ترك برس
استعرض تقرير تحليلي للكاتب التركي سليمان سيفي أوغون، نقاطا رئيسية تتعلق بتاريخ وتطور حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتوترات والتحديات التي تواجه الحلف في علاقته مع تركيا، وكيفية تأثيرها على ديناميكيات التحالف والتحالفات الإقليمية.
وأشار أوغون في تقريره بصحيفة يني شفق إلى أن هذه المنظمة، أي الناتو، تأسست بهدف الدفاع ضد خطر محدد متمثل في الاتحاد السوفيتي، مضيفا: "إنها علاقة الأطروحة ونقيض الأطروحة. حيث ظهر حلف وارسو كنقيض للناتو، والناتو كنقيض لحلف وارسو. وعلى عكس تحليلات العالم ثنائي القطب التي أجدها مبسطة للغاية، فإني أعتبر الناتو كمشروع لسيطرة القوى المركزية الأنجلو أمريكية على أوروبا القارية".
وقال: "بعبارة أكثر صرامة، هذه المنظمة هي أداة تمكن الغرب فما وراء البحار من التحكم في الغرب القاري. إن وجود الاتحاد السوفيتي الشيوعي لم يشكل سوى الجانب المكمل للسيناريو لا أكثر. كان العالم الأنجلو ساكسوني بحاجة إلى مصدر خوف لضمان استمرار سيطرته على أوروبا القارية القائمة على هيمنة اليورو والدولار. وكان الخطر الشيوعي مصدر قوة يخدم هذا الغرض تماما. ولتشغيل هذا المولد، تم تسليم أوروبا الشرقية بأكملها، وجزء من أوروبا الوسطى، بما في ذلك ألمانيا الشرقية، إلى السوفييت كضريبة. (بالطبع، كانت المشهد معكوسا في الكتلة الشرقية، حيث كان الخطر هناك هو الخطر الرأسمالي الإمبريالي).
وأضاف: كانت العلاقات بين العالم الأنجلوساكسوني وأوروبا القارية غير متكافئة بشكل واضح للغاية. فقد بلغت العلاقات الاقتصادية بين هذين العالمين حجما يقارب 80% من التجارة العامة. لكن الطرف الذي كان يستفيد من الفائض عبر الدولار كان الأنجلوساكسونيين. ولذلك شهدت فترة الحرب الباردة توترات دائمة بين أوروبا القارية وحلف الناتو، وخاصة من خلال فرنسا. كانت فرنسا تزيد من حدة التوترات السياسية، بل وحتى العسكرية. بينما كانت ألمانيا المحتلة، التي لم يكن لها صوت يذكر، تسعى إلى تحدي هذه العلاقات غير المتكافئة من خلال تعزيز قوتها الاقتصادية بالتقارب من الكتلة الشرقية للاتحاد السوفيتي، مستفيدة من سياسة الانفراج التي بدأت بعد الستينيات. لم تنجح شكاوى فرنسا كثيرا، كما في قصة انسحابها بشكل مفاجئ من الجناح العسكري للناتو. أما ألمانيا، فقد تمكنت من دخول السوق الأمريكية كقوة جادة، خاصة في مجالات السيارات والآلات والكيمياء. كانت جهود ألمانيا التي تتزايد قوتها، إلى جانب فرنسا، في إنشاء الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو تهدف أساسا إلى تجاوز هذه العلاقات غير المتكافئة. (يجب أن أضيف أنني أعتبر عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي تسللا من الناتو بهدف السيطرة، وزواجا مؤقتا).
وتابع التقرير:
ابتداء من تسعينيات القرن الماضي أدى انهيار الكتلة الشرقية إلى تحول في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والعالم الأنجلوساكسوني. وفتح المجال أمام الاتحاد الأوروبي، فبدأ بملء الفراغات التي نشأت في أوروبا الشرقية والبلقان. لكن الناتو لم يقف مكتوف الأيدي أيضا، حيث ضم دولا من نفس المنطقة إلى بنيته. وكما نعلم فإن توسع الاتحاد الأوروبي والناتو في أوروبا الشرقية والبلقان قد حدث بشكل متزامن ومتسلسل. لكن يمكنني القول إن الاتحاد الأوروبي هو الذي تحمل العبء الأكبر من المشاكل الناتجة عن هذا التوسع. فقد نما الاتحاد الأوروبي، الذي كان بعيدا عن تحقيق الوحدة السياسية والقانونية والعسكرية، دون استعداد كامل؛ بالإضافة إلى ذلك، زادت النفقات. ولكن أسوأ ما في الأمر أنهم بدأوا يعانون من التوترات بين أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية بسبب الاختلافات السياسية والثقافية، والتي باتت واضحة تماما هذه الأيام.
انهيار الكتلة الشرقية أدى في الأساس إلى زعزعة استقرار العلاقات المتوترة بالفعل بين الناتو والاتحاد الأوروبي. لم يعد هناك عدو بعد الآن. إذن كيف ستستمر السيطرة؟ لعبت بعض الأحداث دورا في الحفاظ على هذه علاقة السيطرة لحد معين، مثل الصراع في البلقان، والتهديد المزعوم للإرهاب الإسلامي، وخطر الديكتاتورية الإسلامية كما في العراق. ويجب النظر إلى أحداث البوسنة، و11 سبتمبر، وأفغانستان، والعراق، وليبيا، والربيع العربي على أنها سلسلة مترابطة. واللافت للانتباه هنا هو بروز ثنائي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، كما في مثال بلير وبوش. بمعنى أن هذا بالضبط كان الجوهر الأساسي لحلف شمال الأطلسي الذي أظهر نفسه. نعم في جميع هذه الأحداث، تمكن الناتو من جر قوات الاتحاد الأوروبي وراءه. لكن هذا لم يمنع الناتو، الذي تم بناؤه وفقا لقوانين الحرب الباردة، من أن يصبح أشبه بعجلة تدور دون فائدة، وأن يفقد السيطرة.
لكن التطورات الحاسمة ظهرت في أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة. فقد بدأت الصين في توجيه ضربة قوية ليس فقط للاقتصاد الأمريكي الذي دخل في مرحلة الانحدار بعد السبعينيات، بل أيضا للعلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا. حيث كانت الصين تزيح الهيمنة الأمريكية على السوق الأوروبية بسرعة. وهذا يعني عالما جديدا يتم فيه ربط أوروبا بآسيا بدلا من الولايات المتحدة وأوروبا. من ناحية أخرى، كانت روسيا، باعتبارها القوة الأوراسية، تعمق علاقاتها مع كل من أوروبا والصين، خاصة من خلال الطاقة، حيث كانت المورد الرئيسي للطاقة لكليهما. كان على الناتو اتخاذ قرار. فمن الواضح أن الولايات المتحدة ستخسر إذا استمر الوضع على ما هو عليه. ولهذا السبب بالضبط، تم إشعال حرب روسيا وأوكرانيا. لقد ضغطت الولايات المتحدة على أوروبا بكل قوتها. وكان الناتو الأداة الرئيسية لهذا الانخراط. كان حلف شمال الأطلسي هو الأداة الرئيسية لهذا التوجه. سيسجل التاريخ المنصف في المستقبل أن الحدث الحقيقي وراء حرب روسيا وأوكرانيا كان احتلال الولايات المتحدة لأوروبا بهدف سحق العلاقات المتنامية بين أوروبا وآسيا وأوراسيا. يجب ألا ننسى أن هذا السيناريو هو نتاج لعقلية مرضية للنخب النيوكونية التي تسعى إلى تدمير جميع الأعداء وتصفية مدرسة كيسنجر المتوازنة وتسعى إلى الهيمنة الأمريكية المطلقة، أعتقد أن موافقة النخب الأوروبية على هذا الأمر ناتجة عن شعور بالخضوع من ناحية، و الخوف من التوسع الهائل للصين من ناحية أخرى. ربما كان ذلك خوفا من الوقوع في فخ أسوأ من الذي هربوا منه.
والآن لم يعد الناتو مجرد منظمة دفاعية ضد الشيوعية. بل هو الآن حلف جديد ذو أهداف هجومية. ومن الواضح أن كل من ينجذب إلى دوامته سيدفع ثمنا باهظا على المدى المتوسط والطويل. لم يعد الناتو أداة لدرء الخطر، بل أصبح هو نفسه مصدرا للخطر. وتعد العلاقات التركية-الأطلسية موضوعا مستقلا. ولكن عند مناقشة هذا الموضوع، لا بد أن نتذكر أن الناتو لم يعد هو الناتو القديم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!