ترك برس
أشار تقرير صحفي إلى الحضور المؤثر في الانتخابات المحلية التركية المرتقبة للزعيم الراحل نجم الدين أربكان، باعث الحياة في التيار الإسلامي التركي وأول رئيس وزراء تركي من صفوفه.
ذكر تقرير صحيفة العربي الجديد، بقلم مجد الدين صالح، أنه بعد أيام تبدأ الانتخابات البلدية المحلية التركية والتي تتخذ، من ضمن أشكال أخرى، هيئة معركة بين "أنصار العلمانية الكمالية وبين تيار المحافظة الإسلامية التركية".
وقالت الصحيفة إنه "في هذه الانتخابات كما في كل استحقاق انتخابي، يحضر الزعيم الراحل نجم الدين أربكان باعث الحياة في التيار الإسلامي التركي وأول رئيس وزراء تركي من صفوفه بين عامي 1969 و1997".
ولفتت إلى إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي يعتبر نفسه وريثا بشكل ما لأربكان ويصفه بمعلمه، أن هذه الانتخابات ستكون الأخيرة له، فيما عكست كلمات المرشحين الذين يتنافسون في المدن الكبرى وعلى رأسها إسطنبول عودة استلهام أربكان ومغازلة من ما زالوا يؤمنون بنهجه.
وقال مرشح حزب العدالة والتنمية لبلدية المدينة مراد كوروم: "لا أعتقد أن حزب "الرفاه من جديد" يريد أن يشتت أصوات مدينة إسطنبول التي كانت حلم المعلم أربكان". وأشاد بأن حكومة العدالة والتنمية أنشأت حديقة على أنقاض معمل من إنجازات أربكان. وحضر أربكان أيضا مع كلمات مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو رئيس البلدية المنتهية ولايته والذي أشاد بحكمة الراحل أربكان وسياسته.
يتنازع كثيرون في تركيا وراثة الزعيم الراحل نجم الدين أربكان، من بينهم ابنه المهندس محمد علي فاتح أربكان والذي يرأس مؤسسة أوقاف أبيه ورئاسة "حزب الرفاه من جديد". يقدم الحزب وعودا بإعادة نهج أربكان للدولة وقد بدأ يصبح رقماً صعباً في الساحة السياسية التركية ولا تخلو الآن أي استطلاعات رأي من اسمه، ووصل عدد منتسبيه لما يقارب الـ 400 ألف خلال أقل من 6 سنوات. فكيف بقي نهج أربكان مستمراً لأكثر من ٦٠ عاماً؟ يتساءل تقرير الصحيفة، ويتابع:
الشاب المتفوق
ولد نجم الدين أربكان في الذكرى الثالثة لعيد الاستقلال التركي عام 1926 في مدينة سينوب على البحر الأسود وتخرج من جامعة إسطنبول التقنية بمرتبة الشرف. وبسبب تفوقه، ذاع صيت مهندس الميكانيك أربكان سريعاً وأرسل في عام 1951 من جامعته للقيام بأبحاث في ألمانيا حيث حصل هناك على درجة الدكتوراه، عاد لتركيا ليدرس في جامعة إسطنبول وهو بعمر السابعة والعشرين.
ميللي غوروش
أسس نجم الدين أربكان حركة ميللي غوروش والتي تعني في العربية "الرؤية الوطنية"، عام 1969 من خليط من الأكاديميين ونشطاء إسلاميين محافظين وبدعم وتشجيع من شيخه شيخ الطريقة النقشبندية محمد زاهد كوتكو. ترتكز هذه الحركة على فكرة أن تركيا قادرة على النهوض بسرعة في حال ركزت على قوتها البشرية والاقتصادية، وحمت إرثها التاريخي وحافظت على معتقداتها وثقافتها. وستبقى هذه الأفكار الأساس الذي بنى عليها أربكان كل مسيرته السياسية، ابتداء من انتخابات 1969 حيث دخل الانتخابات كمرشح مستقل عن مدينة قونيا ونجح بنسبة أصوات عالية. بعد هذه الانتخابات أسس حزب "النظام الوطني" في عام 1970 واختار لهذا الحزب شعار السبابة في إشارة الى أن هذا الحزب لا يقبل في صفوف قيادته الأشخاص الذين لا يصلون ولا يصومون. حظر الحزب من قبل الجيش التركي بعد انقلاب عام 1971 وغادر أربكان بعد الانقلاب إلى أوروبا، إلا أن الجيش دعاه للعودة عام 1973 والمشاركة في الانتخابات لأنه كان يرغب بتشتيت أصوات اليمين التركي، كي لا يتفرد بها سليمان دميرال. عاد أربكان بالفعل وأسس حزب السلامة الوطني وشارك في الانتخابات وأحدث مفاجأة حين فاز 48 نائبا من أنصاره في البرلمان، مما جعله "بيضة القبان" في العملية السياسية التركية.
خطاب أربكان الإسلامي
حافظ نجم الدين أربكان على سقف عال في شعاراته وخطاباته الحماسية ذات الطابع الإسلامي فشبه حزبه بفتح القسطنطينية/ إسطنبول: "حزب السلامة الوطني يتسع مثل اتساع فتوحات السلطان محمد الفاتح، وهو الذي سيفتح إسطنبول". سطع نجم أربكان بعد التدخل العسكري التركي في قبرص حيث كان يشغل موقع نائب رئيس الوزراء في حكومة أجاويد مما جعل من أنصاره يطلقون عليه لقب "فاتح قبرص". استفاد نجم الدين من منصبه الوزاري لشد عصب جمهوره، فنجح بتمرير قانون تجريم الماسونية في تركيا وإغلاق محافلها وقام بإزالة تمثال في منطقة كاراكوي في إسطنبول لأنه "غير أخلاقي"، واستطاع الحصول على عفو لأشخاص مقربين منه والأهم من ذلك أنه افتتح 29 مدرسة جديدة من مدارس "أئمة وخطباء" والتي تعتبر خزان الحركة الإسلامية التركية وسمح بدخول خريجي ثانويات الأئمة والخطباء إلى الجامعة. في انتخابات عام 1977 تراجع عدد نواب أربكان إلى 24 نائبا أي خسر نصف عدد نوابه. لكنه قدم هذه الخسارة على أنها انتصار بقوله إن "من كان يراهن على خسارة حزب السلامة الوطني، خاب أمله. وسيرى كيف سنذهب للانتخابات القادمة وننجح بها ونشكل حكومة بمفردنا".
مسيرة القدس وسقوطه
مع نهاية السبعينيات، كانت البلاد تعيش أجواء توتر دائمة بين الجيش التركي "حامي العلمانية" من جهة، والقوى السياسية من جهة أخرى. اشتد هذا التوتر في السادس من سبتمبر/ أيلول 1980 بعد إعلان الاحتلال الإسرائيلي نقل العاصمة إلى القدس اذ خرج أنصار "الميلي غورش" في مسيرة كبيرة في مدينة قونيا انتقدها كنعان إيفرين قائد انقلاب 1980: "في هذه المسيرة جمع رجال الدين أتراكا أو مقيمين. رفض بعض المشاركين في هذه المسيرة ترديد نشيد الاستقلال التركي وطالبوا برفع الأذان مكانه. هذا الأمر أزعجني خصوصاً وأن أربكان كان يتخلف عن احتفالات عيد النصر لأسباب مثل المشاركة في جنازة عالم دين في أحد مدن البحر الأسود".
على أثر هذه المسيرة، حدث الانقلاب العسكري بقيادة إيفرين الذي أطاح بالسلطة السياسية واعتقل زعماءها ومنهم أربكان وأصدقاؤه، وبقي أربكان مسجونا حوالي ثلاث سنوات.
حلم وصول إسلامي لرئاسة الوزراء
لم يمل نجم الدين أربكان من المحاولة فعاد إلى العمل السياسي بعد خروجه من السجن، وأسس مع أصدقائه حزب الرفاه عام 1983 رغم أنه لم ينضم له رسميا بسبب قرار منعه من ممارسة العمل السياسي. في هذه الفترة ظهرت في الحزب مجموعة شباب وصفوا بـ "التقدميين الحداثيين" داخل الحزب مثل رجب طيب أردوغان، وعبد الله غول، دفعوا الحزب لكي يتوسع خارج دائرته الناخبة وجذب أصوات جديدة خارج "أصحاب اللحى البيضاء" والمقصود بهم المتدينون، فضم الحزب مجموعة من النساء غير المحجبات ومن الأقليات، وخفف من مواقفه الحادة ضد مؤسسات الدولة العلمانية. هذه التحديثات أوصلت أربكان لأعلى مجد في تاريخه السياسي، وهي انتخابات 1995 التي كانت بمثابة الزلزال على النخب التركية العلمانية، فقد تصدر حزبه الانتخابات وأصبح أربكان الإسلامي المحافظ ذو التوجه الشرقي قادراً على تشكيل حكومة ائتلافية، وأن يصبح هو رئيس الحكومة. إلا أن هذه العملية لم تكن سهلة، فقد كانت هناك ضغوط كبيرة من الجيش لمنعه من تشكيل حكومة، كما رفضت الأحزاب الأخرى في البرلمان التحالف معه، ووصل الحال إلى أن قائد الأركان اتصل برئيس البرلمان وأخبره أن تشكيل حكومة برئاسة أربكان قد يحدث قلقا في البلاد.
القذافي يساهم في تدمير حلم أربكان
بعد عدة محاولات، استطاع نجم الدين أربكان تشكيل حكومة وتوجه فور توليه منصبه في جولة تعكس رؤيته لتركيا، حيث زار إيران، ومصر، وليبيا، والنيجر. هذه الجولة لم تكن ناجحة حيث لم يرحب به الرئيس المصري حسني مبارك بسبب تطرقه لمسألة الإفراج عن كوادر الإخوان المسلمين وتخفيف الضغط عنهم. أما معمر القذافي ففتح باب الجحيم على أربكان ونظرته لوحدة العالم الإسلامي داخل تركيا عندما هاجمه وهاجم تركيا في مؤتمر صحافي مشترك. وفي اليوم التالي، سارعت الصحف التركية إلى نشر عناوين تنتقد في أربكان حامل حلم الوحدة الإسلامية، مثل صحيفة صباح التي عنونت: "ليلة مخزية. بدوي عاري الساقين، يهين تركيا أمام رئيس الحكومة التركية أربكان والوفد المرافق له".
هذه الزيارة الخارجية وما تبعها من أفعال داخلية مثل الخطابات والتصريحات التي تحمل نفسا إسلاميا وموائد رمضانية نظمتها البلديات التي فاز بها حزبه، شكلت سابقة في تاريخ الجمهورية التركية حيث اعتبرت تهديداً لـ"قيم العلمانية"، فقام الجيش بتوجيه إنذارات شفهية وتحريك قطع عسكرية بشكل بسيط إلى أن سلم أربكان استقالته بهدف تهدئة الأوضاع.
إرث أربكان
مُنع نجم الدين أربكان من ممارسة العمل السياسي عام 1997 وأغلق حزبه، فأسس حزب الفضيلة الذي لم يكن عضواً رسميا فيه أيضاً، بل كان يديره من خارجه. إلا أن التقدميين والحداثيين في الحزب أمثال رجب طيب أردوغان وعبد الله غول لم ينضموا للحزب الجديد وقرروا تأسيس حزب آخر لا يحمل تركة وآثار الماضي وأطلقوا علي حزبهم اسم "العدالة والتنمية" الذي بقي رئيسه أردوغان يصرح أنه يحترم ويقدر أربكان ويطلق عليه لقب "معلمي". ولكن هذا لم يجعل حزب العدالة ولا مؤسسيه بعيدون عن هجوم وانتقاد أربكان لهم. من رحم أفكار أربكان والحركة الام "ميللي غوروش" التي أسسها ولدت خمسة أحزاب تركية تتبنى كليا أو جزئيا أدبيات هذه الحركة وهي (حزب العدالة والتنمية، وحزب المستقبل، وحزب السعادة، وحزب الرفاه من جديد، وحزب الديمقراطية والتقدم).
يبدو واضحا كما تدلّ استطلاعات الانتخابات البلدية المقررة نهاية الشهر الحالي، وكما حدث في الانتخابات الرئاسية السابقة (مايو/أيار الماضي) فقد استطاع حزب الرفاه الجديد بقيادة فاتح أربكان نجل المؤسس أن يشارك حزب العدالة والتنمية الحاكم قاعدته الجماهيرية، لكن هل يستطيع يوماً استعادة دور والده كاملاً؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!