ترك برس
تباينت آراء الخبراء والمحللين بشأن الموقف الإيراني غير المتوقع من الاتفاق الأمني الذي وقعته تركيا مع العراق وينص على التعاون في مكافحة تنظيم "حزب العمال الكردستاني" (PKK) المصنف في قوائم الإرهاب.
وفي هذا الصدد، يقول الكاتب والمحلل العراقي عبد اللطيف السعدون، إنه بعد عمليتي "مخلب النمر" و"مخلب النسر" اللتين نفّذتهما القوات العسكرية التركية داخل الأراضي العراقية، وكانتا مثار خلاف بين أنقرة وبغداد في السنوات الماضية، يبدو أن تركيا نجحت، على نحوٍ بدا مفاجئاً لكثيرين، في إقناع العراق بمعادلة "الأمن مقابل المياه والتنمية"، واقتربت من الاتفاق على دخول العراق شريكاً كاملاً معها في عملية "المخلب القفل"، ثالث عملية عسكرية، لاجتثاث حزب العمّال الكردستاني بي كي كي" الذي يعتبره الأميركيون والغرب "منظمّة ارهابية"، وتدمير معاقله.
وأوضح السعدون في مقال بصحيفة العربي الجديد أن الخطوة التالية في الاتفاق ستكون إنشاء "منطقة عازلة" بحدود 30- 40 كيلومترا في العمق العراقي، سيُعلَن عنها في أثناء الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد.
ورأى أن اللافت في الموضوع هو أن هذه الترتيبات التي جرى التوافق عليها في اجتماعات بغداد أخيراً بين البلدين، ولم تعلن كامل تفاصيلها، تجرى بعد 20 عاما من خلافات بغداد مع أنقرة على المياه وأمن الحدود التي كانت تتصاعد مرّة، وتخفُت أخرى، حيث بدا العراقيون خلالها مصرّين على طرد القوات التركية التي أقامت عشرات القواعد العسكرية عبر الجبال في شمال العراق، وحتى في مناطق متقدّمة من محافظة نينوى، ووصل الأمر إلى درجة تنظيم مليشيات مرتبطة بإيران هجمات على تلك القواعد، وسط مباركة أطراف سياسية عراقية فاعلة.
وقال: اللافت أكثر ما تردّد عن أن مليشيات "الحشد الشعبي" التي كانت تقيم علاقة تحالفٍ مع الحزب المذكور لصالح إيران ستشارك في الأعمال العسكرية، كما أن الخطوات المعلنة حظيت برضا ودعم "الإطار التنسيقي" الحاكم الذي يريد استخدام هذه الورقة للتغطية على الصراعات المحتدمة داخله.
وأضاف: إذا ما اعتبرنا اتفاق بغداد - أنقرة، إذا ما حصل، محاولة من العراق لرسم علاقاته مع جيرانه على قاعدة المنافع المتبادلة، والطموح التركي لإغلاق مشكلة حادّة شغلت الحاكم التركي سنوات طويلة، فإن النظر الى الاتفاق من الزاوية الأخرى يمكن اعتباره محاولةً لاستباق ما يمكن أن تصل إليه ترتيبات ما بعد حرب غزّة على صعيد المنطقة، حيث تتحفّز القوى الدولية والإقليمية للقيام بدور، أو للحصول على مكاسب، وتظهر هنا إيران طرفاً رغم أن دورها لا يزال مُضمرا، ولم يظهر إلى العلن بعد، وهي التي كان الوجود العسكري التركي في العراق يؤرّقها دائما، ويثير قلقها في وقتٍ تعتبر فيه العراق ملعبها الذي لا يمكنها أن تتسامح مع أي طرف دولي أو إقليمي في أن يلعب فيه من دون التوافق مع أجندتها.
وأردف: هناك أميركا التي تملك القرار الاستراتيجي في المنطقة، لا بد أن تكون قد أعطت، هي الأخرى، مباركَتها الاتفاق، وهي التي تعمل ليل نهار على تبريد سخونة الأحداث من حول إسرائيل المنشغلة بحرب إبادة غزّة، وهذه النقطة توحي أيضا بتوافق أميركي- إيراني، وعلى استعداد الجانبين للتفاهم في قضايا أخرى، منها الإقرار بدور إقليمي ما لطهران يرضي إسرائيل، ويتوافق مع مخطّطاتها. هنا ينبغي أن تلفت كل هذه التداعيات انتباه الحاكم العربي الذي يعاني من قصور الرؤية، والجهل بما يدور ليس على بعد أمتارٍ من الأرض العربية إنما أيضا في داخلها، وفي عمقها الاستراتيجي.
في سياق متصل، يرى الكاتب المصري حسام عامر إن إيران تعتبر ولا شك من أكبر القوى الإقليمية التي تتحكم في كثير من قواعد اللعبة السياسية داخل العراق بما في ذلك دعمها -من حين لآخر- لتنظيم بي كيه كيه أو للتنظيمات الأخرى المتحالفة معه مثل تنظيم وحدات المقاومة بإقليم سنجار والقريب من بعض عناصر قوات الحشد الشعبي المدعوم إيرانيا.
ويقول في مقال بموقع الجزيرة نت إن السبب وراء الدعم الإيراني لتنظيم بي كيه كيه يرجع سعيها إلى إضعاف أحزاب المعارضة الكردية داخلها، مثل حزب كردستان الديمقراطي الإيراني وحركة كومله الناشطة سرا داخل البلاد، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى استخدام إيران هذا الدعم كورقة للضغط على تركيا كلما تطلب الأمر ذلك خاصة وأن الأخيرة تدعم بدورها تنظيمات أذرية انفصالية في شمال إيران.
ويضيف: إلا أنني أعتقد أن التطورات الراهنة في الإقليم وما أعقبها من زيارة الرئيس الإيراني الأخيرة إلى أنقرة في فبراير/شباط الماضي ربما أدى إلى بلورة تفاهم بين البلدين وتقريب وجهات النظر في الملفات الخلافية وعلى رأسها تحجيم أنشطة حزب العمال الكردستاني الإرهابية في شمال العراق.
كما أنه من المعروف أن حزب العمال الكردستاني هو ذراع متقدمة للمعسكر الغربي سواء من حيث التمويل أو التسليح أو التدريب العسكري الذي ترعاه عدة دول غربية وتتولاه على الأرض أجهزة مخابرات الكيان الصهيوني وما يرتبط بها من شبكات العملاء.
وبالتالي لا عجب أن تغير إيران موقفها من التنظيم وتتخلى عن دعمها له داخل العراق لتحقيق مصلحة أهم لها مع تركيا وربما الحصول على مكاسب في ملفات خلافية أخرى مثل سوريا أو القوقاز.
وأردف الكاتب: كما أن مباركة إيران للعملية التركية العراقية المشتركة لتأمين إنشاء طريق تجاري عالمي يمر بالعراق ويربط بين آسيا وأوروبا، يجعلها تؤسس لمكسب جيوسياسي قد ينتج عنه إحكام حصارها الاقتصادي للكيان المحتل ومطبعيه، فمن خلال إفساحها المجال لإنشاء هذا الممر التجاري الدولي القريب من حدودها، يصبح الطريق الذي تكلم عنه نتنياهو سلفا، والرابط بين الكيان والهند عبر بعض الدول العربية، بلا فائدة، خاصة وأن هذا الطريق كان يهدف أساسا إلى تعويض بعض خسائر الكيان الناتجة عن إغلاق باب المندب بفضل عمليات الحوثي في البحر الأحمر.
أما الكاتب والمحلل السياسي سمير صالحة، فيقول في مقال بموقع تلفزيون سوريا إنه إذا لم تعقد قمة تركية إيرانية قريبة لبحث ما يجري فالسيناريو الأقرب هو أن التفاهمات ستكون تركية أميركية هذه المرة بعكس ما فعلته واشنطن قبل سنوات مع الجانب الإيراني.
وأوضح صالحة: أن ما تبحثه القيادات التركية في العاصمة العراقية فيه الكثير من الملفات التي نوقشت وتناقش بين الجانبين التركي والأميركي أيضا. تريد أنقرة التأكد من مواقف ونوايا الولايات المتحدة الأميركية في سياساتها السورية والعراقية الجديدة التي يدور الحديث عنها في هذه الأونة. لا تريد أن تكون المقايضات الأميركية الإيرانية في المناطق الحدودية الثلاث نسخة طبق الأصل عما فعلته واشنطن قبل عقد وهي تساوم إيران على الجبهتين: تهدئة نووية إيرانية مقابل إدارة وجه أميركي عما تفعله إيران في سوريا والعراق وفيه الكثير من الارتدادات السلبية على حساباتها ومصالحها هي. مشكلة تركيا هي مع مجموعات حزب العمال الكردستاني لكنها مع واشنطن وطهران وأدواتهما المحلية أيضاً التي تلتقي مصالحها وتتوحد ضد أنقرة وبغداد معا.
ويؤكد: أن أنقرة تريد القضاء على مجموعات حزب العمال الكردستاني وتريد إنهاء تواجد هذه العناصر في شمال العراق، لكنها لا تريد أن يتم ذلك في إطار إبعادها عن الحدود التركية العراقية وإبقاء الملف بيد إيران وغيرها كورقة أمنية وسياسية تلعب ضدها عند اللزوم. هي لا تريد أيضا أن يكون البديل عن تواجد هذه المجموعات انتشار الميليشيات الشيعية المحسوبة على طهران على حدودها العراقية كي لا تتحول تلك الجغرافيا إلى ساحة جنوب لبنان آخر يبقي المناطق الحدودية التركية العراقية دائمة السخونة والتوتر. الهدف التركي الثالث في حوار أنقرة مع بغداد اليوم هو حسم موضوع السليمانية التي تناور على الحبلين الأميركي والإيراني لمواجهة النفوذ التركي ولإضعاف شريكها في أربيل سياسيا وحزبيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!