ترك برس
سلط مقال تحليلي للكاتب الصحفي التركي سلجوق تورك يلماز، الدور الذي تلعبه القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، في دعم إسرائيل، وما يترتب على ذلك من قضايا تتعلق بالجرائم ضد الإنسانية والإرهاب.
وقال الكاتب إنه منذ السابع من أكتوبر، بات واضحاً للعالم بأسره أن التحالف الأنجلوساكسوني بقيادة الولايات المتحدة يشجع إسرائيل فعلياً على ارتكاب جرائم حرب. ومن المعروف أيضًا أن الصهاينة قد دمجوا هذه الجرائم ضمن إطار نظري منذ فترة طويلة ضد السكان الأصليين لفلسطين.
وأوضح تورك يلماز في مقاله بصحيفة يني شفق إنه من الممكن التعمق في تفاصيل هذه النظرية، إلا أن الجرائم التي ارتكبها المنظّرون الصهاينة والمنظمات الإرهابية الصهيونية بهدف نشر الرعب والخوف واليأس والإحباط تستحق معالجة منفصلة.
وأشار إلى أن أولئك الذين أدخلوا الإرهاب إلى منطقتنا حملوا أهدافاً متعددة، إلا أن إسرائيل تواصل تكرار نفس الأفعال في غزة والضفة الغربية لنشر مشاعر الرعب والخوف واليأس في النفوس. أما الأمر الجديد في الأحداث الراهنة فهو الدعم العلني الذي تقدمه بريطانيا والولايات المتحدة لأفعال إسرائيل، التي ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية.
وتابع المقال:
خلال فترات الاستعمار والإمبريالية، عمدت الولايات المتحدة وبريطانيا إلى تعقيد علاقاتهما مع إسرائيل بشكل مقصود، في سلسلة من الأحداث المتتالية. إلا أن الكثيرين لم يكترثوا لفهم هذه التعقيدات، مكتفيًا بالمظاهر الواضحة دون التعمق في ما وراءها. وبعد السابع من أكتوبر اتضح أن هناك العديد من الأسئلة حول عمق العلاقة بين الأنجلوساكسونيين وإسرائيل بقيت دون إجابة. كما أن افتقارنا إلى الفهم العميق وتحليل ما تعنيه مصطلحات مثل "رأس المال اليهودي" أو "رأس المال العالمي" هو من سمات هذه الفترة. وفي هذا السياق، بات من المقبول لدى الكثيرين اليوم أن جرائم الإبادة الجماعية المستمرة في غزة لا يمكن فصلها عن الحرب في أوكرانيا. وعليه، فإن الولايات المتحدة وبريطانيا، تواصلان تأجيج الصراع في كلا المنطقتين، من أجل الحفاظ على مكانتهما المميزة التي اكتسبتاها خلال فترات الاستعمار والإمبريالية، فهما تشجعان إسرائيل الصهيونية بشكل علني على ارتكاب الجرائم. والقرارات الحاسمة تصدر عن الأنجلوساكسونيين فهم صناع القرار.
ولا أدعي أن الفكرة السائدة حول هيمنة رأس المال اليهودي على الولايات المتحدة وبريطانيا هي اعتقاد لا أساس له، فمن المؤكد أن قوة هذا المال لعبت أدوارًا هامة للغاية خلال القرنين الماضيين. ومن يتعمق في دراسة العلاقات المعقدة بين البنوك والحروب النفطية سيجد أدلة دامغة على نفوذ الرأسماليين اليهود. إلا أن هذا لا يجيب على السؤال المحوري: لماذا يبرز اليهود الصهاينة في كل الأعمال القذرة؟ سبق لي أن كتبت عن العلاقات الوثيقة القذرة بين إسرائيل والإدارة الأنجلوسكسونية البيضاء في جنوب أفريقيا في سبعينيات القرن الماضي، وذلك عندما كنت شرح موقف جنوب أفريقيا المؤيد للفلسطينيين. فقد تبين أن أحفاد سيسل رودس، الذين كانوا يمثلون أقصى درجات العنصرية، كانوا يتجنبون التعامل المباشر مع بريطانيا والولايات المتحدة للحفاظ على استمرار نظامهم الاستعماري. ولهذا استمرت روابط هذين البلدين بنظام الفصل العنصري وراء ستار إسرائيل. لكن جنوب أفريقيا أثبتت فيما بعد أن أصحابها الحقيقيون لا يقبلون أن يكون الاستعمار الجديد مجرد امتداد للاستعمار القديم. فبالرغم من الضغوط الأمريكية والبريطانية، تمكنت جنوب أفريقيا من رفع قضية فلسطين إلى محكمة العدل الدولية، مما مهد الطريق لمحاكمة إسرائيل.
يُقدم الصهاينة الإسرائيليون جميع جرائمهم ضد الإنسانية على أنها صراع حضاري بين الحضارة الغربية والبربرية. للأسف، والاعتقاد بأن هذا الادعاء زائف هو خطأ فادح. وطالما لم يتم حل التناقضات الكامنة في هذا الخطاب، لن نتمكن من فهم موقف الإسرائيليين بدقة، ولن نستطيع تقييم دور الولايات المتحدة وبريطانيا في هذه الصراع. لطالما قدمت الولايات المتحدة وبريطانيا صراعهما ضد البربرية على أنه واجب حضاري وموقف أيديولوجي، بدءًا من رودرد كيبلينج على الأقل. كتب كيبلينج كيبلينج قصيدته الشهيرة "عبء الرجل الأبيض" ليبرر جميع أعمال الاستعمار القذرة ويضفي عليها بعدًا أيديولوجيًا. وبالتأكيد من المهم التركيز على مهمة "التمدين" التي أعلنت عنها شخصيات مثل سيسل رودس أو شركة الهند الشرقية، ولكن الحقيقة هي أن أمريكا الشمالية هي التي تم "تمدينها" بشكل أساسي. إن الشبه بين الإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان غزة والإبادة الجماعية التي تعرض لها الهنود الحمر (الأمريكيون الأصليون) يلفت الانتباه بشكل أكبر. ويعلمنا الإسرائيليون الصهاينة الكثير عن طبيعة "الحرب الحضارية" التي يدعي الغرب خوضها. ففي حين تدين الولايات المتحدة وبريطانيا الإرهاب، إلا أنها تكافئ إسرائيل على جرائمها الإرهابية.
ويؤكد المقال المشترك لرؤساء الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، والذي نشر في صحيفة فاينانشيال تايمز، أن حرب أوكرانيا وجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة والضفة الغربية ستستمر. ويعترف كاتبا المقال بأنهم على الخطوط الأمامية، لكنهم يتركون جرائم إسرائيل للصهاينة. وهذا تصرف ذو مغزى، لكن عواقبه تهم بشكل أساسي أولئك الذين يؤمنون بالأنجلوسكسونيين والصهاينة اليهود.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!