ترك برس

سلط تقرير لموقع "الخليج أونلاين" الضوء على انعكاسات التقارب التركي المصري على التطورات الإقليمية، وبخاصة القضية الفلسطينية والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. 

جاء ذلك في معرض تحليل يناقش تداعيات زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا مؤخرا ولقائه بالرئيس رجب طيب أردوغان، لتضع العلاقات بين البلدين في مستوى جديد من التنسيق والتواصل.

وذكر التقرير أن "الزيارة جاءت في ظل تعقيدات إقليمية غير مسبوقة"، بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، والأزمات الأخرى في مناطق ذات أهمية خاصة للدولتين، كسوريا وليبيا والقرن الأفريقي.

ومع الاتفاقيات التي جرى التوقيع عليها، والتصريحات الإيجابية الصادرة عن قيادتي البلدين، يُنتظر أن تشهد المرحلة المقبلة تنسيقاً متقدماً بين البلدين، خصوصاً فيما يتعلق بالحرب في غزة.

مرحلة جديدة

منذ العام 2013، فَترت العلاقات المصرية التركية، بسبب موقف تركيا من الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، وتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي كان وزيراً للدفاع آنذاك، مقاليد الحكم.

وطيلة 12 عاماً ظلّت العلاقة السياسية بين البلدين شبه مقطوعة، إلا أن التبادل التجاري بين البلدين لم يتأثر كثيراً، كما حرص الجانبان على ألا يصل الأمر بينهما إلى النقطة الحرجة.

ومنذ إعلان تركيا ومصر رفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين في يوليو 2023، شهدت العلاقات تحسناً مطرداً، وبلغ ذلك التحسن ذروته مع زيارة أردوغان إلى القاهرة في فبراير 2024.

كما أن زيارة السيسي، في 4 سبتمبر الجاري، إلى أنقرة، تُمثل مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، وقد أثمرت 18 اتفاقية مذكرة تفاهم بينهما، فضلاً عن التأكيد على وحدة موقف البلدين إزاء الحرب الدائرة في غزة.

وخلال الزيارة ترأس الزعيمان الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين، وقال الرئيس التركي إن "البلدين يتعاونان في جميع القطاعات، ويواصلان العمل لتعزيز العلاقات"، في حين قال الرئيس المصري "إن ما تعيشه المنطقة من أزمات يؤكد على أهمية التنسيق والتعاون بين مصر وتركيا".

وحدة الموقف من غزة

وتكمن أهمية وخصوصية هذا التقارب بين مصر وتركيا في تزامنه مع العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، ومخاوف العالم من اتساع رقعة الصراع، لا سيما أن مصر من أكثر الدول تضرراً من استمرار هذه الحرب بحكم قربها من غزة.

وقال الرئيس التركي، في كلمة له السبت (7 سبتمبر)، إن النقاشات مع السيسي تناولت قضايا المنطقة وأبرزها الوضع في غزة، مؤكداً ان الأولوية الآن لوقف المجازر في القطاع والتوصل إلى وقف إطلاق النار.

كما أشار إلى أن "المرحلة الجديدة التي تم إطلاقها في العلاقات مع مصر ستكون لصالح غزة وفلسطين"، مؤكداً أن "الوقوف ضد إرهاب الدولة لإسرائيل واجب إسلامي وإيماني بالنسبة لنا، كما أنه قضية وطنية".

وسبق أن أكد السيسي خلال زيارته لأنقرة أن "موقف مصر وتركيا متطابق بالدعوة لوقف فوري لإطلاق النار وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة".

كما شدد السيسي على أهمية التنسيق في مجال المساعدات الإنسانية، لافتاً إلى أنه جرى التباحث حول الوضع في سوريا والسودان أيضاً.

وحظيت زيارة الرئيس السيسي لأنقرة بإشادة واهتمام في الأوساط العربية والخليجية تحديداً، وحول هذا قال مستشار الرئيس الإماراتي أنور قرقاش: إن "زيارة الرئيس المصري إلى تركيا تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز جسور التواصل الإقليمي، وتحمل في طياتها رؤية إيجابية للمستقبل".

وأضاف قرقاش، في تدوينة على منصة "إكس": "الدول العربية والإقليمية مطالبة اليوم بالتواصل والتعاون وترتيب أولوياتها للتصدي للتحديات وتحقيق الازدهار والاستقرار المشترك".

تحييد المخاطر

وثمة من يأمل من وراء الزيارة أن تشكل مرحلة جديدة من التنسيق لا على الصعيد السياسي والاقتصادي فقط، بل على الصعيد الأمني والعسكري، ومن هؤلاء المحلل السياسي المصري خيري عمر.

وأشار عمر، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن هناك تنسيقاً رفيعاً بين مصر وتركيا، قد يصل في مرحلة ما إلى تنسيق الأعمال الدفاعية والعسكرية، وهذا لا يقتصر على القضية الفلسطينية فقط، بل سيشمل بعض الملفات الأخرى، كالملف السوري والليبي وكذلك القرن الأفريقي.

ولفت إلى أن هذا التعاون يعود لإدراك البلدين أن هناك مخاطر مشتركة في كل هذه الملفات، مشيراً إلى أن هذا التنسيق "وفر أرضية مناسبة لتحييد المخاطر التي يفرضها المشروع الإسرائيلي، تجاه قطاع غزة، وخصوصاً ما يتعلق بالتصورات الأمنية في القطاع بعد الحرب".

واستطرد قائلاً: "مصر وتركيا تسعيان لأن تكون هناك صيغة سياسية يختص بها الفلسطينيون دون غيرهم، لكي تكون رافعة في المستقبل لإعادة النقاش الفلسطيني، وفق القواعد السابقة".

ولفت إلى أن الأوضاع الراهنة والتحديات تمثل فرصة للتكامل والتحالف بين تركيا ومصر، مشيراً إلى أن هذا يقوم على أمرين:

الأول يتعلق بالتحديات التي يفرضها العدوان على غزة، خصوصاً أن الولايات المتحدة و"إسرائيل" تدفعان باتجاه إحداث فوضى في المنطقة، وهذا يمثل تحدياً كبيراً لتركيا ومصر.
الثاني يتعلق بتمتع البلدين بإدارة سياسية متماسكة، وقوة عسكرية منظمة ومتناسقة، ومن ثم فهناك أرضية مناسبة للتعاون والتنسيق والتكامل الدفاعي لمواجهة المخاطر.

ثِقل سياسي

من وجهة نظره يرى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو أن التنسيق المصري التركي مهم جداً للقضية الفلسطينية، لكونه سيشكل نوعاً ما "ثقلاً سياسياً" على إسرائيل، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وأضاف رضوان أوغلو، في تصريحات لـ"الخليج أونلاين": "كلما كان التنسيق أقوى وأفضل كان في مصلحة القضية الفلسطينية"، لافتاً إلى أن تركيا ستكون داعمة لمصر في هذا الشأن.

كما شدد في هذا الصدد على أن "تركيا ستكون خلف مصر في هذا الأمر، لذلك كان الكلام واضحاً بأن تركيا تدعم مصر في كل المناحي والجوانب السياسية والاقتصادية في القضية الفلسطينية، وتقف خلفها تماماً".

وفيما يتعلق بتأثير هذا التنسيق والتعاون المصري التركي على القضية الفلسطينية، يرى فراس أوغلو أنه ما دامت الولايات المتحدة تدعم "إسرائيل" في هذه الحرب فإنه لا يمكن لأحد أن يوقفها.

واستطرد قائلاً: "هذا التقارب يشكل نوعاً من الدعم المعنوي ليس أكثر، ولا أظن أن يكون هناك تأثير قوي حتى لو اتفقت تركيا ومصر على إيقاف الحرب، ما لم توافق الولايات المتحدة لا يستطيعان فعل شيء".

كما لا يرى المحلل السياسي التركي أن بإمكان التنسيق المصري التركي أن يتحول إلى تحالف استراتيجي، بل سيبقى في إطار التعاون والتنسيق الكبير، "لأن في هذا التنسيق الاستقرار للمنطقة ونموها استراتيجياً واقتصادياً".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!