدعي ذلك لما كنا رأينا كل هذا الحراك السياسي الدبلوماسي الواسع في الأسبوعين الأخيرين. فيدان وكالن في واشنطن. زيلينسكي في تركيا. لافروف في أنقرة قبل أيام. هل تكون أوكرانيا هي حجر المقايضة التي قد تضع الملفين السوري والأوكراني على طاولة الشطرنج الثلاثية التي تجمع أنقرة وموسكو وواشنطن؟ لن يسهل بوتين لتركيا أي تقارب مع واشنطن على حساب مصالح بلاده في سوريا. واشنطن أيضا التي تعرف ذلك لن تقدم على خطوة سحب جنودها من شرقي الفرات قبل أن ترى بالعين المجردة من سيملأ هذا الفراغ. هي سمحت لإيران أن تفعل ذلك قبل عقد في العراق. هل تكرر ما فعلته في سوريا هذه المرة؟ الإجابة قد تكون عند واشنطن ربما، لكنها قد تكون عند أنقرة وموسكو أيضا.
عاد موضوع عرقلة البرلمان التركي في آذار 2003 خطط العبور الأميركي عبر تركيا باتجاه تنفيذ عملية غزو العراق إلى قلب المشهد السياسي التركي اليوم. هل تكون التفاهمات بين أنقرة وواشنطن على إزالة حقبة عقدين من الزمن والعودة إلى كلاسيكية العلاقة التركية الغربية وضرورة موازنة النفوذ الإيراني والروسي في الإقليم عبر تفعيل الدور الإقليمي التركي قد اكتملت؟ وهذا ما دفع أقرب أعوان أردوغان للتوجه إلى العاصمة الأميركية؟ حصة أنقرة كبيرة في مسألة دبلوماسية الأبواب الخلفية بين الغرب وروسيا. هذا ما تعرفه واشنطن قبل غيرها من العواصم الأوروبية. توقيت كل هذا الحراك التركي السياسي والدبلوماسي على أكثر من جبهة هدفه تسجيل اختراق في الملفات الإقليمية الساخنة والمجمدة أيضا.
ينصح أحد كبار علماء الطب النفسي الأتراك نوزات تارهان المقبلين على الزواج من الشباب أن يكون لهم 6 أعين و6 آذان قبل الإقدام على خطوة الزواج، أما بعد ذلك فعليهم أن يكتفوا باستخدام عين واحدة وأذن واحدة في أكثر الأحيان. العلاقة التركية الأميركية لا يمكن أن تسير باتجاه مغاير إذا ما كان هناك رغبة في استمراريتها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس